الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

المبادرة الوحيدة الإنقاذية للبنان هي المبادرة الداخلية

المصدر: "النهار"
"كي نصل بالبلاد إلى برّ الأمان قبل السقوط المروّع" (تعبيرية- "النهار").
"كي نصل بالبلاد إلى برّ الأمان قبل السقوط المروّع" (تعبيرية- "النهار").
A+ A-
الدكتور جيرار ديب
 
أكّد رئيس الوزراء المكلّف سعد الحريري، في كلمته التي ألقاها في ذكرى اغتيال والده الرئيس الراحل رفيق الحريري، "أنه لا يمكن إنقاذ لبنان من أزمته الحالية وتشكيل حكومة جديدة بدون دعم الدول العربية والمجتمع الدولي". وفي سياق متصل، أضاف "أنّ دول الخليج تدعم الاقتصاد اللبناني الهشّ، لكن هذه الدول تبدو غير راغبة في المساعدة لتخفيف أسوأ أزمة مالية في بيروت منذ عقود، وتُلقي باللائمة على تنامي قوة جماعة "حزب الله" المدعومة من إيران". أما في الشقّ الداخلي، فقد وجّه الحريري سلسلة من الاتهامات بالعرقلة للرئيس ميشال عون وتياره السياسي، ولا سيما المطالبة بالثلث المعطّل، علماً أنّ رئيس البلاد كان قد أكّد سابقاً رفض تلك الصيغة في تشكيل الحكومة. 
 
في المقابل، ذكرت مصادر "التيار الوطني الحرّ"، "أنه لا حكومة ستُشّكَل إلّا وفق معايير موحّدة تسري على الجميع". ولفتت هذه المصادر إلى "أنّ محاولة الرئيس المكلّف تشكيل حكومة تجاوز الرئيس ميشال عون، لا يمكن أن تمرّ على الإطلاق". فبين التيارين الأزرق والبرتقالي تتوقف عملية التشكيل، ويدخل البلد في نفق اللاعودة إلا إذا تنازل أحدهما للمصلحة العامّة. لهذا، لا تتعلّق عملية إنقاذ البلد وتشكيل الحكومة بمبادرة فرنسية أو قطرية. فعلى ما يبدو، لا يحتاج البلد إلى مبادرة داخلية، تزيل الشكّ وتعيد الثقة بين اللاعبين الأساسيين في السياسة اللبنانية. فهل صدق الرئيس نبيه بري عندما أصدر بياناً بأنه "لم تعد هناك عوائق خارجية تحول دون تشكيل الحكوة، فالعائق من عندياتنا؟".  
 
سعد الحريري الذي قام بجولات وصولات عربية باستثناء المملكة العربية السعودية، وغير عربية ولا سيما تركيا وفرنسا، استجمع على ما يبدو حشداً داعماً لرؤيته في تشكيل الحكومة في لبنان، ما سيضع العهد وسيّده في خانة التوقيع. إلّا أنّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستجري رياح الحريري في التشكيل بما تشتهيه سفنه؟ أم سترتطم بصخرة العهد وتتلاشى، ويعود اللبناني ليعيش حالة الانتظار من جديد؟ 
قراءة هادئة لتحرّكات الحريري الخارجية، تدلّ على أنها تتقاطع مع عناوين داخلية أتت على أكثر من لسان؛ جميعها يهدف إلى تضييق الخناق على العهد وتياره برئاسة الوزير باسيل، الذي لا يُخفي سُخطه المتصاعد على كافة الأفرقاء في الداخل، ولا سيما حليفه الرئيسي "حزب الله"، باعتبار أنه لم يساند العهد كما يجب. 
 
كرّر "التيار الوطني الحرّ" إثر اجتماع مجلسه الدوري إلكترونياً برئاسة النائب جبران باسيل، أنّ تفاهم مار مخايل "لم ينجح في مشروع بناء الدولة وسيادة القانون". ورأى المجلس "أنّ تطوير هذا التفاهم باتجاه فتح آفاق وآمال جديدة أمام اللبنانيين هو شرط لبقاء جدواه"، في إشارة واضحة إلى زعزعة الثقة بين التيار و"حزب الله"، إذ يرى التيار أنّ الحزب لم يلاق مسيرة العهد الإصلاحية في مكافحة الفساد، بل ظلّ يُعلي شأن البيئة الشيعية واحتضانه الرئيس بري فوق المصلحة الوطنية ما استفزّ العهد وتياره، باعتبار أنّ الحليف لم يكن على قدر الطموح الوطني المطلوب. 
 
في المقابل، كانت لافتة تغريدة النائب أنور الخليل، المنتمي إلى "كتلة التنمية والتحرير" برئاسة الأستاذ نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني، التي دعا فيها الرئيس عون إلى تقديم تنازلات، وإلّا فالذهاب إلى مطالبة الأمم المتحدة بوضع لبنان تحت الفصل السابع. صحيح أنّ النائب المذكور عاد وأوضح مضمون تغريدته، لكن من المؤكّد أنه يعبّر عن لسان حال الرئيس بري، الخصم الأول للعهد. بدليل أنه لم يدخل تسوية الرئاسة، كما أنّ بينه وبين رئيس التيار مشاكل كثيرة. 
يتقاطع مع الرئيس الحريري في مطالبه الداخلية التي تضع مسؤولية التعطيل على العهد، ذلك النداء الذي وجّهه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في عظته، التي طالب فيها بوضع لبنان على طاولة "التدويل" من خلال حضانة دولية للبنان، بعدما فشل مسؤولوه بالخروج من أزمة التشكيل، في بلد يتخبّط بأكثر من أزمة، وعلى رأسها الضائقة الاقتصادية الخانقة، بالتوازي مع انتشار وباء كورونا الذي يربك الوضع الداخلي ويهدّد بتفاقم الأزمة الصحّية في البلد. 
 
خروج الرئيس الحريري من التسوية الرئاسية التي فرضها الأمر الواقع بعد عامين ونصف من الفراغ الرئاسي، كان عند تقديم استقالته بعد شهر تقريباً من انتفاضة 17 تشرين الأول، حين أطلق سهامه مصوّباً على العهد والنائب باسيل تحديداً، محمّلاً إياهما المسؤولية الكاملة لما وصلت إليه البلاد من أزمات، تتحوّل اليوم إلى فوضى أمنية مع عمليات الاغتيال التي يجد البعض أنها ستكون بداية التصفيات السياسية. ما قد يشعل الشارع، ويذكّر باغتيال الصحافي نسيب المتني، الذي كان سبب اشتعال ثورة 1958 التي قضت على طموح الرئيس كميل شمعون بالتمديد. 
 
صحيح أنّ  المبادرة الفرنسية على طريق السقوط، لكن دون أن تخسر الحكومة الفرنسية مصالحها في المنطقة. وما زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الإمارات والسعودية إلّا دليل واضح على حماية المصالح الفرنسية في المنطقة ولبنان. لهذا، يبقى الرهان الوحيد على مبادرة داخلية، لبنانية - لبنانية، تجمع سائر الأطراف على إحياء الثقة مجدداً في ما بينهم، وإحياء شعار "لبنان أولاً"، والمصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، كي نصل بالبلاد إلى برّ الأمان، قبل السقوط المروّع. 
 
*كاتب سياسي
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم