أزمة أسعار الصرف: إنّه الاقتصاد مجدّداً

مكرم صادر ليس جديداً القول، بل بديهياً، أن أسعار صرف أيّة عملة في أيّ بلد مربوطة عضوياً ببنية اقتصاده، بما فيها خصوصاّ بنية مدفوعاته الخارجية مع سائر دول العالم. فتنعكس قوة اقتصاد البلد في تبادلاته التجارية والمالية مع الأسواق العالمية قوةً في عملته، كما تنعكس ضعفاً لها تراجع التصدير وتزايد الإستيراد. وتشمل المبادلات الخارجية تلك العائدة للسلع والخدمات بالدرجة الأولى وتلك العائدة للمداخيل والتحويلات بالدرجة الثانية، وأخيراً تلك العائدة لحركة الرساميل عبر الحدود وبخاصة منها الإستثمارات المباشرة وفي المحفظة. تُضاف إليها ودائع غير المقيمين في الجهاز المصرفي اللبناني، وما يقابلها من ودائع اللبنانيّين لدى المصارف في الخارج. وقد شكّلت الأخيرة منذ عام ونيّف مادّة كتابات ومقولات دسمة وبمواقف متباعدة جداً بين مَن يكتبها. ويتأتّى باعتقادنا بعض أو حتى معظم التباين في المواقف عند ذوي النيات الحسنة من النقص في الإحصاءات. ويعود نقصان أو غياب الإحصاءات إلى ضعف سلطة الدولة. فكيف نعرف حجم الإستيراد الفعلي ما دامت البضائع، حتى المدعومة منها، تعبر الحدود دخولاً وخروجاً من دون سجلّات صحيحة؟ وكيف نعلم حجم تحويلات اللبنانيّين إلى البلد وحجم تحويلات العمالة الأجنبية بما فيها السورية، إلى بلدانها الأم؟ وكيف نضبط حركة الرساميل من وإلى لبنان وجزء مهم من النقد الأجنبي الورقي يدخل من دون تصاريح، ويخرج من دون تصاريح (بالشنطة) وأحياناً كثيرة إخفاءً لمصادره، كون بعضها غير مشروع وينتج من الفساد والمخدّرات والمال السياسي وما إليها من مصادر يصعب التصريح عنها وبالتالي احتسابها.  وتتفاقم مشكلة الإحصاءات من جرّاء عدم أداء مديرية الإحصاء المركزي لوظيفتها ولو بالحدّ الأدنى من الفعالية. وطبعاً ينسحب ضعف سلطة الدولة على أدائها كما سائر الإدارات والمؤسّسات العامة، إذ تفتقر إدارة الإحصاء المركزي إلى الموارد البشرية والمادّية التي تحتاجها. وهذا التعامل مع هذه المديرية يعكس أصلاً عدم حاجة أهل السلطة إلى الإحصاءات التي تربك أكثر مما تفيد توازن المحاصصات. ولولا هذا...