الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

إلى قوى التغيير باحترامٍ كبير: غيِّروا ما بأنفسكم

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
العرض المدني في الاستقلال (أ ف ب).
العرض المدني في الاستقلال (أ ف ب).
A+ A-
"1 ديسمبر عمرٌ يمرّ كلمح البصر اللهمّ نسألك حسن الخاتمة".
 
صديقٌ هو مثقّفٌ كبير، ومن الملافنة، أرسل إليَّ هذا الصباح، الجملة المكتوبة أعلاه، موضحًا أنّه قرأها منذ الفجر على أحد المواقع الإلكترونيّة، فأعجبته، فأحبّ أنْ يشاركني إيّاها، فأعجبتني، فأحببتُ أنْ أكتب على هديها التعليق الآتي، متوقّفًا في شكلٍ خاصّ عند أحوال أوّل الشهر هذا، وعند عبارة "اللهمّ نسألكَ حسن الخاتمة"، راجيًا بقوّة وبإلحاح، بل داعيًا إلى عدم السقوط في الإحباط واليأس، وعدم الركوع والاستسلام، أيًّا تكن تعقيدات الظروف المأسويّة التي نعيش في كنفها.
 
بلا طول سيرة، إنّ الأوّل من ديسمبر/كانون الأوّل هذا، شديد الحلكة، كثير الأوجاع، ومكتنَفٌ بالصفقات المريبة، وبعوامل الخيبة والمرارة، كما يعلم الجميع. هذا معلومٌ بما فيه الكفاية، وليس في الأفق ما ينبئ بأنّ خاتمته ستكون أفضل من بدايته، إذا تمّ الاتّكال على "همّة" المسؤولين والمعنيّين، و"الخطط" و"الأساليب" السخيفة والحقيرة التي يتّبعونها في المعالجة، وخصوصًا الذين منهم يستولون بالسلبطة وبالقوّة العارية على الحكم والسلطة وشؤون البلاد.
 
ثمّ إنّ "حسن الخاتمة" يجب أنْ يكون مسؤوليّتنا المباشرة نحن اللبنانيّين، قبل سوانا، لا مسؤوليّة المجتمع الدوليّ والإقليميّ، ولا أيضًا مسؤوليّة "اللهمّ"، وإنْ كنتُ أحترم تعلّق السائل المؤمن، في الجملة أعلاه، بأعجوبةٍ إلهيّة، أرجو من جهتي تحقّقها، وإنْ كنتُ أعتقد أنّنا لا نستحقّ الأعاجيب، وربّما أعتقد أيضًا أنّ الزمن لم يعد زمن أعاجيب.
 
لماذا أزعم أنّنا لا نستحقّ الأعاجيب؟ أجيب بسرعة حاسمة: ليس فحسب لأنّ سلطتنا غاشمة، والوصاية غاشمة، فهذا مفهوم. لكنّي أتدارك الجواب بالقول: لأنّنا في غالبيّتنا (الاعتراضيّة والثوريّة) لسنا واقعيّين وعقلانيّين وموضوعيّين في مسألة البحث الجدّيّ والرصين عن كيفيّات تحقيق "حسن الخاتمة". ولأنّنا في غالبيّتنا أيضًا نكتفي بالهوبرة، بالبهورة، بالاستعراض، بالهجاء، بالتنكيت، بالمسخرة، وبالتقاط الصور وتوزيعها على وسائل التواصل الاجتماعيّ. ولأنّنا في غالبيّتنا (الجميع؟!) عاجزون – يا للأسف والعار - عن صناعة حزبٍ، طليعيٍّ، خلّاق، حديث، متقدّم، اعتراضيّ، ثوريّ، عابر للعفونة السياسيّة، وللعقم الفكريّ، وعابر في الآن نفسه لشرذمات وأنانيّات وصغائر القوى الاعتراضيّة. ولأننا في غالبيّتنا عاجزون أيضًا عن تقديم اقتراحات وخطط وتصوّرات عملانيّة (متواضعة فحسب) لمواجهة ظلمة هذا الأوّل من ديسمبر، واستبيان سبل التوصّل إلى "حسن الخاتمة".
 
ماذا يوجد عندي غير هذه الصورة القاتمة لاحتمالات "حسن الخاتمة"؟
 
أعود إلى مقالي الذي صدر الثلثاء في 30 تشرين الثاني 2021 (الكابوس كيف يمكن إلغاء مفاعيله الوطنيّة والسياسيّة)، متضمّنًا نوعًا من الامتحان الاختباريّ التجريبيّ للقوى المعنيّة بتغيير معادلات الوضع القائم، ومستلًّا منه (أي من المقال) ما يمثّل خلاصته: "لا تركعوا أمام هذا الكابوس، ولا تستسلموا له، أيًّا تكن "تبريرات" الركوع والاستسلام، جوعًا وفقرًا ومرضًا وتهجيرًا وترويضًا وتدجينًا و... ذمّيّةً.
 
ثمّ: ما أسهل – أكرّر: ما أسهل- أنْ تمنعوا الطامحين الأساسيّين إلى وراثة الكابوس، أو إلى تأبيده، من تحقيق أيّ فوزٍ انتخابيّ في - منطقتهم – الانتخابيّة (هل سمّيتُ دائرة الشمال الثالثة على سبيل المثل؟!)".
 
نحن الآن في الأوّل من ديسمبر/كانون الأوّل. الصورة قاتمة للغاية. ما أدعو إليه هو الآتي: ما حكّ جلدكم إلّا ظفركم. والحال هذه، إذا أردتم تغيير الوضع القائم، فلا تتّكلوا لا على أعجوبة إلهيّة، ولا على أحد من أجل تحقيق "حسن الخاتمة".
 
أعيد التذكير بالجملة الواردة أعلاه، "1 ديسمبر عمرٌ يمرّ كلمح البصر اللهمّ نسألك حسن الخاتمة"، لأكتب ما يأتي، مخاطبًا قوى التغيير باحترامٍ وحبٍّ كبيرين:
بلِّشوا (إبدأوا) بتغيير حالكم وشرذماتكم وأنانيّاتكم وصغائركم واستعراضاتكم (بانتخابات مقبلة أو على الأرجح، وفي الغالب الأعمّ، بدون انتخابات). بلِّشوا بتغيير ما بأنفسكم، وخططكم، وتصوّراتكم للتغيير.
 
آنذاك فقط "نسألكم حسن الخاتمة". وهذا ليس بمستحيل.
 
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم