10 سنوات على الربيع العربيّ: الميزات التغييريّة المؤسِّسة!

 زياد الصائغ - خبير في السياسات العامة لم تكن ثورات الربيع العربي عابرةً في ما يُعنى بهَزِّ رسوخ بعض الأنظمة، وتحريك القِوى المجتمعيّة الحيّة، والدّفع باتجاه انطلاق ديناميّات تغيير في الذهنيّات والسلوكيّات على حدٍّ سواء. وبهذا القدر من انطلاق ديناميّاتٍ منها متناسقة ومنها متناقضة، ديناميّات تغييرٍ مُرتجى في احترام حقوق الإنسان والحريّات، وتنفيذ آليّات تحوّلٍ ديموقراطي بانتظام تداول سِلميّ للسُّلطة قاعدتها انتخاباتٌ نزيهة، وبلورة خيارات حوكمة سليمة من ضمن نهج تقييم الانتاجيّة وتفعيل الشفافيّة والمحاسبة، وتعميم العدالة الاجتماعيّة مع إدارةٍ متكافئةٍ في الموارد، بهذا القدر عينه كانت انفلاتاتٌ مدمِّرة من تطرّفٍ إرهابيّ، وإجرامٍ شموليّ ديكتاتوريّ، واتّساعٍ أيديولوجيّ إقصائيّ. وبالاستناد إلى هذين التوجهَين الشديدي التّناقض كان إجهاضٌ مُمَنهج لطموحات الثائرات والثائرين العرب، ليس فقط من باب منعهم من المشاركة في مسارات إعادة تكوين السُلطة فحسب، بل من باب إطالة عمر مواقع نفوذ المُمسكين بزمام السُلطة أيضاً. لكن، وعلى الرغم من هذين الخللَين البنيويَّين، فإنَّ الربيع العربيّ أثبت، وبعد سنواتٍ عشرة أنَّ ديناميّة التغيير في المجتمعات العربيّة قائمة، مع موجب فَهم تمايز كلٍّ منها. وديناميّة التغيير التي واجهت آلتين تخريبيَّتَين أولهما تحالف التطرّف، وثانيهما تحالف الفساد، عانت انكفاءً أو تبدّلاً في التكتيكات، لكن دون الانسحاب من خوضِ مواجهةٍ سِلميّة مع المنصّات السُلطويّة التقليديّة على كلّ المستويات السياسيّة، والإكليريكيّة، والثقافيّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والتربويّة، والعسكريّة، والدستوريّة، والقانونيّة.  وبالعودة إلى هذا الثّبات في المواجهة يجب مقاربة الربيع العربي في إشراقاته وإخفاقاته وآفاقه إنطلاقاً من توسيع رُقعة فاعليّة المجتمع المدني، وفَتح النقاش في منظومة القِيَم الناظمة للعقد الاجتماعي، وكلّ هذا رسّخ رفض التشكّلات السائدة تاريخيّاً، وأعلى شأن الارتباط الوثيق بين الحريّة، وحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعيّة، ودولة دستور المواطنة، وتفوّق القانون، والنّزاهة الاقتصادية، وأسقط معادلة الأكثريّات والأقليّات.  وإنَّ هذه القضايا، والتي سنتوسّع في مقاربتها في هذه العُجالة، معنيّة...