الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

الباب الضيّق في لوحة "محبسة مار ميخائيل" لماي جميّل خوري

المصدر: "النهار"
يوسف طراد
الغلاف.
الغلاف.
A+ A-
تقاطعت لوحة محبسة مار ميخائيل الّتي رسمتها ماي جميّل خوري، مع روح القداسة، في جغرافيّة الوادي المقدّس؛ لذا عرفت ريشتها كيف تصنع من القماش منظراً يظهر جمال الحياة النسكيّة.
 
بَنت ماي مداميك المحبسة، بكثير من المشاعر الروحانيّة. وقد ألْقَتْ في مخيلتنا ومرمى عيوننا، جمالاً روحانيّاً، يعيدنا إلى محابس جميع النسّاك في هذا الوادي السّحيق الّذين ما تخيلناهم بغير أسكيم، وأكف عارية من أي إثمٍ. وقد فعلت أياديهم في ذاك المكان فعل السّحر في بناء تاريخ الكنيسة.
 
حلمت الفرشاة وهي ترسم، بأن تكون سيفاً ذا حديّن، كسيف شفيع المكان والزمان، والّذي يرمز بحديّه إلى الحقّ والعدل. فخلطت المشاعر بسائل نزَف من جراح الرهبان والمؤمنين الشّهداء، وبدموع فرحٍ فرّت من مآقٍ، في كلّ مرّة أًعلن قدّيس منهم، كان الحقّ طريقه والعدل مبتغاه.
 
أظهرت ماي بعملها هذا للناظر إلى الّلوحة غابات خضراء، أخفت عن الفاتحين مناسك وأديرة، فنشرت الاخضرار جمالاً مضاعفاً فوق قماش متاهات الوديان.
 
إذا كان اسم مار ميخائيل يعني "من مثل الله؟"، فإنّ هذه الّلوحة تعني من مثل هذا الوادي في القداسة والبهاء؟ فآثار الدخان على سقف المغارة قد دلّ على صفاء روح من استحبس بداخلها.
 
أعادت لنا الفنّانة رهباناً، لا زالوا يبتهلون بتراتيل الغسق والمغيب، وينتشر من مباخرهم شذا بخور لا تستطيع أن تقاومه أرواح شرّيرة؛ وفي نفوسنا منه عطر إيمان. ومهما كان أسفل الوادي منخفضاً، وإن صعبت مسالكه فإنّه لم يبتعد عن سماء ظاهرة من فتحة في أعلى الإطار.
 
ألوان ماي، كشفت مساحات الوعي المخفيّة في دواخلنا. فلا مجال للتأويل أو التفسير، لأنّنا بلا أدنى شكٍّ، ندرك ونعي معنى الصمت وخشوع من التزمه على مشارف هذا الوادي وفي محابسه.
 
ملامح الأمان، في حجارة على طرف فسحة، أمام المحبسة، والّتي تشي بخطر السقوط لولا وجودها، وإن أحاط بها احتمال الانزلاق، فإنّها تعطي للأمان سيماء. لذلك من يقرأ هذه الّلوحة يغوص في عمقٍ متلاشٍ إلى تفاصيل يوميّات الأرواح الطاهرة الّتي وضعت هذه الحجارة.
 
تكمن الرهبة في هذه الّلوحة، بعنصر تكاملي لكلّ روحانية هذا الوادي، من قدّاسة، وصلاة، وبخور، وطبيعة خلّابة. وكلّ هذه العناصر تؤدّي بالمؤمن إلى الحلم بالسماء؛ لفعل الإيمان هذا سعت ماي إلى جعل أعلى الّلوحة نافذة صغيرة إلى العلى، نطلّ منها على السّماء، تيمناً بالآية الّتي تقول: "اُدْخُلُوا مِنَ الْبَاب الضَّيِّقِ، لأَنَّهُ وَاسِعٌ الْبَابُ وَرَحْبٌ الطَّرِيقُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ، وَكَثِيرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ!" (مت 7: 13).
 
لم تتداخل الألوان في الّلوحة، بل إنّ كلّ مزيج منها، أدّى مهمّته على أكمل وجه. فتنوُّع الألوان، لم يخضّ كيان الناظر، بل ارتقت بالنظر إلى حجارة محبسة لا يُفتح بابها، إلّا للقلوب المفتوحة على الإيمان، معلّقة بشير قد استعصى على الطغيان. لكنّها لم تكن حكراً على رهبانٍ استحبسوا في داخلها، وقد آمنوا أنّ أياديهم وأرجلهم تلتصق بالصّخور العاموديّة، كما مشى القدّيس بطرس على المياه.
 
محبسة تصدّرت الّلوحة، وكأنّ أطيافاً ترسل السّلام من داخلها، بلغة راهب حبيس من رهبان القدّيس مارون، وقامت فراشي ماي بترجمته إلى لغة الجمال.
 
هنا مصب العطر، ومنبع القداسة، وملعبٌ لشذا البخور، هنا تضاريس الوادي الرائعة. فإن لم يحالفك الحظ بزيارة هذا المكان، فانظر مليّاً إلى لوحة "محبسة مار ميخائل" لماي خوري.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم