الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

لماذا ترفض إيران دعوة بايدن للتفاوض؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الإيراني حسن روحاني متوجهباً كلمة متلفزة إلى الإيرانيين في 10 شباط 2021 - "أ ب"
الرئيس الإيراني حسن روحاني متوجهباً كلمة متلفزة إلى الإيرانيين في 10 شباط 2021 - "أ ب"
A+ A-

انطلقت المفاوضات الأميركيّة-الإيرانيّة حول الملفّ النوويّ – وإن كانت بطريقة غير رسميّة. وليس فقط منذ أمس. كلّ الرسائل والتصريحات الإعلاميّة المتبادلة هي شكل من أشكال التفاوض غير المباشر. وكذلك، كلّ التصعيد الميدانيّ. الخلاف حول من يعود أوّلاً إلى خطّة العمل الشاملة المشتركة أحد الأدلّة على ذلك.

 

لكن يبدو أنّ واشنطن قرّرت بشكل أو بآخر إنهاء هذا الخلاف عبر الحديث عن استعدادها للتفاوض. فهي أعلنت الخميس أنّها تريد الجلوس وإجراء محادثات مع إيران ومع الموقّعين الآخرين على الاتّفاق النووي. أتى ذلك بعد دعوة وجّهها المدير السياسيّ في الاتّحاد الأوروبّيّ إنريكي مورا عبر تويتر لعقد "لقاء غير رسمي" يشمل إيران.

 

ردّ الناطق باسم وزارة الخارجيّة نيد برايس قائلاً أنّ "الولايات المتحدة ستقبل دعوة من الممثّل الأعلى لـ (السياسة الخارجيّة) في الاتحاد الأوروبّيّ لحضور اجتماع لمجموعة 5+1 وإيران لمناقشة سبيل ديبلوماسيّ للمضيّ قدماً في برنامج إيران النوويّ".

 

وقال مصدر مطّلع لوكالة "رويترز" الخميس إنّ إدارة الرئيس الأميركيّ جو بايدن أبلغت إسرائيل مسبقاً بأنّها تعتزم إعلان استعدادها لمحادثات مع إيران بشأن العودة إلى الاتّفاق النوويّ. وأجرى الأميركيّون ومجموعة دول الثلاث الأوروبية (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) اجتماعاً الخميس لبحث إعادة إحياء اتفاق 2015.

 

أعقب الاجتماعُ إعلانَ إيران فرض قيود على بعض عمليّات التفتيش التي تجريها الوكالة الدوليّة للطاقة الذرّيّة وفقاً للبروتوكول الإضافيّ بحلول الأحد، إذا لم ترفع الولايات المتحدة عقوباتها. ومن المتوقّع أن يتوجّه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرّيّة رافايل غروسي إلى طهران غداً السبت لإيجاد حلّ يمكّن الوكالة من مواصلة عمليّات التفتيش. وقالت الخارجيّة الأميركيّة إنّ على إيران أن "تتعاون بشكل كامل وبالتوقيت المناسب" مع الوكالة.

 

واشنطن تليّن، إيران تصعّد

إقليميّاً، لم يخرج السلوك الإيرانيّ عن سكّته التصاعديّة. استهدافُ الحوثيّين مطار أبها السعوديّ مرّتين في 48 ساعة وإطلاق حوالي 14 صاروخاً على قاعدة عسكريّة أميركيّة في إربيل هما حدثان يندرجان في إطار رفع السقوف، على الرغم من أنّ إيران نفت تورّطها في الهجوم على إربيل. تبنّت مجموعة تحمل اسم "سرايا أولياء الدم" الهجوم على القاعدة والذي تسبب بجرح جندي أميركيّ ومتعاقدين آخرين.

 

ردّت الخارجيّة ببيان أظهر أنّ واشنطن "غاضبة" من الاعتداء وأنّ وزير الخارجيّة أنطوني بلينكن تحدّث إلى رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود بارزاني داعياً إلى محاسبة "المسؤولين"، من دون أن يحدّد هويّتهم. وأتى استهداف مطار أبها بعد ساعات على إعلان واشنطن رفع الحوثيّين عن لائحة الإرهاب.

 

يبدو أنّ إيران على طريق النجاح في ضغطها على الولايات المتحدة. ففي مقابل كلّ تصعيد إيرانيّ ثمّة تهدئة أميركيّة، أو بعد كلّ ليونة أميركيّة يبرز تصعيد إيرانيّ. وطهران مستفيدة في كلتا الحالتين. حاولت واشنطن أمس الإشارة إلى أنّ قبولها بالجلوس إلى طاولة التفاوض لا يعني انطلاق المحادثات ولا يعني النجاح: "إلى أن نجلس ونتحدث، لن يحدث أي شيء. لا يعني ذلك أنّه حين نجلس ونتحدّث سننجح، لكنّنا نعلم أنّنا إنْ لم نتّخذ تلك الخطوة، فسيتّجه الوضع من السيّئ إلى الأسوأ. إنّها خطوة ذات معنى، لكنّنا ندرك أنّها مجرّد خطوة من خطوات عدّة يجب اتّخاذها من جميع الجوانب".

 

"خطوة رمزيّة"؟

على الرغم من هذا التنازل الضمنيّ، ليس هنالك ما يؤكّد أنّ إيران ستقبل بهذه الدعوة قريباً. العكس هو المتوقّع ومؤشّرات ذلك صدرت عن وزير الخارجيّة الإيرانيّ محمّد جواد ظريف. وفقاً للبيان المشترك الصادر عن اجتماع واشنطن ومجموعة الثلاث والذي أعلن فيه بلينكن استعداد بلاده للتفاوض مع إيران، كان هنالك تأكيد على وجوب عودة إيران إلى الامتثال الكامل لموجباتها في الاتّفاق النوويّ، قبل أن تفعل واشنطن الأمر نفسه.

 

لكنّ ظريف رفض أمس تحميل إيران مسؤوليّة العودة إلى الاتّفاق أوّلاً، وطلب من الغربيّين "الامتثال لموجباتهم الخاصّة" و "إنهاء إرث ترامب من الإرهاب الاقتصاديّ ضدّ إيران". وكتب في تغريدة اليوم الجمعة أنّ إيران ستتراجع فوراً عن جميع إجراءاتها "التصحيحيّة" إذا رفعت واشنطن "بفاعليّة وبشكل غير مشروط جميع العقوبات المفروضة أو المعاد فرضها أو المعاد تصنيفها من قبل ترامب".

 

ثمّة مراقبون يتوقّعون أن تكون الخطوة الأميركيّة رمزيّة فقط مثل المحلّل في "مجموعة أوراسيا" هنري روم. ونقلت شبكة "سي أن بي سي" عنه قوله إنّ واشنطن يمكن أن تفكّر برفع عقوباتها عن بعض الأفراد الإيرانيّين وإنهاء الاعتراض الأميركيّ على قرض يمنحه صندوق النقد الدوليّ لإيران من أجل تسهيل التجارة العالميّة. وهذه الخطوات الرمزيّة لا تجعل واشنطن في موقع المقدّم لتنازل كبير عن نفوذه وفقاً لرأيه.

 

في نيسان الماضي، لم يبدِ بايدن موافقة على دعم صندوق النقد الدوليّ قرضاً طلبته إيران لمواجهة جائحة "كورونا". الحسابات قد تتغيّر اليوم لدفع طهران إلى التفاوض، وهو أمر غير مؤكّد بعد. بغضّ النظر عمّا ستقدّمه تلك الخطوة الرمزيّة، يصعب توقّع قبول إيران بها في المدى المنظور. يمكن أن تردّ على هذه المبادرة بأخرى رمزيّة وتعلّق قرارها بتقييد عمل المفتّشين الإيرانيّين قبل 22 شباط. لكنّ قبولها بالعودة إلى الاتّفاق النوويّ قد تكون صعبة خلال الأيّام أو الأسابيع القليلة المقبلة. ورفعت الإدارة قيود السفر عن ديبلوماسيّين إيرانيّين فرضتها إدارة ترامب ممّا حدّ من الحضور الإيرانيّ في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك.

 

طالما أنّ الإدارة تقدّم تنازلات تلو الأخرى وبفوراق زمنيّة ضئيلة، لا سبب وجيهاً يدعو طهران إلى التنازل. يضاف إلى كلّ ذلك أنّ الولايات المتّحدة كانت تسعى منذ فترة لاستكشاف الأجواء المؤاتية للتفاوض خلف الكواليس.

 

بيجينغ تُحرج واشنطن

منذ أقلّ من أسبوعين، أعلن نائب وزير الخارجيّة الصينيّ ما تشاوشو أنّه "أجرى محادثة هاتفيّة مع الممثّل الأميركيّ الخاص للشأن الإيرانيّ روبرت مالي بناء على طلب الأخير وأجرى الطرفان تبادلاً معمّقاً لوجهات النظر حول المسألة النوويّة الإيرانيّة". بالمقابل، ساد الصمت على الضفّة الأميركيّة.

 

حاول موقع "واشنطن فري بيكون" بشكل متكرّر التواصل مع الوزارة للحصول على تعليقات قبل أن تقول الأحد إنّ "الموفد الخاص روب مالي هو في المراحل الأولى من الانخراط مع أعضاء من الكونغرس، حلفاء، شركاء، وآخرين". ورأى الموقع أنّ صمت وزارة الخارجيّة عن خطوة مالي قد تكون إشارة إلى أنّ البيانات العلنيّة لإدارة بايدن تناقض ديبلوماسيّتها السرّيّة في هذا المجال.

 

في نهاية المطاف، إذا كانت الإدارة تعتقد فعلاً أنّ الوضع "سيتّجه من السيّئ إلى الأسوأ" من دون التفاوض، فهذا يعني أنّ الرسالة الإيرانيّة وصلت إلى واشنطن وتبنّاها بايدن. وسلسلة التصعيد الإيرانيّ هدفت في الأساس إلى إقناع واشنطن بهذه الخلاصة. يبدو أنّ بايدن اقتنع بها بأسرع ممّا توقّعته طهران نفسها.

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم