الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

الانتخابات الأميركية في ميزان العرب: أين الصوت العربي؟

المصدر: النهار العربي
خالد باطرفي
صورة مركبة لترامب وبايدن. (عن بي.بي.سي").
صورة مركبة لترامب وبايدن. (عن بي.بي.سي").
A+ A-
كنّا وفداً إعلاميا سعوديا في زيارة رسمية لواشنطن بدعوة من الخارجية الأمريكية عام 2002. وتضمنت الزيارة جولة على الكونغرس ولقاءات مع بعض النواب المعنيين بالشرق الأوسط. سالت احدهم، وقد بدت على ملامحه أصول اسيوية، لماذا يتحيز الجميع لإسرائيل؟ فكر مليا قبل أن يقرر أن يجيبني بصراحة ووضوح: ”لأن اللوبي الإسرائيلي متواجد دوماً هنا، واللوبي العربي لا وجود له. فجماعات الضغط والمنظمات المناصرة لإسرائيل تراقب التصويت على كل قرار مؤثر على مصالح الجالية اليهودية و "أرض الميعاد" فتتواصل مع النواب قبل وبعد التصويت، وتمارس الإقناع تارة، والتوبيخ أو الشكر ثانية، لتكريس الدعم المطلق لقضاياهم. أما العرب، فلا حضور لهم لا دبلوماسيا من قبل السفارات ولا شعبيا من قبل الجاليات. ولذلك لا يشعر النائب الذي صوت لصالحهم أن الأمر سيفيده ولا الذي صوت ضدهم بأن القرار سيضره. ناهيك بالموقف العربي نفسه الغائب والمتضارب، وحتى الفلسطينيون، ولهم هنا جالية كبيرة ومتعلمة وغنية، ليسوا متوافقين تجاه قضيتهم، وغير معنيين بالدفاع عنها“. 
 
وكتب الدكتور خالد باطرفي في "النهار العربي": "في زيارة لصحيفة رئيسية في مدينة سياتل بولاية واشنطن التقينا بإدارة التحرير، فطرحت السؤال نفسه عليهم. وبعد تردد، أجاب محرر صفحة الرأي، فروى موقفا مر عليه لا ينساه. فقد كتب رأيا ينتقد المعاملة الإسرائيلية القاسية للشعب الفلسطيني بعد الانتفاضة الثانية، وصاغه بأسلوب منطقي ومتوازن وهادئ، ليس فيه استفزازا مقصودا أو تجنٍ على إسرائيل. لم يحدث شيء لأسابيع، ثم انهالت على الصحيفة بدون سابق إنذار رسائل متشابهة في نصها من مدن وولايات مختلفة، خلال فترة محددة، كلها تندد بالمقال وموقف الصحيفة وتهدد بمقاطعتها إذا لم تنشر تصحيحا لموقفها. وعندما لم تتراجع إدارة التحرير، بدأت حملة أخرى لإلغاء الاشتراكات والإعلانات. كان هذا درسا قاسيا دفع الصحيفة الى تخفيف مواقفها اللاحقة، وقد أدركت ان الحملة كانت منظمة بإدارة منظمات تناصر إسرائيل. 
 
الدستور الأميركي لا يمنع إنشاء جماعات للضغط، حتى ولو كانت لدعم دول أجنبية. ورغم أن أكثر هذه الجماعات يدعم قضايا محلية كأنصار البيئة، أو تحليل أو تجريم الإجهاض، والزواج المثلي وحمل السلاح، او لحساب صناعات النفط والسلاح والتبغ، ونقابات العمال والمزارعين والجنود المتقاعدين، إلا أن قلة منها تمثل حقوق ومصالح أقليات كالسود واليهود والكوبيين والمكسيكيين. ثم هناك المنظمات والمراكز التي تدافع عن مصالح دولة إسرائيل باسم الصداقة بين البلدين، أو محاربة العنصرية واللاسامية، أو أحياء ذكرى الهولوكوست والتذكير بالتقصير الأوروبي والأميركي في الدفاع عن ضحاياه. وهي الجهات الأميركية الوحيدة التي سمح لها بتمثيل مصالح بلد أجنبي. 
 
في المقابل، لا توجد تنظيمات ”قوية“ تدافع عن حقوق الجاليات العربية والمسلمة رغم أنها من أكبر وأكثر الجاليات نجاحا وثراء، نسبة لتعدادها. وعدا بعض المنظمات الإسلامية المحدودة في حجمها ونشاطها مثل مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية ”كير“، يكاد يكون حضورنا في المؤسسات الإعلامية والأكاديمية والسياسية فرديا وغير منظم. 
 
حملت هذا السؤال الى احد النواب العرب في الحزب الديموقراطي، فقال: ”أكثرنا جاء الى أميركا مهاجرا من بلدان انهكتها الحروب والصراعات، وقتلت الحكومات الثورية فيها الإبداع والنجاح. وعاهدنا أنفسنا على أن نحقق ما عجزنا عن تحقيقه في بلداننا، هنا في العالم الجديد، حيث لا سقف للتفوق وتحقيق الذات. كما حرصنا على الابتعاد من السياسة والتفرغ للتعلم والعمل، والاندماج كلية في المجتمع الجديد. وهكذا نشأ جيل جديد لا علاقة له بماضينا، ولا يعرف الكثير عن تاريخه وتراثه العربي، فضلا عن الانتماء اليه. 
 
ثم جاءت حوادث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، ووجدنا أنفسنا في دائرة الاتهام والكراهية لأننا عرب. فرغم كل ما أهملناه وتجاهلناه عن تاريخنا وهويتنا، وكل ما قدمناه للوطن الجديد، إلا أن زملاءنا وجيراننا، في العمل والمدرسة والحي، لم ينسوا ما تناسيناه وعاقبونا عليه. حينها أدركنا أن كل أرصدتنا المصرفية، وشهاداتنا العلمية، وانجازاتنا العملية، لا تشفع لنا، ولن تحمينا إذا لم نفعل ما فعلته الجاليات الأخرى، فندخل غمار السياسة ونشارك في العمل السياسي من خلال الاحزاب وعبر صناديق الانتخاب. ولان الحزب الديموقراطي هو الأقرب الى نبض المهاجرين والملونين فقد انخرط أكثرنا معه، وقلة انضمت الى الحزب الجمهوري. 
 
ما زلنا في أول المشوار، والطريق أمامنا طويل، فقد سبقنا “أولاد العم“ بعشرات السنين، وتنظيمهم مدعوم بمئات ملايين الدولارات من تبرعات واشتراكات اليهود ودعم أصدقاء اسرائيل من اليمين المسيحي، ولهم ممثلين في جميع أفرع الدولة، التنفيذية والقضائية والتشريعية. كما لهم حضور قوي في المؤسسات المالية والأكاديمية والإعلامية والترفيهية كالموسيقى والفنون وأبرزها صناعة الأفلام، يجمعهم هدف واحد، هو دعم إسرائيل وتمكين اليهود. وخلفهم الصهيونية العالمية والدولة اليهودية. ويأتي بعدهم اللوبي الإيراني، فكل الجالية الإيرانية هنا، بغض النظر عن توجهاتها الفكرية، على قلب رجل واحد، تحركهم إيران بـ“الريموت كونترول“. أما نحن، فلا يجمعنا هدف ولا قضية، وحتى في القضايا التي نلتقي فيها يسود الاختلاف. فهناك العربي المسلم (سني وشيعي) والمسيحي (القبطي والكاثوليكي والأرمني والأرثوذكسي)، وفكريا هناك اليميني واليساري، وعرقيا هناك المشرقي والمغاربي، وهكذا. والولاءات تختلف أيضا حسب الانتماء، سواء للدول والمحاور وأبرزها المحور الإيراني، أو للجماعات وأنشطها ”الإخوان المسلمين“. وهكذا تنعكس الخلافات العربية في بلداننا علينا، ويتفرق جمعنا بين هذا المحور وذاك. وتركيزنا حاليا على الحضور في المشهد السياسي الأميركي من خلال الترشح والفوز بالمناصب المحلية والقومية، حتى يصبح لنا مكانة وصوت عندما تكون هناك مصلحة للجالية العربية اولا، وربما مستقبلا للدفاع عن قضية عربية يتفق عليها العرب!“ 
 
نعم، حتى يتفق العرب سياسيا في بلدانهم يمكن أن يتفقوا على دعم قضاياهم في المهجر. وحتى يتحقق ذلك أرى أن نعمل من خلال من اجتمع منهم، فمصر والسودان والمغرب العربي ودول الخليج يمكن أن يشكلوا مراكزا ثقافية ترفع شعارات التعاون والتسامح والتعريف بالثقافة العربية والاسلامية والدفاع عنها في المحافل الإعلامية والأكاديمية والثقافية... والسياسية. هكذا بدأ غيرنا، وهكذا نجحوا ... وأول الطريق الطويل خطوة". 
 
@kbatarfi
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم