الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

ما الذي قد يعلنه بوتين في "يوم النصر"؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
جنود روس يستعدون لاحتفالات التاسع من أيار في ذكرى انتصار موسكو على النزيين - "أ ب"
جنود روس يستعدون لاحتفالات التاسع من أيار في ذكرى انتصار موسكو على النزيين - "أ ب"
A+ A-

لم يكن الاحتفال الروسي بيوم الانتصار على النازية يقع في التاريخ عينه من كل سنة. خلال الحكم السوفياتي، نظمت موسكو ذلك الحدث في السابع من تشرين الثاني، ذكرى اندلاع الثورة البولشفية. مع ذلك، تمّ التقليل من أهمية ذلك الاحتفال. كان الزعيم السوفياتي الأسبق جوزف ستالين مرتاباً من الاحتفالات الشعبية التي برزت في التاسع من أيار سنة 1945 بسبب الخوف من انتشار شعور وطنيّ كما تذكر مجلة "إيكونوميست". وربّما كان مرتاباً أيضاً من الجنرال جورجي جوكوف الذي استسملت أمامه آخر القوات النازية. أعاد ليونيد بريجنيف الاحتفال إلى التاسع من أيار سنة 1965 بمناسبة مرور عشرين عاماً على نهاية الحرب العالمية الثانية. وتمّ تكرار الاحتفال بشكل متقطع منذ ذلك الحين.

اللافت أيضاً بحسب المجلّة عينها، أنّ الرئيس فلاديمير بوتين كان يحيي الاحتفال بتلك الذكرى من دون استعراض للأسلحة الروسية. تغيّر ذلك في 2008، السنة التي اجتاحت فيها روسيا إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا. منذ ذلك الحين، أدخلت أحدث نسخ الأسلحة البرية والجوية إلى الاحتفال.

لكنّ اللافت أيضاً أنّ روسيا لاحظت وجود أوجه قصور في جيشها بعد حربها السريعة، على الرغم من إتمامها بنجاح. عملت روسيا على تحديث جيشها طوال العقد التالي. لكنّ ذلك لم يثمر النتائج المرجوّة كما بيّن الميدان الأوكرانيّ لاحقاً. من المرجّح أن ينعكس ذلك على الاحتفال بالذكرى السابعة والسبعين للانتصار يوم غد الاثنين.

 

الخيارات المتاحة

السؤال الأكثر إثارة لاهتمام المراقبين هو ما الذي سيعلنه بوتين خلال الاحتفال. كييف لم تسقط وكذلك دونباس. تبقى ماريوبول التي يصعب أن تسقط هي الأخرى بين أيدي القوات الروسية في الساعات القليلة المقبلة. على وقع "العملية العسكرية الخاصة" التي أطلقها بوتين في 24 شباط، هنالك حاجة لإعلان رمزيّ يناسب حجم الذكرى. هل يتحدّث عن تحويل العملية إلى "حرب"؟ الاحتمال وارد لكن لا يعتقد مراقبون كثر، ومن بينهم الروس، أنّ روسيا قادرة على استدامة حربها، أكان من حيث القدرات المالية، أو من حيث الصناعة العسكرية التي تعتمد على مكوّنات مستوردة تمّ حظر تصديرها إلى روسيا. كذلك، ليس مؤكّداً ما إذا كانت روسيا قادرة على تجنيد المزيد من الشبان وتدريبهم سريعاً للتكيّف مع متطلّبات الحرب.

من هنا، ليس مستغرباً أن يقول خبير الشؤون الروسية في "مجموعة الأزمات الدولية" أوليغ إغناتوف إنّ "إعلان الحرب هو أصعب سيناريو". ولم يستبعد أيضاً الإعلان عن ضمّ الأراضي الانفصالية في لوغانسك ودونيتسك. كان ذلك أيضاً رأي الباحث في "معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية" ويليام ألبيرك. وفقاً لرأيه، قد يقول بوتين: "انظروا، لقد وسّعت جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية" حيث "ربطتُهما بالقرم وبالجسر البري وضَمَنّا إمدادات المياه للقرم، والآن، أستطيع إعلان أنّهما جزء من روسيا".

لكن يبقى سؤال عمّا إذا كان بإمكان بوتين الحديث عن ضمّ تلك الأراضي قبل السيطرة الكاملة عليها. فبسبب ذلك، سيكون الرئيس الروسي مضطراً لخوض الحرب مهما طالت تجنّباً لأن يفقد ماء الوجه في حال واصل الجيش الروسي معاناته في المرحلة التالية من الحرب.

احتمال الإعلان عن "حرب فعلية" و"التعبئة للحرب الشاملة" يبقى وارداً بحسب ألبيرك. لكنه يرى أنّ ذلك سيعرّضه لخطر تنامي استياء شعبي خصوصاً إذا تمّ إرسال آلاف المجنّدين الشبان إلى الحرب. وهذا ما يقوله أيضاً الخبير العسكري في الشؤون الروسية بافل لوزين الذي شكّك أيضاً في إمكانية أن يكون هذا الخيار "ممكناً تقنياً".

 

من ستالين إلى بوتين

نجح بوتين خلال سنوات حكمه برفع ذكرى الاحتفال إلى مستوى "تمجيديّ" بحسب الأستاذة المساعدة للعلوم السياسية في جامعة بنسلفاينا لينا سورجكو هارند. بلغ "التمجيد" مع بوتين "أبعاداً ملحمية"، حيث تتمتّع الحرب الوطنية العظمى بمكانة "مقدّسة" في وجهات نظر الروس للتاريخ. وذكرت الكاتبة المتحدّرة من روسيا أنّ تلك الحرب أصبحت حجر الزاوية للقومية الروسية التي يشكّل الدين أيضاً أحد أعمدتها الأساسية.

بمعنى من المعاني، ما كان يخشاه ستالين من استنهاض للروح القوميّة بفعل الاحتفالات بيوم التاسع من أيار، أصبح واقعاً مع بوتين، الرئيس الذي أعرب عن استيائه من سقوط الاتحاد السوفياتيّ. يؤكّد ذلك مجدّداً أنّ بوتين ليس مهتمّاً باستنهاض التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي، بل باستعادة النفوذ الجيو-سياسي الذي تمتّعت به موسكو في تلك الحقبة، وكذلك في الحقبات القيصرية السابقة.

الحرب على أوكرانيا، بصفتها استكمالاً لـ"الحرب على النازية" وفقاً للتوصيف الروسي، هي جزء من جهد استعادة روسيا لمكانتها الدولية السابقة. وهي في شكل آخر محاولة لإعادة اللّحمة التاريخية التي تجمع السلاف الشرقيين وفقاً لسردية موسكو. لكنّ التدمير الهائل الذي ألحقه الجيش الروسي بالمدن الناطقة بالروسية في أوكرانيا، وماريوبول أوّل ما يخطر في الأذهان، يوجّه ضربة قاسية لتلك السردية.

 

خيار سهل... نظرياً

تفكّكت الآمال الروسية بإعادة نوع من الاتحاد السياسي بين الشعوب السلافية، وهي آمال شكّلت السبب الأوّل في توقّع انهيار كييف بمجرّد اجتياز الجيش الروسيّ الحدود الأوكرانيّة. بذلك، يمثّل التاسع من أيار مناسبة للتعويض عن تفكّك تلك الآمال عبر تحقيق انتصار عسكريّ. هذا الهدف، على الرغم من صعوبة تحقّقه في المدى المنظور، قد يبقى ملحّاً من وجهة نظر صنّاع القرار الروس. لكن بما أنّ الكلفة قد تكون باهظة، قد يكتفي بوتين بإعلان أنّ بلاده أنجزت مهمّة نزع السلاح من أوكرانيا. هذا الخيار سهل نظرياً لكنّه قد يعرّض القوات الروسية لهجمات مضادة من الأوكرانيين. يبدو أنّ الخيارات قليلة أمام بوتين كما أنّها لا تخلو من المرارة ولو بنسب متفاوتة.

وهذه السنة، سيكون العرض العسكري الاحتفالي أصغر حجماً من العروض السابقة بحوالي 35% بحسب "إيكونوميست". إنّ استعراضاً أكثر محدودية من السنوات الماضية لا يتلاءم مع "عملية عسكرية خاصة" يفترض أن تكون استثنائية على مستوى "اجتثاث النازية" من أوكرانيا. قد يولّد ذلك انطباعاً سلبياً بين المواطنين الروس. هل يكون ذلك سبباً آخر يدفع بوتين للتصعيد في كلمة الغد؟

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم