الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

هل تؤيّدون هدم أهراءات المرفأ؟... قراءة علمية واقتصادية

المصدر: النهار
فرح نصور
من انفجار 4 آب (أرشيفيّة).
من انفجار 4 آب (أرشيفيّة).
A+ A-
 أعلن وزير الاقتصاد أمين سلام عن تكليف لجنة من وزارات العدل والأشغال والاقتصاد، لتقديم تقرير في نهاية شهر شباط لتحديد الجهة التي ستقوم في مهام هدم أهراءات مرفأ بيروت وإعادة إعمارها، مضيفاً أنّه "سيتمّ إجراء مناقصة لاختيار الشركة التي تتولّى عملية هدم الأهراءات في مرفأ بيروت، لأنّها باتت خطيرة جدّاً وآيلة إلى السقوط، إذ يمكن أن تنهار إذا ما هبّت عاصفة قويّة". 
 
تصريح الوزير أثار حفيظة الكثيرين، لاسيّما مَن اعتبر أنّ هدم الأهراءات هو محو لآثار جريمة العصر، وأنّ إنجاز عمليّات الهدم هو قفز فوق دماء الشهداء. لكن ما الفكرة من هدم الأهراءات؟ وهل يجب فعلاً هدمها؟
 
لا بدّ، في هذا الإطار، من قراءة علميّة. وعن الرأي العلميّ الهندسيّ في ضرورة هدم الأهراءات، يوضح نقيب الهندسة السابق، جاد تابت، في حديث لـ"النهار"، أنّ "هندسيّاً، يمكن تدعيم هذه الأهراءات وبسهولة، لكنّ الهدم هو الحلّ الأبسط والأسهل، بينما الحلّ الأصعب هو بتدعيمها والمحافظة عليها".
 
وبحسب تابت، فإنّ الكلام عن أنّ الأهراءات مُعرّضة للهبوط لدى هبوب كتل هوائيّة قويّة، هو غير صحيح". ويضيف أنّه "من المستحيل أن يُعاد إعمار الأهراءات في المكان نفسه، فالدراسات الهندسيّة تؤكّد أنّ أساساتها (piles) اهتزّت وانعوجت، بالتالي، لا يمكن إعادة الإعمار مكانها، فلماذا هدمها إذاً؟".
 
جهات علميّة عديدة، سواء من مهندسين أو معماريّين أو أكاديميّين أو خبراء آثار، يوافقون تابت في رأيه، على حدّ قوله. وفيما ربط الوزير هدم الأهراءات بإعادة إعمار المرفأ، يؤكّد تابت أنّه "يمكن إعادة إعمار المرفأ دون هدم الأهراءات بكلّ تأكيد، فالأمر يحتاج بعض التفكير أكثر من التفكير بالهدم، إذ ليس هناك أشطر منّا في الهدم بدلاً من الحفاظ على الذاكرة وإن كانت أليمة". 
 
وبينما أضاف الوزير أنّ "ما يُجمع من عمليّات الردم يمكن أن يُباع بملايين الدولارات، من حديد إلى مكوّنات أخرى، ممّا يسمح بتغطية كلفة الهدم"، يشرح تابت أنّ "كلفة تدعيم الأهراءات أقلّ بكثير من كلفة هدمها، ويسأل :"مَن سيشتري هذا الردم؟ ولمَن سيُباع؟ أم هل سيتمّ ردم البحر بهذا الردم من جديد؟ إذ لم يبقَ شاطئ في لبنان من مخلّفات الردم، فهذه عقليّة تجّار بناء وعقارات وليس مسؤولين ومهندسين". 
 
تصوير نبيل اسماعيل
 
أمّا من حيث الوقت الذي يستغرقه تدعيم هذه الأهراءات، فبنظر تابت "لن يُعاد إعمار المرفأ في وقت قريب، فهذا أمر أكبر من أن يكون موضوعاً محليّاً، فهو أكبر من لبنان، ويرتبط بتوصيف مركز هذا المرفأ في المنطقة كلّها، في وقت يوسّع فيه العدوّ الإسرائيليّ مرفأ حيفا، ويبني علاقات جيّدة مع دول الخليج مع موجة التطبيع الحاصلة، فعلى الأرجح، قد يصبح مرفأ حيفا هو مرفأ الخليج". إضافةً إلى أنّ الروس يرمّمون مرافئ اللاذقية وطرطوس لربطها مع العراق. ويسأل بالتالي تابت: "أين سيكون مرفأ بيروت؟ ما مستقبله؟ ما موقعه بالنسبة إلى مرافئ أخرى في لبنان؟". 
 
وقد اتّفقت وزارة الأشغال العامّة والنقل مع البنك الدوليّ، بشأن إعداد الدراسة الخاصّة بالهويّة القانونيّة الجديدة لمرفأ بيروت والمخطّط التوجيهيّ له كجزء من الإصلاحات الأساسيّة في مسار إعادة إعمار مرفأ بيروت. لكنّ هذا الأمر، بحسب تابت، "سيستغرق أقلّه سنتين للحصول على نتيجة، ولمعرفة مَن هي الشركات المهتمّة، وفي هذا الوقت مَن يريد أن يدعّم الأهراءات يكون قد أنهى هذه الأعمال".
 
ولا يوافق تابت على هدم الأهراءات، "فهي عمليّاً رمز للانفجار الهائل الذي حصل، وهي أشبه بنصب تذكاريّ". وفي جميع بلدان العالم يجب أن يكون هناك نصباً تذكاريّاً لحادث موجِع بهذا الحجم. 
 
ويذكّر تابت أنّ في اليابان، حيث نزلت قنبلة هيروشيما، لا يزال هيكل المبنى الذي دُمّر موجوداً. وعلى الرغم من إعادة إعمار المدينة، تمّت المحافظة على هذا المبنى، وأُقيم حوله منتزه، واليوم هذا المبنى مُسجَّل على لائحة التراث العالميّ لليونسكو، فهذا المبنى هو مكان تذكاريّ وشاهِد على ما حصل. والانفجار الذي حصل في بيروت هو بحجم قنبلة هيروشيما، وهو حادث لا يجب أن يُنتسى، والأهراءات تشكّل ذاكرة هذا الانفجار الأليم.
 
  
أرشيفيّة
 
هل من مبرِّر اقتصاديّ لهدم الأهراءات؟
 
قدّم الوزير تبريراً اقتصاديّاً لهدم الأهراءات، إذ اعتبر "أنّنا اليوم من دون أهراءات مرفأ بيروت، ليس لدينا مخزون احتياطيّ من القمح في لبنان، وبالتالي موضوع الأهراءات هو موضوع مرفأ حيويّ وضروريّ جدًّا للأمن الغذائيّ في لبنان".
 
في هذا السياق، وفي حديث مع "النهار"، يشرح مدير عام الحبوب والشمندر السكّريّ في وزارة الاقتصاد، جريس برباري، أنّ "كون الأهراءات مهدَّمة، لا تدخل مداخيل إلى الدولة، فأساسات الأهراءات انكسرت وتضعضعت وتحرّكت من مكانها وفق الخبراء، وأصبحت في مرحلة غير قابلة لتعبئة القمح فيها وتخزينها".
 
وبسبب الأمطار، تتعرّض هذه الأهراءات إلى مَيَلان يوميّ، على ما يقول برباري. وعن تأثير ذلك على مداخيل القمح، يوضح برباري أنّ "هذه الأهراءات هي للدولة، وبالتالي مداخيلها للدولة". وقد تسلّمت إدارة هذه الأهراءات واستثمارها شركة معيّنة، ولا يزال موظفو هذه الشركة يتقاضون رواتبهم لكن دون مدخول. فمنذ الانفجار لا عدّة لتصليح آلات تفريغ القمح وسواها، فهي معطّلة، ووفق برباري، "لا أماكن لتخزين القمح ونحن مضطرّون لحلّ هذه المشكلة لإدخال مداخيل إلى الدولة، وحتى الآن، المستوردون يفرّغون الحبوب في المطاحن، ما يعني أنّ مداخيلنا أيضاً توقّفت، بينما كنّا نترك مخزون القمح لثلاثة أشهر مقبلة في الأهراءات، وندفع مقابل بدل التخزين". 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم