الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

النزاعات الإقليمية والأزمة القاتلة في لبنان

المصدر: "النهار"
Bookmark
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
البروفسور فيليب سالم*مأساة لبنان هي في موقعه الجغرافي، فالأرض معلّقة على الصليب في الشرق الأوسط بين إسرائيل وسوريا والبحر المتوسط، ووحده البحر لم يكن عدائياً تجاهها. السبب الأهم لغياب الاستقرار وفقدان السيادة في لبنان هو العامل الجيوسياسي المتمثل بموقعه في جوار إسرائيل. لقد استخدم الفلسطينيون والسوريون لبنان، والآن يستخدمه الإيرانيون منصةً لشنّ هجمات على إسرائيل. نتيجةً لذلك، أصبحت البلاد رهينةً وأداةً سياسية تُستغَل في ديناميات النفوذ بين القوى الإقليمية المعادية لإسرائيل من جهة والغرب من جهة ثانية. وهذا هو أحد العوامل الرئيسية التي أدّت إلى الأزمة الراهنة في لبنان الذي يتخبط في عين العاصفة، على وقع النزاع بين الغرب وإيران.المسألة الأخرى هي الثقافة الجغرافية. لبنان فريدٌ من نوعه في الشرق الأوسط. ففي مختلف البلدان العربية، دين الدولة الرسمي الإسلام، والدين الرسمي في إسرائيل هو اليهودية، أما في لبنان فلا دين رسمياً للدولة. ولبنان هو أيضاً مهد التعددية الثقافية حيث تتعايش ثماني عشرة طائفة دينية، وعلى الرغم من الحروب التي شهدتها البلاد، لا تزال المسيحية تعانق الإسلام، والثقافات الشرقية تعانق الثقافات الغربية. لذلك قيل "حين تذهب إلى بيروت، كأنك تزور العالم بأسره". لدى إسرائيل مشكلة كبيرة مع النموذج الذي يقدّمه لبنان حيث تتعايش مختلف الأديان والثقافات وتزدهر جنباً إلى جنب. فهذا النموذج يشكّل تهديداً لإسرائيل التي تجد صعوبة في تحديد هويتها. فهل هي دولة يهودية أم دولة ديمقراطية؟الخطوة الأولى في عملية تفكك الدولة اللبنانية كانت اتفاق القاهرة الذي وقّعه، في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 1969، رئيس الوفد اللبناني العماد إميل البستاني، ورئيس وفد منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات. بموجب الاتفاق، منح لبنان منظمة التحرير الفلسطينية مساحة من الأراضي في جنوب لبنان تستطيع الميليشيات التابعة للمنظمة استخدامها في التدريب، وكذلك منصةً لشنّ هجمات على إسرائيل. وقد شكّل هذا الاتفاق بداية الانهيار التدريجي للبنان وتقهقره من دولة سيادية إلى دولة فاشلة. فالهجمات الفلسطينية المتكررة على إسرائيل دفعت بهذه الأخيرة إلى شن هجمات عسكرية تكراراً على لبنان، والتي أدّت في نهاية المطاف إلى الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982، ما أسفر عن خروج منظمة التحرير الفلسطينية من الأراضي اللبنانية. ومن الأخطاء الفادحة الأخرى التي ارتكبتها منظمة التحرير في لبنان أنها لم تكتفِ فقط باستهداف إسرائيل، بل استهدفت لبنان أيضاً. فقد سيطر عرفات على المشهد السياسي في بيروت وقبض على القرارات السياسية الكبرى. أنفق المال الذي حصل عليه من الزعماء العرب على رشوة السياسيين اللبنانيين، وفرض نفسه سيّداً على الساحة السياسية في بيروت. كان الدور الفلسطيني في لبنان مدمِّراً، وكان من العوامل الرئيسية التي أشعلت فتيل الحروب اللبنانية التي انطلقت في عام 1975 ولم تحط أوزارها بعد. يعتقد لبنانيون كثر أن عرفات أراد السيطرة على لبنان ليكون بديلاً عن فلسطين، لكن حلمه هذا لم يتحقق.بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، لم تتمكن الحكومة اللبنانية، للأسف، من إرساء السلام في البلاد؛ وتوالت فصول الحروب إلى حين انعقاد مؤتمر الطائف في السعودية في أيلول/سبتمبر 1989 والذي أسفر عن توقيع اتفاق الطائف الذي أقرّه مجلس النواب اللبناني في 4 تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه. لقد أدّى الاتفاق فعلاً إلى إنهاء الحرب، لكنه فرض عاملاً أساسياً مزعزعاً للاستقرار، وسلّم لبنان عملياً إلى النظام السوري. فقد ورد في نص الاتفاق: "ومــن واقــع العلاقــات الأخویــة التــي تــربط ســوریا بلبنــان، تقــوم القـــوات الســـوریة مشـــكورة بمســـاعدة قـــوات الشـــرعیة اللبنانیـــة لبســـط ســـلطة الدولـــة اللبنانیـــة فـــي فتـــرة زمنیـــة محـــددة أقصاها سنتان". هذا الكلام لا ينطلي إلا على السذّج. فبدلاً من أن تساهم القوات المسلحة السورية في بسط سلطة الدولة اللبنانية، استخدم النظام السوري هذه القوات لبسط سلطته على الدولة اللبنانية. وخلافاً لما نص عليه اتفاق الطائف، حلّت سوريا جميع الميليشيات في لبنان، ما عدا ميليشيا "حزب الله" والميليشيات الفلسطينية. وقد أبقت عليها كي تتمكن من...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم