الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

رواية "آخر الدنيا" لشربل حليم شربل اسقاطات الوطن على العائلة

المصدر: "النهار"
يوسف طراد
الغلاف.
الغلاف.
A+ A-

في روايته "آخر الدنيا"، الصادرة ضمن منشورات "المكتبة الأهلية"، عالج شربل شربل موضوعاً بات يشكل، منذ الحرب التي سُميت بـ"الحرب الأهلية"، فسحة كبيرة من حياة اللبنانيين السياسية والاجتماعية.

ثمة أحداث كثيرة وردت ضمن الرواية، وقد دوّنها شربل، من أجل الإضاءة على طريق التخلص من الموبقات التي كانت تحول دون سيطرة الدولة على الدويلات التي كانت قائمة.

قارب شربل شربل موضوع الرواية بمنهجية روائية واضحة المعالم، مستنداً إلى معرفة واسعة بالأحداث التي كانت تجري. غائصاً في مخاتلات التنظيمات المسلحة ومشاكلها. فجاءت أحداث الرواية مشابهة لما كان يحدث في زمن غياب الدولة، كاشفاً بشكل واضح حالة الضياع عند الشباب خلال الربع الأخير من القرن المنصرم.

مضى شربل شربل في عرض مظاهر التردي التي اثقلت المجتمع، فتناول تصرفات عناصر الميليشيات من مصادرة الشقق السكنية، إلى المتاجرة بالأطفال حديثي الولادة وغيرها... بالإضافة إلى كيفية عمل القطاع القضائي وتأثير المال عليه. إلى أن وصل إلى حالة تتّسم بالحسم، فرضتها عاطفة الأمومة، من دون أن تصل الأم بطلة الرواية إلى هدفها الذي تمحور حول استعادة ابنها الذي أُخذ منها طوعاً عند ولادته.

اللافت في هذه الرواية، أن شربل شربل، بموضوعيته وخبرته في مجال الأدب الروائي، عرض  كل مرحلة من مراحل القصة بطريقة سهلة، رغم كثرة عقدها، بحيث يسهل على القارئ تمييز المشاعر المتناقضة عند شخصيات الرواية.

أما فكرة دمج مشاعر الأمومة بواقع الحياة المأسوية التي كانت تخضع مجرياتها لأمزجة المسلحين، فكانت من صلب عقدة الرواية؛ وهنا عرض الراوي بشكل موسّع، سيطرة المال على الأعمال، والباطل على الحق، والفقر على حنان الأمومة.

أكثر من هذا، يمكن القول إن ما كتبه شربل شربل من أحداث على مدى 245 صفحة، جمع بين الرواية الاجتماعية والرواية البوليسية، فشكل الأدب الجنائي أحد أهم مداميكها، إذ عرض الأحداث بطريقة مشوّقة تثير فضول القارئ، وتحبس أنفاسه، وتحثّه على السعي لحل اللغز كما في قوله: "قرر المحقق مداهمة شقة منير، لكنه لم يُسقط من حساباته إمكانية أن يكون الحناوي، أيضاً، على علاقة بسلوى وقد قام بالتخلص منها." (صفحة 200). أما الأدب الاجتماعي فقد كان حاضراً من البداية إلى النهاية. وقد دمجه الراوي مع الأدب الجنائي بطريقة جعلت الرواية قطعة واحدة متماسكة، وهذا كان واضحاً في معظم الفصول. فأضاف الأدب الاجتماعي  على الأحداث، نفحة من الإنسانية: "لا يستطيع الإنسان الهرب من مصيره. أمامك الكثير من المسؤولية. اليتيم يقطع القلب. يجب أن تكوني أماً وأباً في آن معاً." (صفحة 105).

أما مسألة اختلاس الطفل - كي لا نقول سرقته لأن الأم قد قبلت بهذه العملية عند علمها بأن الطفل سيعيش في كنف عائلة غنية -  فلم تكن معقدة من الناحية القانونية، لأن أحد القياديين لدى الميليشيات قد سهّل الأمر بالرشوة وبما لديه من سطوة. وهنا تخطى شربل شربل الأمور المتعلقة بقضية التبني من ناحية عدم الرقابة بعد تبني العائلات للأطفال، وقيام المنظمات الاجتماعية بزيارات ميدانية للتأكد مما إذا كان الطفل بصحة جيدة ويتلقى الرعاية وفقاً للحد الأدنى من شروط الرعاية التربوية النفسية، وغيرها من الأمور...فالأم الأرملة لا تعرف العائلة التي أخذت ابنها بطريقة غامضة. ما زاد الغموض وبالتالي التشويق للقارئ.

روى شربل شربل الحكاية، فارتوينا، رغم ما فيها من أخبار الحرب، والسرقة، ومصادرة الشقق، ورشوة المسؤولين، والاغتصاب، والمتاجرة بالأطفال، والدعارة... التي جعلها شربل جميعها في مرجل واحد وقوده الجشع. لكن، كل هذه الأمور لم تطغَ على حنان الأم وشوقها إلى مولودها الذي وهبته عند الولادة إلى مجهول، قبل وفاة أخوته. فهي تبقى أماً - مهما اختلف الآخرون على تسميتها - ينهش قلبها الخوف على ابنها، والوجع لفراقه، وينتابها التعب خلال سعيها وإصرارها على استرجاع فلذة كبدها ولو ذهب إلى "آخر الدنيا".

 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم