الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

في 2021... اللبنانيتان نجوى بركات وعايدة صبرا: مبدعتان تشرقان باريسيًّا

المصدر: "النهار"
مشهد من المسرحية وغلاف الرواية.
مشهد من المسرحية وغلاف الرواية.
A+ A-

مايا الحاج

 بعد نحو سنتين من المعاناة، تابع لبنان عام 2021 انزلاقه نحو الهاوية حتى بلغ قاعها. غلاء فاحش، فقر مدقع، هجرة جماعية، أزمات صحية واستشفائية... لكنّ أمل لبنان يبقى معقودًا على طاقاته البشرية، وتحديدًا قامته الفكرية والأدبية والثقافية.

ورغم تحديات الظروف، كثيرون منهم آمنوا بأنّ عملهم المضني هو ما قد يسوق البلد نحو خلاصه. وليس عبثًا هذا الاعتقاد. ففي ظلّ أخبار لبنان المُحبطة، استطاعت شخصيات لبنانية أن تجذب اهتمام العالم لتقدّم صورة مغايرة عن الواقع، ومنها الروائية نجوى بركات والممثلة المسرحية عايدة صبرا.

في 2021، نجحت الترجمة الفرنسية لرواية "مستر نون" في أن تحظى باهتمام الإعلام الفرنسي، وترشحت لجوائز مهمة، منها جائزة فيمينا وجائزة الأدب العربي في باريس.

أمّا عايدة صبرا، فأحدثت ضجة رائعة بتعاونها الاستثنائي مع المسرحيّ العالميّ (اللبنانيّ الأصل) وجدي معوّض في دور "الأم". حقق أداؤها تفاعلًا جماهيريًا هائلًا، وتسابقت الأقلام للكتابة عنها، فيما خصّصت لها الصحيفة الفرنسية الأشهر "لوموند" مقالًا وُصفت فيه بأجمل العبارات.

واحتفاءً منّا بهذه الصورة المشرقة، توجهت "النهار العربي" الى كلّ من نجوى وبركات وعايدة صبرا للحديث عن وقع  عليهما، وعن إنجازاتهما وقرار هجرتهما... وهكذا جاء الجواب.

الروائيّة نجوى بركات:

بيروت التي غادرتها لم تغادرني

 

أكاد لا أجرؤ على الموافقة أن 2021 لم يكن عامًا رديئًا بالنسبة إليّ. فكما قيل لي، أنا من المحظوظين الذين نجوا من جحيم لبنان بأن وجدوا مكانًا بعيدًا يلجأون إليه، كما أنّ روايتي "مستر نون"، لاقت نجاحًا نسبيًّا في ترجمتها الفرنسيّة، إذ تسلّقت قائمة بعض الجوائز الأدبيّة المهمّة، وتناولتها وسائل إعلام رئيسة إيجابًا، هذا كلّه صحيح. لكن ميزان الموضوعيّة لا يقيس الأشياء دومًا بوزنها الفعليّ. فالغرب ما زال يرى إلى أدبنا كأدبٍ قاصر، وأنا لا أرى أنّي بمغادرتي بيروت قد نجوتُ فعلًا. ما أقوله لا يخلو من "وقاحة" ما، أعرف، لكنّ هذا هو ما أشعره في زوايا روحي، كلّ يوم.

فرنسا التي عدتُ إليها بعد غياب عشر سنوات، أراها تتخبّط يائسة في مستنقع التطرّف اليميني وكراهية الآخر والعداء العنصري. وبيروت التي غادرتُها لم تغادرني حقًّا، وما زلتُ أشعر أنّي على بُعد خطوة منها لا أكثر، خطوة وأعود. جئتُ إلى هنا من أجل ابنتي، ابنة العشر سنوات، التي راحت تسألني باستمرار: "ماما، متى نعود؟". الصورة ليست دائمًا ما تبدو عليه. ثمة نيغاتيف لا ينبغي إغفاله، يرافقنا أبدًا بعد أن تموت اللحظةُ وتبهت الألوان. أنا لا أريد أن أشيخ هنا، في بلاد السماء الرمادية والبرد والصّمت. باريس الرائعة، البهيّة، كما يراها الجميع، لا تُسكت طنينَ قلبي، ولا  صراخَ رأسي، ولا أدري من هو المسؤول. أأنا، أم هي، أم كلّ هذا العبث المحيط؟

نحن حتى لم نشترِ هذا العام شجرة ميلاد. ربّما كي نقاوم فكرةَ استيطان هذا البُعد الذي دُفعنا إليه دفعًا، كما سبق أن دُفعتُ إليه إثر مرور عشر سنوات على الحرب الأهلية في لبنان، فكان أن غرقتُ في غيابٍ طويل لم ينتهِ إلا منذ عشر سنوات. هكذا تسير أيامُنا، نحن اللبنانيين، وقد بتنا من ملعوني هذي الأرض وأشقيائها.

عامٌ جديد ينبلج، وأنا لستُ هناك.

عايدة صبرا:

"الأم" مع وجدي معوّض... نقطة فارقة في حياتي

 

خلال 2021، كانت مشاركتي مع وجدي معوّض هي الحدث الأهمّ. ولعلّ هذا العمل هو ما جعل سنتي مميّزة، وإن كانت في بدايتها عادية جدًا، إذ اقتصر نشاطي على تعليم المسرح في مونتريال. والمعلوم أنني هاجرت إلى كندا في تموز 2020، وهناك شاركت مع فرقة مسرحية في عملٍ، عُرض في أواخر 2020، بالإنكليزية والفرنسيّة، عبر الإنترنت (أونلاين) بسبب الإجراءات الوقائية في مواجهة وباء كوفيد 19.

ثمّ جاءت الفرصة لكي أشارك مع وجدي معوّض، فعملت أنا وأوديت معلوف ما يُسمّى "مختبر" تمارين أوليّة معه. كان يُعطينا عناوين معيّنة نرتجلها، ثمّ استعان ببعضها، وطوّر كتابتها، واستخدمها لاحقًا في المسرحية.

طريقة عمل معوّض جديدة ومحترفة، استفدت منها كثيراً على المستوى الفنيّ والمسرحيّ. وأعتبر المشاركة معه نقطة فارقة في حياتي، وخطوة الى الأمام في مسيرتي، نظرًا إلى احترافيّته وتقنيّاته الهائلة.

وصحيح أنّ وجدي معوّض لبنانيّ، لكنّه اكتسب ثقافته الكبيرة في الخارج، وبنى تجربته هناك، ما جعله بمستوى عالٍ جدًا؛ والعمل معه يُشبه إلى حدّ ما مشاركة أيّ ممثّل في فيلم سينمائيّ عالميّ مع مخرج مهمّ جدًا، إنّها فرصة استثنائيّة!

من الطبيعي أن أصف هذه المشاركة بأنّها ثمينة جدًا، لا سيّما أنه اختارني لأجسّد دور "أمّه"، وهو ما أراه امتيازًا لي.

هل هذا العمل هو "تعويض" عمّا عانيناه في لبنان؟ أظنّ نعم. المشاركة في مسرحية وجدي معوّض بمثابة مكافأة لجهد وتعب ومسيرة عمرها 35 عامًا، أنفقت عليها من طاقتي وجهدي ومالي من أجل هدف واحد: "المسرح".

هجرتُ لبنان مرّتين في حياتي. في بداية الحرب، وفي أواخرها. لكنني عدتُ حبًّا بلبنان وبالمسرح وبالحياة فيه. هذه المرّة هجرتي جاءت في سنّ أكبر، ما جعل التجربة أصعب. فليس سهلًا أن يقرّر أحدنا ترك بلده وبيته وعائلته وأصدقائه وحياته الغنية بتفاصيل بناها في هذا الوطن، ليحمل حقيبة صغيرة، ويسافر بعيدًا، ويبدأ من جديد.

هذه التجربة التي عشتها أخيراً جعلتني أتماهى أكثر مع شخصية أم وجدي معوّض في مسرحية "الأم". إنها الغصّة ذاتها والخوف والقلق والتوتر... هذه المشاعر التي تعمّد معوّض أن يقدّمها في أقصى حالاتها الانفعاليّة، لتغدو أقرب إلى "الهيستيريا". وهو ما يبدو طبيعياً في حالة "أمّ" اقتُلعت من بيتها الواسع بفعل الحرب الأهلية لتجد نفسها وحدها في فرنسا، داخل شقة صغيرة، بموارد مادية قليلة، مسؤولة عن عائلة وأطفال يكبرون في بيئة غير بيئتهم وأنماط فكرية تُعاكس ما أرادته لهم.

هذا البُعد الإنساني في المسرحية جعلها تتجاوز "لبنانيّتها" لتُحاكي كلّ شخص اضطرته ظروفه إلى أن يترك أرضه ووطنه وثقافته، وليبدأ حياته من الصفر. وهذا ما يؤكّده مشاهدو العرض، من الحضور والنقّاد.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم