الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

ثغرات في قانون الشراء العام تثير الجدل... ماذا عن آلية تطبيقه وموجباته؟

المصدر: "النهار"
فرح نصور
لجنة المال والموازنة (مارك فياض).
لجنة المال والموازنة (مارك فياض).
A+ A-

يشكّل قانون الشراء العام أحد أهمّ القوانين الإصلاحية التي التزم لبنان بالعمل عليها وإقرارها وفقاً للمعايير الدولية المعتمَدة، بهدف تحقيق النتيجة الفضلى من إنفاق المال العام، وتشجيع القطاع الخاص على المشاركة عبر تكافؤ الفرص، وتعزيز الشفافية والنزاهة والمساءلة، واستعادة ثقة المجتمعين المحلي والدولي. وأُثير الجدل منذ إقراره في 29 تموز من العام الجاري، حول تفاوت التزام الإدارات العامة به، ما يؤثّر على المال العام وعلى فقدان الشفافية في الإنفاق لدى هذه المؤسسات.

 

وفيما يُعدّ إقرار هذا القانون جزءاً من مسار إصلاحي بالتعاون مع الجهات الوطنية المكلّفة، وبالتنسيق مع الجهات الدولية، ومع الذهنية اللبنانية المبنيّة على مخالفة القوانين كافة وعدم احترامها، أُسقط جوهر القانون الأوروبي في ما يتعلق بالشراء العام على النظام اللبناني الذي لا يتلاءم بتركيبته والنظام الأوروبي، لا من حيث آلية الشراء ولا من حيث فعالية الأجهزة الرقابية والمحاسبة، للتحرّك في حال المخالفة، ما أدّى إلى عدم تجاوب جزء كبير من البلديات وكازينو لبنان وبعض الوزارات وغيرها من المؤسسات العامة، في تطبيق هذ القانون الذي يبلغ من العمر 3 أشهر.

 

رئيس هيئة الشراء العام، الدكتور جان العليّة، في حديث لـ"النهار"، يؤكّد أنّه "ليس هناك عامة قانون في لبنان، ولا سيما في الظروف التي يمر بها، يُطبّق بشكل مثالي. ومنذ أن دخل القانون حيّز التنفيذ، ونحن كهيئة إشراف، نستخدم جميع الوسائل للتوعية حول ضرورة الالتزام به من الجهات الشارية والتذكير حيال الجهات المشمولة بأحكام القانون، وأنا كرئيس هيئة، أتصرّف بما يقرّه القانون سواء من أحكام أو من عقوبات في حال مخالفته".

 

ويشرح العلية الصعوبات اللوجستية التي تواجه تطبيق هذا القانون، والتي ترتبط بالإدارات وبعملها وبدوام عمل موظفيها، وهو دوام أقلّ من جزئي بكثير، أي ما يعادل مرة كل أسبوع أو كل أسبوعين، وخصوصاً مَن يسكنون في مناطق بعيدة بسبب ارتفاع كلفة النقل.

 

ويتفهّم العلية جميع الصعوبات سواء كانت ناشئة عن الوضع العام في البلد، أو تلك الناجمة عن إطار تطبيق القانون، ولا يمكن تفسير النص بشكل يعوق تطبيقه، وفق العلية. ومع إقرار موازنة 2022، لدى العليّة بعض التعديلات التوضيحية على قانون الشراء العام بالنسبة للأمور التي كانت تعترض تطبيقه على البلديات وتحديداً بالنسبة إلى عدم وجود موظفين من الفئة الثالثة أو عدم وجود موظفين في بعض البلديات حتى من جميع الفئات.

 

وجاء في التعديل أنّه في حال عدم وجود موظفين من الفئة الثالثة، تُشكَّل لجان الاستلام من بقية الموظفين. وفي حال عدم وجود أي موظف من موظفي من أي فئة، تشكَّل لجنة من أعضاء المجلس البلدي. "لذلك قد تكون هناك صعوبة في التطبيق لكن لا توجد أي استحالة"، وفق العلية.

 

ويضيف أنّ قانون الشراء العام ليس قانوناً جامداً ويمكن تعديله، لكن "على ضوء التجربة في هيئة الشراء العام، بدأنا بتقديم بعض الاقتراحات لتعديل هذا القانون ليكون أكثر مرونة، وهي تعديلات شكلية لا تتعلق بجوهر القانون الذي ينصّ على الرقابة على المال العام"، بل تتعلّق بإرسال اللوائح والمتطلبات، وقد تُؤخّر إلى حين اعتماد نظام التوليد الإلكتروني الكامل، بهدف تعزيز القانون وجعله قابلاً للتطبيق في الظروف الراهنة.

 

ويشير العلية إلى أنّ هناك مؤسسات لم تلتزم بهذا القانون، بمقابل مؤسسات عديدة التزمت به، وأخرى في طريقها إلى الالتزام. وقد اعتمدت هيئة الشراء العام ثلاث خطوات ضمن إطار استراتيجية لتطبيق هذا القانون بشكله الأمثل.

 

الخطوة الأولى تقضي بدخول جميع الجهات الشارية إلى الموقع الإلكتروني لهيئة الشراء العام وتنشر بيانات مناقصاتها، "وهو أكبر إنجاز للبلد وللشفافية، لكونه أمراً لم تعتده الوزارات والوحدات الإدارية، ولا سيما في وزارة الطاقة التي انتهجت نهج التعتيم على كل بيانات ومعلومات المناقصات التي أجرتها، لكن الآن، برغم مماطلة بعض الإدارات والوزارات، أصبحت هذه الطريقة هي المعتمَدة، وهذا بحد ذاته إنجاز"، بحسب العليّة. بذلك، تصبح دفاتر الشروط بمتناول الجميع، وكذلك كافة المناقصات وشروط تلزيمها وتنفيذها.

 

أمّا الخطوة الثانية، فهي التزام الجهات الشارية بتطبيق القانون في مضمون الوثائق التي تنشرها، عبر إبعاد أي شرط احتكاري أو شركة من جراء ميزة تنافسيه غير منصفة، عن دفتر الشروط. والمرحلة الثالثة، هي إطلاق عملية تدقيق شاملة من قِبل هيئة الشراء العام للتأكّد من النقطتين السابقتين.

 

وفي إطار قانون الشراء العام، على هيئة الشراء العام مراقبة جميع عمليات الشراء بموجب المادة 76 من هذا القانون. وإذا رصدت مخالفات، لهيئة الشراء مروحة صلاحيات للمحاسبة، من إبلاغ الجهات المخالِفة نفسها ومطالبتها بإعادة النظر في بياناتها، كما حصل في مزايدة السوق الحرة في مطار بيروت. وإن لم تتجاوب الجهات الشارية، فلهيئة الشراء العام صلاحية الطعن أمام القضاء. وإن كانت هناك مؤشرات على جرم جزائي يمكن للهيئة التوجّه إلى النيابة العامة التمييزية أو المالية والتوجه إلى ديوان المحاسبة، والتوجه إلى التفتيش المالي مع اقتراح عقوبة. كما أنّ لمجلس النواب والمجتمع المدني والمواطنين دوراً رقابياً على عمليات الشراء العام.

 

ماذا عن الموجبات التي على الجهات الشارية القيام بها لكي تُعتبر ملتزمة؟

الموجب الأول وفق العليّة، يشمل الإعلان عن المناقصة وعن موعد إجرائها ومكان تقديم عروضها وشروط الاشتراك بها وشروط تنفيذها، إلى جانب الإعلان عن دفتر الشروط الخاص بها. وقد أنشأت هيئة الشراء العام حساباً على منصات التواصل لتلقّي الملاحظات من المواطنين على دفاتر الشروط والمستندات المنشورة عن المناقصات.

 

أمّا الموجب الثاني، فهو إرسال أسماء أعضاء لجان التلزيم والاستلام من المدرّبين أصولاً، وهؤلاء المدربون هم منبثقون إمّا من "معهد باسل فليحان" أو من معهد "Euna" بالتعاون مع "معهد باسل فليحان". والموجب الثالث والرئيسي، هو اعتماد الجهات الشارية لديها، وفقاً للمادة 9، سجلّ الشراء العام لتسجيل عمليات الشراء عليه من الألف إلى الياء.

 

ما الثغرات التي يتضمّنها هذا القانون؟

من جانبه، يشير عضو لجنة المال والموازنة، النائب غسان حاصباني، في حديثه لـ"النهار"، إلى أنّ "هناك غياباً لتطبيق القوانين، وانتشاراً للاحتيال والالتفاف عليها عموماً في لبنان من قِبل الإدارات العامة، وهي مشكلة أساسية وجوهرية".

 

وفي غياب المحاسبة الحقيقية، أيّ قانون إصلاحي يشرَّع، لا نرى تطبيقاً له من قِبل الإدارات. لكن يرى حاصباني أنّ قانون الشراء العام هو "قانون عصري وإصلاحي بامتياز"، وأي خلل في تطبيقه يحوّله إلى أداة لتعزيز الفساد ولاستغلاله، إذ إنّه يسهّل عملية الشراء العام ويعزّز من شفافيتها ويحرّرها من الكثير من القيود الروتينية والإدارية على غرار المبادئ المتّبَعة لدى الاتحاد الأوروبي، والتي أوصى بها خلال صياغة هذا القانون. و"بغياب المحاسبة الحقيقية، قد يفتح هذا القانون على إساءة استخدامه وإساءة الظن بنوايا المشرِّع، وتحويلها إلى الالتفاف على القانون وهنا نجد الخلل"، وفق حاصباني.

 

وفيما النواب والمشرّعون هم أخبر الناس بنظام لبنان وتركيبته البعيدة كل البُعد عن تطبيق القوانين، لذلك يرى حاصباني أنّه لدى تشريع أي قانون إصلاحي بهدف تعزيز الشفافية، يجب التأكّد من عدم تحوّل هذه القوانين إلى أداة بيد الفاسدين، لذلك، "لدى وضعنا قيوداً في إطار هذا القانون تحدّ وتقيّد من استخدامه للفاسد، يضغط علينا الأطراف الذين يريدون الاحتيال على المجتمع الدولي ويتّهموننا بتقييدٍ مبالغٍ فيه للقوانين، وبعرقلته وبتأخير إصداره، رغم أنّ إصدار هذه القوانين من الشراء العام إلى السرية المصرفية وغيرهما، هي قوانين دورية، وهذا ما حصل لدى إقرار قانون الشراء العام، الذي هدف إلى تسهيل المعاملات".

 

وفيما يقترح العليّة تجديد وتعديل قانون الشراء العام، يرى حاصباني أنّ هذا الاقتراح صحيح، إذ "قد تكون هناك ثغرات في هذا القانون قد يُساء استغلالها". لذلك، يضيف أنّه بعد تجربة تطبيق هذا القانون خلال الفترة الماضية منذ إقراره، نرى أنّه يجب التشديد على المراحل الرقابية المسبَقة والإجرائية للشراء العام.

 

وقد وُضع القانون هذا وفق مبادئ متطورة جداً بالمعايير الأوروبية، وفق شرح حاصباني، لكن أغلب الشراء العام في أوروبا هو أمر روتيني يتّسم بالمرونة، وهي سمة تغيب كثيراً عن الشراء في لبنان، "وإعطاء هذه المرونة في القانون اللبناني بغياب أي محاسبة ورقابة كافية، يفتح المجال للمخالفة، وهنا يحتاج الأمر إلى بعض التعديل لوضع بعض الضوابط".

 

ففي أوروبا، هناك منظومة قوانين أخرى تمنع سوء استخدام القانون، إلى جانب المحاسبة الصارمة. لذلك، فإنّ إقرار قانون عصري إصلاحي في لبنان بوجود منظومة قوانين غير متكاملة وغير عصرية، تعرّضه لسوء استخدامه"، بحسب حاصباني.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم