الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ماذا يعني أن تختار فرنسا اليوم "أهون الشرين"؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون يرتدي قفازي ملاكمة في أحد التجمعات الانتخابية - "أ ف ب"
الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون يرتدي قفازي ملاكمة في أحد التجمعات الانتخابية - "أ ف ب"
A+ A-

يتوجّه الفرنسيون اليوم إلى صناديق الاقتراع لاختيار مرشّحهم المفضّل لرئاسة الجمهورية. بعبارة قد تكون أدقّ، هم يتوجّهون لاختيار المرشح "الأقل سوءاً" أو المرشّح الذي يمثّل "أهون الشرين" كما يقول بعض الفرنسيين. في 2017، كانت خيارات الفرنسيين واضحة: انتخاب إيمانويل ماكرون المرشّح "الوسطيّ" القادم من خارج الأحزاب التقليدية التي استنفدت قوتها وجاذبيتها. وفي مواجهة "يمينية متطرفة" مثل مارين لوبن، كان التصويت لماكرون أمراً بديهياً.

حصد الأخير 66% من الأصوات مقابل 34% للوبن. حقّق ماكرون انطلاقة صاروخية بين 2016 و 2017. لكنّ هذه الانطلاقة تباطأت لاحقاً بعد دخول الإليزيه. وما كان بديهياً منذ خمسة أعوام أضحى اليوم قابلاً للأخذ والرد.

 

هنالك أشخاص "ليسوا بشيء"

بعد سنة واحدة فقط على وصوله إلى الرئاسة، عدّدت "بوليتيكو" تسع زلات ارتكبها ماكرون خلال إطلالاته الإعلامية أو حواراته مع فرنسيين غاضبين عبّرت عن نوع من "الفوقية" في التعاطي معهم. واحدة من تلك الزلّات لا تزال تطارده حتى اليوم.

في خطاب له بمناسبة افتتاح شركة ناشئة في باريس، حذّر ماكرون من مخاطر النجاح الذي يدفع صاحبه إلى تجاهل الفقراء، مستخدماً مثل محطة القطار لتوضيح وجهة نظره: "إنّ محطة قطار، هي مكان يصادف فيه المرء أشخاصاً ينجحون وأشخاصاً ليسوا بشيء". من المرجح ألا يكون ماكرون قاصداً الإهانة، لكن من المرجّح أيضاً أن يكون هذا ما شعر به قسم كبير من العاطلين عن العمل أو من عائلات الطبقة الفقيرة.

دفعت هذه العبارة الناشط السياسي الفرنسي طه بوحفص إلى نشر كتاب بعنوان "هؤلاء الذين ليسوا بشيء". قال بوحفص في حديث مع مجلة "جاكوبين" منذ أسبوعين إنّ تعبير ماكرون كان قاسياً. فهو لم يقل: "الناس الذين لا يفعلون شيئاً" أو "الناس الذين ليس لديهم شيء" بل "الناس الذين ليسوا بشيء" أي الناس الذين لا يعبّر وجودهم عن أي "قيمة" أو "أهمية". وأضاف أنّ هذا ما أراد إظهاره من كتابه: "بمواجهة هذا الازدراء... هنالك أناس قاوموا وأظهروا أنّهم ليسوا ‘لا شيء‘".

 

هي تُغضب باريس... وهذا ما يفرحهم

آن-إليزابيت موتيه من مجلة "سبكتايتور" البريطانية رأت أنّ لوبن لن تستخدم عبارة "لا شيء" لتوصيف الفقراء. وهذا أحد الأسباب التي لم تعد تجعلها "الشخصية المخيفة" التي كانت عليها في السابق. وكتبت أنّه حين سئل الفرنسيون عن وصف لوبن بكلمة واحدة، أتت غالبية الإجابات بكلمة "قطط" (بسبب صورها معها على إنستغرام) لا "يمين متطرف". وأبرز ناخبيها هم من "الحزام الصدئ" في الشمال أو البلدات الصغيرة المنتشرة على امتداد فرنسا حيث الخدمات العامة قليلة ومحطات القطار مغلقة وحيث خسارة المرء وظيفته تعني أن لا احد يريد شراء منزله حين يحاول الانتقال إلى مكان آخر.

لفتت موتيه إلى أنّ الناس يتعاطفون معها حين تتحدّث بحزن عن انشقاق ابنة شقيقتها ماريون-ماريشال نحو حملة إريك زيمور، إذ إنهم يتفهّمون مشاكلها مع والدها وطلاقها مرتين. لكن لا يوافقها الجميع في هذه النقطة. منهم من يرى أنّ الخلافات العائلية أصبحت سمة مهيمنة على حزبها الأمر الذي حرمه من التواصل أكثر مع الناشطين والمجتمع المدني وعزّز الفساد الداخليّ.

مع ذلك، يعترف حتى مؤيدو ماكرون بأنّ قلّة من الرؤساء الفرنسيين تعرّضت لمشاعر كره من الناخبين كما هي الحال مع الرئيس الفرنسي الحالي. لكنّهم مقتنعون بأنّ "رفض مارين لوبن" سيكون أقوى من كره ماكرون. وفي ذلك تأكيدٌ إضافي على أنّ المعركة الانتخابية هي معركة تصويت ضدّ، أكثر مما هي تصويت لصالح مرشّح معيّن. بحسب موتيه، "لوبن تُغضب باريس، ولهذا السبب يحبها ناخبوها". لكنّ الغضب وحده ليس استراتيجية رابحة أو كافية، خصوصاً إذا كانت نابعة من حزب واجه سلسلة من الإخفاقات الرئاسية والتشريعية طوال عقود على تأسيسه.

 

فوز ماكرون لا يعني نهاية المشكلة

إلى الآن، وعلى الرغم من جميع جهود لوبن المبذولة لتحسين صورتها، لا تزال جميع الأرقام تصبّ في مصلحة الرئيس المنتهية ولايته. يتراوح تقدّم ماكرون على منافسته في آخر استطلاعات رأي أجريت قبل انتهاء الحملات الانتخابية بين 6 إلى 15%. هذا هامش واسع، لكن حتى مع افتراض صحة الرقم الأدنى، يبقى الأخير أبعد من هامش الخطأ (أقل من 3.5%). وكانت استطلاعات رأي قد وضعت تقدّم ماكرون ضمن هذا الهامش قبل أيام قليلة من الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية. يبدو أنّ ماكرون استطاع توسيع هذا الفارق خصوصاً بعد المناظرة الرئاسية التي بدا فيها أكثر إقناعاً للفرنسيين. ولا شكّ في أنّ مناهضة اليمين المتطرّف تؤدّي دوراً في ازدياد حظوظه.

لكن على هذه الأرقام ألّا تحجب فشل ماكرون في تحقيق أحد أبرز وعوده الانتخابية في 2017: عدم تصويت الناخب الفرنسي لليمين أو اليسار المتطرفين بحلول نهاية ولايته الأولى. حصل عكس ذلك بالضبط. أكثر من 51% من الفرنسيّين صوّتوا لمرشّح ينتمي إلى أحد هذين الطيفين في الجولة الأولى من الانتخابات. وما يفاقم المشكلة بالنسبة إلى ماكرون هو أنّه كان يفترض ألّا يظهر أيّ تكاتف مؤثّر بين أقصى اليمين واليسار في الجولة الثانية من الانتخابات. هذا الاحتمال غير مؤكّد لكنّه ليس مستحيلاً أيضاً.

يلفت أستاذ السياسات الأوروبية والفرنسية فيليب مارليير إلى أنّ 42% من ناخبي جان-لوك ميلانشون قد يصوّتون لصالح ماكرون و25% منهم قد يختارون لوبن. أن يصوّت ربع اليسار لصالح لوبن حدث لن يكون عابراً لو صدقت هذه الأرقام. بحسب مارليير، لا يسهّل ماكرون مهمّة تصويت اليسار ضدّ اليمين المتطرّف.

لو نجح ماكرون بالفوز بولاية ثانية مساء اليوم، فسيدرس المراقبون مدى قدرته على حماية تماسك الوسط في الأعوام الخمسة المقبلة أمام تصاعد الخيارات السياسية المتطرفة. إذا كان ماكرون قد وصل إلى الإليزيه على أنقاض يمين ويسار الوسط في 2017، فقد يصل أقصى اليمين واليسار على أنقاض الوسط نفسه في 2027.

 

*نقل عن "النهار العربي"

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم