السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

أوروبا تتجه نحو اليمين... هل يُحبَط اليسار الأميركي؟

المصدر: "النهار"
رئيسة "التجمع الوطني" مارين لوبن - "أ ب"
رئيسة "التجمع الوطني" مارين لوبن - "أ ب"
A+ A-

منذ فترة غير قصيرة، يشهد اليسار في القارة الأوروبية تراجعاً كبيراً مخلياً بذلك الساحة أمام أحزاب اليمين التقليدي واليمين المتطرف. ولهذه الظاهرة تأثيرها على الساحة الأوروبية وربما أيضاً على الداخل الأميركي. تعتمد طبيعة هذا التأثير على ما يستخلصه الليبيراليون الأميركيون من عِبر في السنوات المقبلة.

 

يشرح الكاتب السياسي في مجلة "ذا ويك" البريطانية نواه ميلمان أنّ ليبيراليين أميركيين يتمنون لو كانت بلادهم تشبه أوروبا أكثر: هناك، يتم تقديم الرعاية الصحية على أسس أكثر مساواة والتعليم الجامعي أرخص بكثير، هذا إن لم يكن مجانياً. العادات الجنسية أكثر تحرراً وملكية السلاح نادرة. تأثير الدين أصبح رمزياً والقومية المتشددة هي من المحظورات.

 

يتساءل مييمان عن شعور هؤلاء إذا أصبحت أوروبا أكثر يمينية من الولايات المتحدة وهو احتمال قابل للتصور. فالمحافظون يسيطرون على الحكومة في المملكة المتحدة ويبدو موقعهم آمناً باطراد. قد يفوز الوسطي إيمانويل ماكرون بالرئاسة الفرنسية لو أجريت الانتخابات اليوم، لكن حظوظ مارين لوبان في مواجهة ثنائية معه أفضل مما كانت عليه سنة 2017. التحالف الإيطالي الهش قد يعقبه تحالف حكومي يميني بقيادة "العصبة" والنيوفاشية "إخوة إيطاليا". في ألمانيا، ستكون الحكومة المقبلة عبارة عن تحالف بين حزبي الاتحاد الديموقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي والحزب الديموقراطي الاجتماعي أو بين وسط اليمين المتجدد إلى جانب "الخضر".

 

لا يستبعد ميلمان حصول تغيير في استطلاعات الرأي. لكن المناخ السياسي الأوروبي عموماً كان يميل نحو اليمين منذ الأزمة المالية التي أعقبها انهيار الأحزاب اليسارية وظهور البدائل القومية واليمينية المتطرفة مثل "البديل لأجل ألمانيا" و"التجمع الوطني" في فرنسا و"حزب استقلال المملكة المتحدة". وغذت الهجرة من سوريا وليبيا هذا المنحى. لا تزال هذه الأحزاب والتيارات تواجه معارضة من التيار التقليدي السائد في الكثير من الأحيان، لكن تلك المعارضة لم تمنع نموها. وفي دول مثل المجر وبولونيا، بدأت تفوز بالانتخابات وتمسك بالسلطة.

 

في أوروبا اليوم، أكثر الأحزاب التقليدية حيوية هي في غالب الأحوال أحزاب يمينية تقليدية سعت لضم قضايا اليمين القومي إلى أجندتها كما حصل مع حزب "المحافظين" في بريطانيا الذي حجب حزب استقلال المملكة المتحدة عبر تبني "بريكست". ويمكن أن تكون أيضاً أحزاباً أساسها وسط تكنوقراطي حشد حوله التيار السائد ضد اليمين المتطرف. والأحزاب اليسارية الحقيقية كما في فرنسا او بريطانيا تراجعت إلى حد بعيد. بينما لا يزال اليمين المتطرف ينتج ظاهرة جديدة، كما هي الحال مؤخراً مع الصحافي إريك زيمور الذي تخطى لوبان في الأفكار القومية.

 

إذا كانت نتيجة هذا الاتجاه إعادة اصطفاف أوروبي يحتوي اليمين المتطرف عبر إعادة إحياء الأفكار المحافظة التقليدية والتركيز على القضايا الأوروبية فسيكون ذلك جيداً لأوروبا وللعلاقات الأوروبية مع واشنطن. إن أوروبا أكثر تركيزاً على التضامن الوطني عوضاً عن الإنسانية العالمية والهجرة المفتوحة أو الأسواق الحرة ستكون أوروبا أكثر قابلية للعيش والعمل والتجارة مع الولايات المتحدة. إذا أدى ذلك إلى تحقيق القارة استقراراً سياسياً أعظم ومحاسبة ديموقراطية فسيفضل معظم المراقبين هذا الوضع على اتجاه نحو اليمين المتطرف أو الدخول في فتنة أهلية.

 

قد ينزعج الليبيراليون الأميركيون من سماع رئيس وسطي مثل ماكرون يلومهم لتقويض التضامن الوطني عبر يساريتهم الجندرية والإثنية. لكن عليهم الاعتياد على ذلك بحسب الكاتب. لا شيء أكثر إفادة في الترويج للوحدة الوطنية من التهديد الأجنبي. إذا كانت المؤسسة الخارجية الأميركية تفضل ان تكون روسيا والصين هذا التهديد، فمن المنطقي أكثر أن تنتقد أوروبا التأثير الأميركي على نسيجهم لاجتماعي عوضاً عن انتقاد التهديدات الصينية لتايوان أو تعاملها مع الأويغور.

 

سيكون السؤال ما إذا كان اليسار الأميركي سيستخلص درساً من انهيار نظيره الأوروبي ويعيد التفكير بنهجه السياسي كي لا يواجه انهياراً مشابهاً، فيقلل من الإضاءة على القضايا الثقافية لصالح القضايا المعيشية. أو ربما سيكون بالإمكان التساؤل عن قدرة توجه أوروبا صوب اليمين على إلهام اليسار الأميركي لإعادة تحديد نظرته إلى مستقبل  أكثر مساواة ثقافياً لكن ليس على قاعدة الخلاص الضروري للتاريخ الأميركي "الخاطئ" ولكن كإيفاء مأمول لوعد أميركي مميز.

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم