الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

التغيير يبدأ بالتصويت لمن يحمل مطلب القانون الموحّد للأحوال الشخصيّة

المصدر: النهار
القوانين الاصلاحية تحمي المجتمع من العنف. (تعبيرية، أرشيف "النهار").
القوانين الاصلاحية تحمي المجتمع من العنف. (تعبيرية، أرشيف "النهار").
A+ A-
ليلى عواضة*
 
أجمعت الآراء (الموالية للسلطة والمعارضة لها)، على أنّنا في أزمة نظام، والمشكلة ليست مشكلة وجوه بقدر ما هي مشكلة نظام طائفيّ زبائنيّ حال دون قيام دولة المواطنة، الدولة العلمانية (المدنية) العادلة والقويّة، التي تساوي بين جميع مواطنيها ومواطناتها. 
 
إنّ تحالف السياسة مع الطوائف هو السبب الأساس الذي وقف عائقاً بين المواطن والدولة المؤسساتية بحيث أصبح المواطنين/ات مجموعة أفراد موزّعين على الطوائف يجري استحضارهم طائفياً في المعارك السياسية، الأمر الذي رسّخ لدى المواطن فكرة وضع مصلحة الطائفة كأولوية على مصلحته الفردية، لأنّهم أقنعوه بأنّ وجوده مرتبط بالحضور القويّ لطائفته، ولو أدّى ذلك الى تضحيته بحقوقه الأساسية الفردية التي تمكّنه من أن يحيا حياة كريمة. وذلك على الرغم من أنّه يسهل الاستنتاج أنّ الطوائف، بمراقبة بسيطة لخطابات رؤسائها، هي حليفة السلطة وتساعدها على تغذية الغرائز الطائفية وتجييشها لخدمة المشروع السياسي للسلطة الذي يبعد كلّ البعد عن تأمين مصالح الناس ويكتفي باقتسام الغنائم بين السلطة السياسية والسلطة الطائفية. 
 
إن كان الشعب يريد فعلاً محاسبة السلطة على جرائمها بحقّه، فلا بدّ من أن تشمل المحاسبة الشريك الأساسي لهذه السلطة، وهو المؤسّسات الطائفية التي تشكّل منبراً أساسياً للترويج للسلطة الفاسدة. فلم نرَ منابر الطوائف تهتزّ لمطالبة السلطة السياسية بتأمين حقّ التعليم المجّاني لجميع المواطنين، لأنّ لديها مدارسها الخاصّة وتعزيز المدرسة الرسمية يتعارض مع مصالحها. الأمر نفسه بالنسبة للمطالبة بحقّ المواطن في التغطية الصحّية الشاملة، فهو مطلب لم نسمعه على لسان رؤساء الطوائف أو أغلبهم لأنّ ذلك يتعارض مع مصلحة مستشفياتهم الخاصّة.
 
الطوائف لن تخوض معركة استقلالية القضاء المدني وتفعيل سلطة الرقابة لأنّ المحاكم الطائفية، وهي محاكم استثنائية، موجودة خارج كلّ المعايير المطلوبة لتوفير قضاء عادل مستقلّ يتساوى أمامه المواطنون والمواطنات. إضافة الى تفلّت المحاكم الطائفية من رقابة الدولة وسلطتها سواء لجهة مواءمة قوانينها مع الدستور والاتفاقيات الدولية التي التزم بها لبنان في مقدّمة دستوره، وتعهّد بإرساء مبادئها في جميع المجالات دون استثناء. وسواء لجهة الشفافية المالية للمحاكم الطائفية المستقلّة عن ميزانية الدولة ورقابتها. إنّ أصوات الطوائف صدحت فقط لتحمي المرتكبين والفاسدين ولتضع الخطوط الحمراء في وجه أيّ محاولة أو مطالبة لمحاسبة السلطة السياسية. 
 
إنّ المؤسسات الطائفية مستفيدة من هذا النظام التحاصصي الزبائنيّ، لما لديها من امتيازات سلطوية ومادّية؛ امتيازات سلطوية يعزّزها وجود محاكم وقوانين طائفية تُطبّق على المواطنين والمواطنات كلّ بحسب طائفته في قضايا الأحوال الشخصية، الأمر الذي يتعارض مع مبدأ المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون في الحقوق والواجبات. أمّا الامتيازات المادّية فتتجلى بالمزايا الممنوحة للطوائف من قبل الدولة لناحية إعفاء مؤسّساتها من الضرائب المالية، والجمركية في حال استقدام أيّ سيارات أو بضائع من الخارج على اسم هذه المؤسّسات الطائفية. 
يبدأ فكّ رابط المصلحة بين السلطة السياسية والسلطة الطائفية بوضح حدّ للمزايا التي تتمتّع بها الطوائف في ظلّ هذا النظام التحاصصي. فعندما تنتفي مصلحة الطوائف مع السلطة قد تعود هذه المؤسّسات الى القيام بواجبها بمساءلة الدولة عن تقصيرها وحثّها على تأمين المصالح المعيشية للأفراد بدل الاهتمام برفاهية المؤسسات الطائفية. 
 
إنّ وضع حدّ للمزايا السلطوية والمادّية التي تتمتّع بها الطوائف يكون باستعادة العلاقة المباشرة بين الفرد والدولة وإلغاء أيّ سلطة للطوائف على الأفراد، ولا سبيل لتحقيق ذلك إلّا بإلغاء المحاكم الطائفية وإقرار قانون موحّد للأحوال الشخصية يطبّق من خلاله مبدأ المساواة بين جميع المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات بغضّ النظر عن انتماءاتهم الطائفية. 
 
هل الانتخابات فرصة للتغيير؟
لقد بدأت المطالبة بتغيير هذا النظام الذي تسبّب بما وصلنا إليه من انهيار اقتصادي وفساد إداري وسياسي وطائفي، في 17 تشرين 2019، وتستكمل طريقها الطويل مروراً بانتخابات 2022 التي ستكون محطّة تراكمية من محطّات المواجهة مع هذا النظام، وستستمرّ أيضاً ما بعد الانتخابات للوصول الى التغيير الفعلي.
معظم البرامج الانتخابية تحمل عناوين الدولة المدنية القادرة والعادلة، كما تحمل عناوين العدالة والمساواة بين الجميع. هذه البرامج لا ينبغي أن تكتفي باستعراض عناوين دون عرض لخطّة طريق تشرح فيها طريقة تنفيذ عناوينها التي يمكن أن تبقى حبراً على ورق. إنّ اللوائح الانتخابية التي تُعنى وتؤمن بضرورة قيام الدولة المدنية وبالمساواة والعدالة الاجتماعية لا يمكن أن تكون جدّية في طرحها هذا إن لم تتضمّن إقرار قانون موحّد للأحوال الشخصية، لأنّ تغيير هذا النظام الطائفي واستعادة العلاقة المباشرة بين المواطن ودولة المواطنة يبدأ بإلغاء المحاكم الطائفية التي هي أساساً محاكم استثنائية، وإقرار قانون موحّد للأحوال الشخصية، وهذا ليس بالأمر التفصيلي الثانوي بل إنّه أولوية في بناء دولة المواطنة.
لنذهب في 15 أيّار ونصوّت لمن يؤمن بدولة المواطنة فعلياً لا بالشعارات.
 
محامية ومسؤولة وحدة العنف الأسري في منظمة "كفى"
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم