الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

2020- الحصاد الاقتصادي لعام جهنّمي... ما عاشه اللبنانيون يوازي مئة عام من الوحشة

المصدر: "النهار"
فرح نصور
عام جهنّمي... متى خلاص لبنان؟ (تعبيرية- أ ف ب).
عام جهنّمي... متى خلاص لبنان؟ (تعبيرية- أ ف ب).
A+ A-
هو عام الكوارث عالمياً والكوارث المضاعفة محلياً. ولا شك في أنّ الأحداث التي عاشها اللبنانيون خلال هذا العام الاستثنائي، ليست وليدة انتفاضة أو ضريبة على الواتساب، بل هي وليدة سياسات فاشلة وفاسدة ومهمِلة مورِست على مدى سنين طويلة دون محاسبة أو رقابة، أوصلت البلاد لما هو عليه اليوم. سياسات أرجعت لبنان عشرات العقود إلى الوراء بعدما كان "سويسرا الشرق" في أحلام بعض قاطنيه، وأردت الطبقات الاجتماعية أرضاً ورفعت نسبة الفقر والبطالة الى أرقام قياسية، فتغيّرت الأنماط الاستهلاكية لغالبية اللبنانيين ليتغيّر معها النموذج الاقتصاديا اللبناني، وتشرّع أبواب الهجرة أمام الأدمغة وقطاعات أساسية وحيوية في المجتمع. 
 
 
 
 
 لا يمكن عرض الحصاد الاقتصادي لهذا العام الجهنّمي، دون إلقاء الضوء على البوادر التي أنذرت بأزمة الدولار أواخر 2019، قبل اندلاع انتفاضة 17 تشرين الأول من العام نفسه. 
 
بعد شحّ الدولارات في المصارف نتيجة سحب عدد كبير من المودعين رساميلهم، ومع العمل بتعاميم مصرف لبنان، وأهمّها التعميم 530 الصادر نهاية أيلول 2019، الذي يحدّد السلع التي سيُدعم استيرادها بدولارات مصرف لبنان، بدأت تظهر سوق موازية أو السوق السوداء، لتأمين الدولار لشراء السلع غير المدعومة من المركزي. 
 
بدأ بذلك يرتفع سعر الدولار تدريجياً، من 1507 مطلع 2019 إلى 1570 ليرة في أيلول 2019، إلى 1690 ليرة في 18 تشرين الأول 2019.
اندلاع التحرّكات الشعبية في 17 تشرين الأول، سرّع الانهيار وكان "القشة التي قصمت ظهر البعير"، وبدأت بعدها المحطات التالية.
 
أزمة المصارف
- وضعت المصارف إجراءات مشدّدة على العمليات النقدية، ولا سيّما السحوبات بالدولار، إذ خفّضت سقف السحب نقداً بالدولار وصولاً إلى توقيفه، ووضعت مؤخراً سقفاً للسحب بالليرة. إجراءات رفعت الطلب على الدولار، وارتفع سعره في السوق السوداء بشكلٍ جنوني، حتى لامس الـ 10 آلاف ليرة، لكنّه بقي يتأرجح ما بين نحو 7 و8 آلاف ليرة.
 
 
- قيّدت المصارف حركة التحويل إلى الخارج، ما أدّى إلى بروز أزمتين أساسيّتين، أولاهما أزمة عاملات المنازل الأجانب؛ بحيث لم يعد يستطيع مشغلوهنّ تسديد رواتبهنّ بالدولار ولا تحويلها إلى الخارج، ما أدّى إلى ترحيل معظمهنّ إلى بلادهنّ. كما برزت أزمة أخرى، وهي الطلاب اللبنانيّون في الخارج، إذ لم يعد ذووهم قادرين على تحويل أقساطهم بسبب تقييد التحويل، ولا تزال المشكلة قائمة حتى الآن. كما أُوقفت القروض وبطاقات الائتمان بالدولار والبطاقات الإلكترونية.
 
 
 
- لجأ الكثيرون إلى إخراج ودائعهم من المصارف عبر شراء العقارات والسيارات والممتلكات. ونشطت بكثافة حركة بيع وشراء العقارات التي كانت جامدة لسنتين قبل الأزمة، وارتفع سعرها من 40 إلى 50% عبر الدفع بالدولار الموجود في المصارف، أو ما يُسمّى الشيكات المصرفية، وارتفعت بذلك التسجيلات العقارية في الدوائر المالية المتعلّقة بالمردود العقاري في لبنان، بنحو 85-90% عن العام الماضي، منذ بدايات 2020 ولغاية شهر أيلول 2020.
 
- خفّضت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني تصنيف ديون لبنان السيادية بالعملة الأجنبية من "سي سي" إلى "سي"، ما يعني أنّ الدولة باتت على أعتاب إعلانها دولة متعثّرة إذا وصل التصنيف إلى "دي".
 
- بدأ حجم موجودات القطاع المصرفي يتراجع تدريجاً بعد اندلاع ثورة 17 تشرين، من نحو 395.3 تريليون ليرة في نهاية شهر أيلول 2019 إلى نحو 295 تريليون ليرة في نهاية شهر آب 2020، نتيجة الممارسات التي قامت بها المصارف تجاه المودعين، ما أفقدهم الثقة فيها. كما تراجع حجم القروض الممنوحة للقطاع الخاص المقيم من نحو 49.9 تريليون ليرة إلى نحو 32.4 تريليوناً. 
 
- ألزم مصرف لبنان المصارف بزيادة رساميلها بنسبة 20% حتى آخر شباط 2020، وإعادة هيكلتها. وقد تشهد المصارف المتعثّرة اندماجاً مع مصارف أخرى، ومنها قد أقفل بعضاً من فروعه بسبب الخسائر الجمّة التي تكبّدها هذا العام. 
 
- دخول قانون العقوبات الأميركي المعروف باسم "قيصر" حيّز التنفيذ على سوريا، الذي أثّر على لبنان الذي لطالما شكّل رئة سوريا خلال الحرب، وممراً للبضائع ومخزناً لرؤوس أموال رجال أعمالها. وانعكست العقوبات على عمل شركات البناء اللبنانية في السوق السورية وشركات النقل، وأصبحت قدرة لبنان على تصدير المنتجات الزراعية عبر سوريا إلى الدول العربية، محدودة.
 
- يدرس مصرف لبنان خفض مستوى احتياطي النقد بالعملة الأجنبية الإلزامي من 15% إلى نحو 12% أو 10%، من أجل مواصلة دعم الموادّ الأساسية العام المقبل مع تضاؤل الاحتياطي لديه، فيما يبلغ احتياطي النقد بالعملة الأجنبية حالياً نحو 17.9 ملياراً، ولم يبقَ سوى 800 مليون دولار لدعم واردات الوقود والقمح والأدوية حتى نهاية العام الجاري.
 
- وجود ثلاثة أسعار صرف متباينة للعملة: سعر الصرف الرسمي في المصارف (1515 ليرة)، سعر الصرف الذي حدّده مصرف لبنان للصرافين (3900 ليرة)، وسعر الصرف الجنوني وغير الثابت في السوق السوداء والذي لامس الـ10 آلاف ليرة رامياً معيشة اللبنانيين ورواتبهم في الهاوية.
 

تخبّط السياسات الحكومية 
- إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب في الـ 7 من آذار، أنّ احتياطي العملة الصعبة في لبنان بلغ مستوى خطيراً، دفعه لتعليق سداد سندات الدين الدولية (يوروبوندز) البالغة ملياراً ومئتي مليون دولار، في أول تخلّف للبنان عن سداد ديون في تاريخه.
 
- مع تفاقم الأزمة المعيشية، ولتقليل العبء على المواطن وسط الارتفاع الكبير لأسعار المنتجات في السوق المحلية، أطلقت وزارة الاقتصاد السلّة الغذائية المدعومة بالتعاون مع مصرف لبنان، بهدف خفض أسعار السلع الغذائية الأساسية والحفاظ على الأمن الغذائي، إلّا أنّه لم يستفد منها سوى كبار التجّار والمحتكرين والمهرّبين، ولم تستفد منها الطبقات الأكثر حاجة، ولم يحقّق الدعم الهدف المرجوّ منه.
 
 
- توقّف المفاوضات بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، بعد انعقاد جلسات عديدة أظهرت تباين الأطراف اللبنانيين على خطة موحَّدة لتقديمها للصندوق، فيما ظهر جلياً خلال هذه الجلسات التباين بين تقديرات الحكومة لإجمالي خسائر الدولة والمصارف المالية، وتقديرات المصرف المركزي وجمعية المصارف. وقدّرت الحكومة هذه الخسائر بـ 241 ألف مليار ليرة. 
 
- انسحاب شركة "ألفاريز ومارسال" من مهمة التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، لعدم توفر ما يكفي من البيانات من المركزي، وهذه المهمة من الشروط الأساسية لموافقة صندوق النقد على دعم لبنان بالأموال المطلوبة للخروج من انهياره.  
 
- مع اقتراب نفاد الاحتياطي وبلوغه مستويات تنذر بكارثة، قرّرت الحكومة ترشيد الدعم أو رفعه تدريجياً للإطالة قدر المستطاع من عمره. 
 
- انهيار الليرة مقابل الارتفاع القياسي لسعر صرف الدولار، ففقدت الليرة أكثر من 80% من قيمتها، مع تراجع القدرة الشرائية لدى اللبنانيين، ما أدّى إلى جنون غير مسبوق في أسعار السلع غير المدعومة وتهديدٍ بانفجارٍ اقتصادي اجتماعي.
 
 
- ارتفعت نسبة البطالة منذ بداية الأزمة الاقتصادية في أيلول 2019 من 25% إلى 35%، أي ارتفعت 10% خلال سنة واحدة، وهذه النسبة مرشَّحة إلى مزيد من الارتفاع إذا ما بقيت الأزمة الراهنة.
 
- تأخير تشكيل الحكومة لأشهرٍ بعد استقالة الرئيس حسان دياب، ما أفقد ثقة الدول المانحة بلبنان للسير في دعمه للخروج من هذه الأزمة، مع تصريح حاكم مصرف لبنان بعدم قدرة المركزي على الاستمرار في دعم السلع الأساسية، وسط الاقتراب من نفاد الاحتياطي في مصرف لبنان أواخر العام الجاري.
 
- بسبب أزمة الدولار وعدم قدرة المحالّ التجارية على الاستيراد، وبالتزامن مع تراجع القدرة الشرائية لدى اللبنانيين، شهد القطاع التجاري إقفالاً لمجمعات تجارية ومؤسسات محلية وهجرة لعلامات تجارية عالمية، إذ وجدت جمعية تجار بيروت أنّه منذ نهاية عام 2011 حتى اليوم، تراجع النشاط التجاري وسطياً بنسبة 80%. وخلال هذه الفترة، أقفل ما لا يقلّ عن ثلث المحالّ والمؤسسات التجارية، والهبوط الكبير حصل في الأشهر الأخيرة، وهو هبوط يوازي السنوات الثماني الأخيرة.
 
 
- تراجع حجم الأعمال في القطاعات الاقتصادية كافة 80%، كما تراجع حجم الناتج الوطني بعدما كان 52 ملياراً عام 2019. وانخفض سعر القيم اللبنانية كالعقارات وغيرها، بنحو 40-50% كحدٍّ أدنى وأصبحت تُباع على سعر السوق السوداء، والقيم هذه تشكّل نصف الاقتصاد.
 
انتشار كورونا 
ترافقت الأزمة الاقتصادية الحادّة مع انتشار كورونا في لبنان، إذ أصدرت الحكومة قرار التعبئة الذي فرض إقفال قطاعات الإنتاج المختلفة، وإغلاق المطار الوحيد في لبنان لنحو ثلاثة أشهر. إقفال تكرّر على بلدات وقرى لفترات متفاوتة، ولا سيما قرار منع التجوّل الذي أثّر على دخل المياومين، ومع الإجراءات الوقائية كفتح المؤسسات والمطاعم بقدرة استيعابية 50%، ما أدّى إلى تراجع إضافي في الحركة الاقتصادية.
 
 
- وقوف القطاع الفندقي والسياحي على شفير الإغلاق. كما أقفلت نحو 20 ألف مؤسسة بين متوسطة وكبيرة، وسُرِّح نحو 80-100 ألف موظّف من وظائفهم من جرّاء الأزمة الاقتصادية الراهنة.
 
- وفي إطار واقع قطاع المطاعم والمقاهي والملاهي، فإنّ 2500 مؤسسة ستستمر من أصل 9500 مؤسسة مع حلول نهاية عام 2020. وقد أقفلت مؤسسة بشكلٍ نهائي حتى الأول من شباط الماضي، وألف عامل سيكونون من دون عمل خلال موسم الصيف لكون القطاع السياحي يشغّل إجمالاً 165 ألف موظف بدوام كامل، و40% منهم في قطاع المطاعم المتضرّر أي 66 ألف موظف، نصفهم سيفقد عمله والباقون سيحصلون على نصف راتب أو أقل.
 
- تقدَّر خسائر قطاع المطاعم والمقاهي والملاهي من جراء انتشار كورونا بحدود 500 مليون دولار شهرياً، ويُتوقّع إقفال أكثر من نصف المؤسسات العاملة في هذا القطاع مع نهاية عام 2020، ما يهدّد آلاف العائلات التي تعيش من هذا القطاع.
 
- اتجه قطاع السفر والسياحة نحو الانهيار بسبب الأوضاع الاقتصادية، وتداعيات فيروس كورونا، وأصيب بالشلل بنسبة 90%، فمبيعات التذاكر كانت بحدود الـ 60 مليون دولار شهرياً عامي 2018 و2019، إذ اقتصرت حركة البيع بعد فتح المطار على بيع بعض بطاقات السفر بهدف ترحيل العمال الأجانب في لبنان، وتم إغلاق ما بين 150 إلى 200 مكتب سفر بسبب الأزمة من أصل نحو 500 مؤسسة عاملة في هذا المجال. 
 
- كما أثّر انتشار كورونا على إقامة المناسبات والاحتفالات، ولا سيّما الأعراس التي كانت تشكّل قطعاً قائماً بما يتضمّنه من آلاف الأشخاص ومختلف النشاطات الاقتصادية المرتبطة بالزفاف.
 
- في القطاع السياحي والفنادق، انخفضت نسب الإشغال إلى 10% بعد انتفاضة 17 تشرين الأول وعلى الأكثر 25%، وقضى انتشار كورونا على ما بقي، إذ بلغت مداخيل الفنادق صفراً. وبدأت بعض الفنادق العريقة بالإقفال للحدّ من الخسائر، بالإضافة إلى مؤسسات سياحية أخرى، بحيث يُقدَّر عدد المصروفين من هذه المؤسسات بنحو 15000 موظّف.
 
- ارتفاع معدل اللبنانيين تحت خط الفقر إلى 45%، بعد أشهرٍ من الانهيار الاقتصادي.
- تضاعفت نسبة الفقراء من اللبنانيين لتصل إلى 55 في المئة عام 2020، بعدما كانت 28% عام 2019، وارتفعت نسبة الذين يعانون الفقر المدقع ثلاثة أضعاف؛ من ثمانية إلى 23 في المئة في الفترة ذاتها، بحسب تقريرٍ لـ"الإسكوا".  
 
 
انفجار مرفأ بيروت 
- وفق تقييمٍ قامت به مجموعة البنك الدولي، بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لأضرار انفجار الـ 4 من آب على السكان وعلى الموجودات المادّية والبنية التحتية والخدمات، فإنّ الخسائر الناجمة عن انفجار مرفأ بيروت هي ما بين 6.6 مليارات دولار و8.1 مليارات دولار. وقدّرت الأضرار المباشرة للانفجار بما بين 3.8 مليارات و4.6 مليارات دولار، مع الإشارة إلى "وقوع أشدّ الأضرار في قطاعي الإسكان والإرث الثقافي". كما قدّرت خسائر القطاعات الاقتصادية بما بين 2.9 مليار و3.5 مليارات دولار.
ولفت التقييم إلى أنّ هذه الكارثة لن تؤدي فقط إلى تفاقم انكماش النشاط الاقتصادي، بل ستؤدي أيضاً إلى تفاقم معدلات الفقر، التي كانت بنسبة 45% من السكان قبل الانفجار. أمّا حاجات الإسكان الفورية فتُقدَّر بما يتراوح بين 30 مليون دولار و35 مليون دولار، وهناك حاجة إلى نحو 225 مليون دولار إلى 275 مليون دولار من الدعم المالي الفوري، لاستعادة 5200 شركة صغيرة، و4800 شركة متناهية الصغر توظف آلاف الأشخاص.
 وتمثّلت الآثار الاقتصادية الرئيسية الثلاثة للانفجار في: الخسائر التي لحقت بالنشاط الاقتصادي من جرّاء تدمير رأس المال المادّي، وتعطل الحركة التجارية، والخسائر في إيرادات الموازنة العامّة.
 
- فقد أكثر من سبعين ألف شخص وظائفهم من جرّاء الانفجار، مع ما يترتب على ذلك من آثار مباشرة على حياة 12 ألف أسرة، بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة.
- تقدَّر خسائر القطاع السياحي من جرّاء انفجار المرفأ بأكثر من مليار دولار، وقد تضرّر ما يقارب 50% من مجمل المطاعم والمقاهي والملاهي الواقعة في بيروت الكبرى والمتن وبعبدا، وقُدّرت القيمة التقريبية لأضرارها بنحو 315 مليون دولار.
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم