السبت - 11 أيار 2024

إعلان

هل بات يتعيّن وقف السياحة الفضائية؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
من اليمين إلى اليسار: إيلون ماسك، جيف بيزوس، ريتشادر برانسون يفتتحون عصر السياحة الفضائية - "بي أي/ أ ب"
من اليمين إلى اليسار: إيلون ماسك، جيف بيزوس، ريتشادر برانسون يفتتحون عصر السياحة الفضائية - "بي أي/ أ ب"
A+ A-

السباق إلى الفضاء يعود إلى الواجهة مجدداً. هذه المرّة عبر بوابة الأفراد من أصحاب المليارات. بدأ الأمر مع قطب الأعمال البريطاني السير ريتشادر برانسون الذي وصل إلى "حافة الفضاء" في 11 تموز على متن مركبة صمّمتها شركته "فيرجن غالاكتيك". وصف برانسون رحلته بأنها "تجربة العمر". وفي 20 تموز، حلّق الملياردير الأميركي جيف بيزوس في الفضاء على متن مركبة صنّعتها أيضاً شركته "بلو أوريجين". وقال بيزوس إنّه عاش "أفضل يوم على الإطلاق".  

 

رياضة

لقي التنافس بين الرجلين على السياحة الفضائية انتقادات كثيرة. ففي وقت تشهد الأرض تداعيات كارثية مرجّحة للاحترار العالميّ، بدءاً من اليابان والصين مروراً بألمانيا وبلجيكا وصولاً إلى الولايات المتحدة وكندا، تعمل الصواريخ والمركبات الفضائية على زيادة الملوّثات في الجو. فإطلاق صاروخ واحد يضخ 300 طن من ثاني أوكسيد الكربون في القسم الأعلى من الغلاف الجوي، حيث يكفي رشّ الماء وحده في هذا الجزء كي يرفع حرارة الأرض. ويمكن هذه المركبات أن تدفع طبقة "الأوزون" إلى التآكل أيضاً.

لا مفرّ من أن يشهد قطاع السياحة الفضائية نمواً كبيراً في السنوات المقبلة مع مساهمته في زيادة التلوّث. لكنّ ما قد يفاقم هذه المشكلة هو السباق إلى الفضاء بالمعنى الضيّق لكلمة "سباق". فالتنافس لم يعد متعلقاً بمن يصل أولاً إلى الفضاء وحسب بل أيضاً بمن يصل إلى أعلى نقطة ممكنة فيه. والتقارير كثيرة عمّن استطاع "الفوز" بين برانسون وبيزوس. فالأوّل وصل إلى ارتفاع ناهز 90 كيلومتراً والثاني بلغ ارتفاع 106 كيلومترات. بذلك، لا ينحصر السباق إلى الفضاء بتقديم رحلات ممتعة وآمنة ومربحة بل، وعلى طريق تحقيق هذه الأهداف، سيتحوّل السباق إلى معركة غير محدودة لكسر الأرقام. ولا ينبغي نسيان أنّ رجل الأعمال إيلون ماسك هو أيضاً في دائرة المنافسة منذ فترة طويلة إن لم يكن هو الأقدم في هذا المجال.

بمعنى آخر، من المرجح أن تتحوّل هذه المتعة إلى رياضة تنافسية لاستعراض القدرات المادية والتقنية، على حساب معالجة أزمات ملحّة كما على حساب حماية الأرض من الملوّثات في وقت هو الأكثر حرجاً على البشرية منذ عقود. ففي حين يتسابق العالم لتخفيض نسبة انبعاث غازات الدفيئة لمنع حرارة الأرض من الارتفاع بأكثر من درجتين مئويتين في 2030 بالمقارنة مع حقبة ما قبل الثورة الصناعية – وهو حدّ قد يبطئ ولا يوقف التدهور المناخي على أي حال – ستنصبّ منافسة أخرى غير ضرورية بالنسبة إلى كثر، على تشتيت الانتباه عن هذه القضية المركزية.

 

دعوة عمليّة؟

انطلاقاً من هذه الوقائع، لقي السباق إلى الفضاء انتقادات قاسية. في "بوسطن ريفيو"، كتبت ألينا أوتراتا أنّ مليارديرات الفضاء يستغلون "الصالح العام المزعوم"، كالإلهام والتقدم العلمي، من أجل زيادة ثرواتهم الخاصة. فإضافة إلى استفادتهما من دعم حكومي قائم على المنح والقروض الميسرة وتخفيض الضرائب، يقدّم بيزوس وماسك "رؤى مثالية عن الإنسانية في الفضاء والتي تحاول تأمين حلول تكنولوجية للمشاكل السياسية التي تسببَ بها الاستعمار والرأسمالية".

انطلقت أوتراتا في انتقادها من نظرة جذرية تُسقط أيّ تمييز بين استعمار البشرية للفضاء واستعمار الإمبراطوريات (وحتى الشركات) للدول الضعيفة، إلى درجة أنّها دعت في ختام تحليلها إلى "عدم استعمار الفضاء على الإطلاق". لا تعدّ هذه الدعوة عمليّة في وقت تدلّ الأحفوريات إلى تعرض هذا الكوكب لخمسة انقراضات كبرى. هذا هو تاريخ الكوكب ومستقبله. على سبيل المثال، وللدلالة على أنّ الأرض موطن هشّ للبشريّة، أعلنت "ناسا" في 2004 بعد اكتشاف كويكب "أبوفيس" (سمّي تيمّناً بإله الدمار الفرعوني) أنّ هنالك احتمالاً لأن يضرب الأرض بين عامي 2029 و 2036. في ما بعد، تراجعت عن هذين الموعدين وقالت إنّ هنالك تاريخاً محتملاً كي يضرب "أبوفيس" الأرض سنة 2068، قبل أن تنفي ذلك في آذار 2021.

لو قُدّر لـ"أبوفيس" فعلاً أن يضرب الأرض، لكانت قوّة اصطدامه عادلت عشرات إن لم يكن مئات القنابل النووية. مع ذلك، سيمرّ الكويكب على بعد 36 ألف كيلومتر من الأرض فقد في 13 نيسان 2029 حيث ستتمّ رؤيته بالعين المجرّدة. هذه المسافة تعدّ أقلّ من المسافة التي تفصل الأرض عن القمر بحوالي 10 مرّات. وتقدّر "ناسا" وتيرة اصطدام كويكبات بالأرض يفوق تأثيرها قوة قنبلة هيروشيما بمئات الأضعاف وأكثر، مرة إلى مرتين كل ألف عام. حتى اعتراض الكويكبات يتطلّب استثماراً في الفضاء. من جهة ثانية، يوفّر الفضاء موارد طبيعية غير قابلة للنضوب بعكس ما هي الحال على الأرض.

 

انتقاد واقعيّ... ولكن

في صحيفة "فايننشال تايمس"، وجّه هنري مانس انتقاداً أقلّ حدّة، وعلى الأرجح أكثر واقعية، للسباق إلى الفضاء. "ماسك وبيزوس يملكان أساساً أعظم" من منطق برانسون. وتابع مانس: "نحن ندمّر كوكبنا، وحتى لو لم نكن كذلك، يمكن أن نُمحى من الوجود بكويكب. مع ذلك، إنّه أسوأ توقيت ممكن لرؤاهم الفضائية. هل نحن نروّج حقاً للسياحة الفضائية بينما نطلب من المواطنين العاديين تقييد نظامهم الغذائي والسفر والاستهلاك لمحاربة التغير المناخي؟ هل سيقتنع الناس بركوب الدراجات بينما ينطلق المليارديرات إلى الفضاء؟"

رد بيزوس على مطلقي الانتقادات في حديث إلى شبكة "سي أن أن" قائلاً: "إنهم غالباً على حق، علينا القيام بالأمرين. ثمة الكثير من المشاكل هنا والآن على الأرض ونحتاج للعمل عليها، وعلينا دائماً النظر إلى المستقبل. لطالما فعلنا ذلك كجنس بشري وكحضارة، علينا القيام بالأمرين معاً". وتابع أنّ مهمة "بلو أوريجين" ومهمة السياحة الفضائية بشكل عام هي تشييد طريق إلى الفضاء أمام الأجيال المقبلة "للقيام بأمور مذهلة، وهذه الأمور المذهلة ستحلّ المشاكل هنا على الأرض".

ثمة محاولات دائمة لإعاقة أيّ تطوّر تكنولوجيّ أو فتح أيّ أفق جديد للإنسان بحجّة أنه يتناقض مع البيئة ومع العدالة في توزيع الثروات. لا خلاف على أنّ لكلّ قفزة تقنيّة جديدة سلبيّاتها. هذه معادلة متجذّرة في كلّ تطوّر. لكنّ إعاقة التقدم بحجّة الحفاظ على الحدّ الأدنى من التوازن البيئي أو الاجتماعيّ لم يكن حلّاً عمليّاً قط. فالرياديّون كانوا دوماً السبّاقين في حلّ الكثير من المشاكل على الأرض.

في 2014، قال الفيزيائي ستيفن هوكينغ إنّ البشرية تملك وقتاً قصيراً جداً لمغادرة الأرض، داعياً إلى استيطان القمر ثمّ المريخ وكواكب أخرى. "سيتعيّن على الجنس البشري أن ينتشر في كوكب جديد بغضون 100 عام، إذا أراد البقاء على قيد الحياة". وتابع: "لا أعتقد أننا سننجو لألف سنة أخرى من دون الهرب إلى ما بعد كوكبنا الهشّ".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم