عن عهد الإنهيار وضياع المسار وقمة الكبار

من أمتع الحكايات وأكثرها دلالة تلك التي سمعتها من مراسل اجنبي . قال لي إنه كان يغطي حادث الإعتداء على أساتذة في الجامعة الاميركية عندما دخل بالخطأ الى مختبر يضم عدداً من الطلاب . ولما توقف ليسأل المعلم عن أقصر الطرق الى خارج المبنى، لاحظ انشغاله بشرح موضوع مثير لاهتمام التلاميذ. وبدلاً من أن يغادر، استأذن المعلم بالبقاء فترة وجيزة يستطيع خلالها تتبع الشرح المفيد . ورحب به المعلم، ثم أشار بمسطرة طويلة الى موت ضفدع كان يقبع في قعر مرطبان زجاجي، ثم أكمل حديثه قائلاً: العبرة العملية التي نستقيها من هذا الدرس تتعلق بتأثير تكيّف أجسام المخلوقات بالحرارة والبرودة. والمثل على ذلك أن هذا الضفدع تعرض قبل شهر للانتقال تدريجياً من مناخ المياه الباردة الى مناخ السخونة القاسية. والطريف أنه لم يحاول القفز والهرب من هذا الوعاء عندما شعر بالحرارة. والسبب؟ إنه اعتاد خلال شهر كامل على التأقلم مع تنوّع المناخات. ولهذا فقد الإحساس بوقع التغيير الخارجي . ثم ضحك مدرس الكيميائيات وهو يشرح نظرية التأقلم قبل أن يودع المراسل ويقول له: إن هذه النظرية تنسحب أيضاً على تكيّف اللبنانيين مع الأحداث السياسية التي تطوقهم… وتمنعهم من التمرد على حكامهم الظالمين! وكان بهذه الرسالة الشفهية يفرغ الغضب الذي يعتمل في صدره وصدور آلاف اللبنانيين ممن تعرضوا لفراغ الرئاسة مدة طويلة من الزمن. ولولا النجدة السياسية التي قدمها سعد الحريري لما استطاع ميشال عون الدخول الى قصر بعبدا (تشرين الأول - أكتوبر - ٢٠١٦) . وفي الخطاب الذي ألقاه من "بيت المستقبل"، قدم الحريري في حينه سلسلة أسباب ملحة قال إنه اتفق مع ميشال عون على تحقيقها. واستعرض بوضوح تبنيه لقرار ترشيحه من قبل "القوات اللبنانية"، مؤكداً أنه وصل في حواره مع العماد الى مكان مشترك إسمه الدولة والنظام. واعترف أنه "لا يريد للنظام والدولة أن يسقطا، لذلك عبّرنا عن مواقفنا المتجانسة...