الخميس - 02 أيار 2024

إعلان

بودكاست مجلّة "العربي"... هل بالرقمنة وحدها تحيا الثقافة؟

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
لقطة من معرض "العربي" في معرض مسقط للكتاب. (النهار)
لقطة من معرض "العربي" في معرض مسقط للكتاب. (النهار)
A+ A-

عرف مجلّة "العربي" كلّ بيت عربيّ ولو لم يقرأها. لكن انتشارها منذ تأسيسها في العام 1958 لم يساعدها في كسر الحاجز النّفسي المنيع الّذي انتصب بينها وبين القارىء، فالأخير لا يزال يعتبر أنّ الاعلام الثقافيّ لا يتوجّه لقرّاء غير النخبة، ولا يرحّب بسواهم. وليست مجلّة "العربي" وحدها معنيّة بهذا التّصوّر، إنّما سائر المجلّات الثّقافيّة الّتي تضاءل وجودها وبعضها اختفى بسبب قلّة الموارد وضعف الاقبال، فضلاً عن مشاكل أخرى مرتبطة بالثقافة وبالإعلام، كلّ على حدة. ودخلت الرّقمنة فعمّقت الشرخ، وأحدثت هيمنتها على الإعلام  تبدّلاً جوهريّاً في معادلة "الإقصاء"؛ أمست المجتمعات الرّقميّة هي صانعة القرار، ترحّب بمحتوى أو تنبذه، وكلّ ما هو ورقيّ لربّما تعترف به، في حال عرفت بوجوده أو استمراره، فكم من مرّة سئل رئيس تحرير جريدة أو مجلّة عريقة: هل ما زلتم تصدرون ورقيّاً؟

سؤال ليس في سياقه المباشر، إنّما لا يزال يطرح وبكثافة على أسرة تحرير "العربي"، تارّة من باب الاستفسار وطوراً استهجاناً.

"هؤلاء يستغربون الأمر، فيقولون أنّ "العربي" مجلّة "عواجيز" (عجائز) لأنّنا حافظنا على الإصدار الورقيّ"، يقول ابراهيم المليفي، رئيس تحرير مجلة "العربي"، في حديث عفويّ جمعنا على هامش معرض مسقط للكتاب في شباط الماضي.

يمكن القول أنّ مجلّة "العربي" كانت تتصدّر المشهد في معرض الكتاب حينذاك، فقد نظّمت معرضاً للوحات تضمّ الغلاف الخارجيّ لأعداد من المجلّة، حلّت مثل شواهد على متانة التّرابط الثقافيّ بين الكويت وعُمان. وضمّ المعرض 20 صورة حصريّة التقطتها كاميرات المجلّة خلال تغطيات خاصّة تفرّدت "العربي" بإعدادها عن السلطنة في مناطق مختلفة مثل مسقط وصحار وصلالة ونزوى وغيرها من الولايات.

وحدث لقاء لطيف بين مجلّة "العربي" والمواطنة العُمانيّة محفوظة الرواحيّة، التي نُشرت صورتها على الغلاف في حزيران 1971 أي قبل 51 عاماً.

 

وإذ لا يختلف اثنان على عراقة "العربي" الّتي تشكّل أحد ركائز صدقيتها وبالتالي استمرارها، لكن المجلّة لا تكتفي بتحرّي وجوه الماضي. يعترف القيّمون عليها بالفعل بأنّ أي هدف للمستقبل ينبغي عليه أن يكون دامجاً للشباب، بل أن يتعاطى لغتهم، وذلك بدون الوقوع في فخ "التبرج الثقافيّ" الّذي يلجأ إليه الشباب في العالم الافتراضي، فيخلقون علاقة وهميّة بينهم وبين الكتاب الورقي، ويروجون لها على إنستغرام وسائر منصّات التواصل الاجتماعي. لا يزال الشباب يتخذون الكتاب وسيلة للترقية أو التمايز الاجتماعي، لكن قلة تقرأه.

"من يعتقد أنّ جيل الألفيّة لا يعنينا، قد يصدم حين نحدّثه عن مسابقة "قصص على الهواء" الّتي نظمتها مجلة "العربي" مع "بي بي سي عربيّة" طوال 15 عاماً، وتتضمّن مساهمات لهواة كتابة القصّة القصيرة. وسيصدم ثانيةً، حين نخبره أنّ هذه المسابقة استكملناها في صيغة جديدة منذ سنة تقريباً، في برنامج "كافيه شو" الذي يذاع مساء كلّ سبت على "مونت كارلو الدوليّة"، حيث تُقرأ القصص الفائزة حرفيّاً. فتحنا من خلال هذا البودكاست باباً على الفئات الشابة، ولكن أيضاً على العالم الفرنكوفوني"، يقول المليفي.

ويردّ شبهة الإقصاء اللّصيقة بالمجلّة، موضحاً  أنّ باب "البيت العربي" المؤلف من 16 صفحة في الإصدار الورقيّ يعني بالمطبخ والأزياء والأمراض الموسميّة، وشؤون تعني الأسرة مثل الاستعدادات لعودة المدارس، و"هي مواضيع لا صلة لها بالأدب ولا بالفكر أو الفلسفة. فهذه التخصّصات تحتفظ بمساحتها ضمن 110 صفحة".

 

ويتابع "من يقرأ، يعرف، وهو من يستحق أنّ يناقشنا، فنعطيه من وقتنا وجهدنا لنشرح له، لماذا اختفى هذا الباب، أو لم نعد ننظّم تلك المسابقة. لكن الكثير ممّا ينتقدون "العربي" لا يقرأونها، ويأخذون علينا أنّ محتوانا لا يجاري أذواقهم".

وفي هذا السياق، يرى المليفي أنّ المشكلة الأساس التي تواجهها "العربي" لا هي في التحول الرقمي، ولا في اعتبار النّاس أنّ الصّحافة الورقيّة انتهت، إنّما المشكلة تكمن حقيقة في الإحجام عن القراءة في العالم العربيّ حيث نسبة المطالعة في السلّم الأدنى، وهذا هو الوحش الحقيقي الّذي ينبغي محاربته.

تطرح إشكالية "العربي" سؤال أكبر حول ما يريده المجتمع العربي من الإعلام الثقافي، فهو فيه من القراء لكنه ليس بأسره مجتمع قراء. وتفرد جهود عظيمة في المؤسسات الاعلامية أو المجلات الثقافية المتخصصة لتطويع النصّ، فيتحول إلى محتوى رقميّ (فيديو، بودكاست، منشور...) يسري بسلاسة للمتلقي عبر الانترنت، ليكذّب هالة الرّهبة التي تقطع التّواصل بينه وبين مستخدمي الشاشات الرقمية، وأكثرهم الشباب.

ومؤخراً، طرحت جامعة الدول العربية في آذار الماضي مسألة "مستقبل الإعلام الثقافي في ظل التحول الرقمي"، ولعل التوصيات الأهم صبت في تدريب العاملين في هذا القطاع حول الأدوات الرقمية وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. لا ريب في ضرورة التسلح بهذه المهارات، لكن من يموّل؟ قد يكون لبنان النموذج الأهم الذي يكذب هذا الطموح، في بلد يغص بالكفاءات التكنولوجية، لكن إعلامه الثقافي وغير الثقافي يلفظ أنفاسه الأخيرة.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم