الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

حصاد 2021- 371 قتيلاً في حوادث السير... الانهيار فاقم صناعة طرق الموت في لبنان!

المصدر: "النهار"
ايسامار لطيف
ايسامار لطيف
تعبيرية (تصوير نبيل إسماعيل).
تعبيرية (تصوير نبيل إسماعيل).
A+ A-
لم تمر السنة 2021 على الشعب اللبناني مرور الكرام، وهي التي حفلت بالأزمات الخانقة وتداعيات انفجار مرفأ بيروت، الذي لا يزال عالقاً في الذاكرة، في وقت خسرت 371 عائلة أبناءها في حوادث سير مختلفة، وعاشت 3841 عائلة الألم والعذاب نتيجة إصابة أحد أفرادها بجروح، خلال 2885 حادثاً حتّى تاريخ اليوم، وفق إحصائيّات صادرة عن قوى الأمن الداخلي، حصلت عليها "النهار".

في الآتي، نستذكر حوادث مأسويّة، تركت أثراً لا يُمحى في الذاكرة، وأفرغت مكاناً لا يعوّض على مائدة العيد، بعدما غيّب شبح الموت خيرة شباننا وشاباتنا لأسباب عديدة، بدءاً من ظلمة الطرق، وصولاً إلى الاستهتار بالحياة، والقيادة بسرعة جنونية بلا مسؤوليّة، وما أكثر هذه النماذج بخاصة في الأعياد!
 
رحيل فاطمة وبناتها بلحظة!
بعد سلسلة حوادث وسقوط ضحايا في زحمة التدافع على خراطيم المحطّات، وقعت فاجعة مقتل المواطنة فاطمة قبيسي (38 عاماً) من بلدة الشرقيّة (النبطية)، وبناتها الأربع زهراء (17 عاما) وآية (12 عاماً) والتوأمين تيا وليا (7 أعوام)، بحادث سير مروّع عصر يوم على أوتوستراد الجية - صيدا، وسببه الأوّل البحث عن البنزين. وكان الحادث خسارة للعائلة، وصدمةً للزوج والوالد المغترب حسين حويلي (جويا/صور) إلى ليبيريا قبل 4 أشهر، والذي فاجأته صُوَرُ زوجته وبناتهما الأربع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقد قضين جميعاً. وصَدَف أن المفجوع مُصاب بالملاريا، وكان يتهيّأ للعودة إلى لبنان من أجل تلقي العلاج، فجمع الفجيعة والغربة والمرض.
 
بلدة الشرقية كانت في خضمّ الصّدمة بسبب الفاجعة المدوّية التي هزّت كلّ لبنان، وكانت تأمل في أن تقتصر خسارتها الكبيرة على أفراد عائلة حويلي، متمنّية من الله أن يشفي الشاب حسين، لكنّها أجبرت على تلقّي الخبر الكارثيّ.
 
وبحسب ما قال حسن قبيسي لـ"النهار" فإن "إصابة حسين كانت بالغة في رقبته ورئتيه، وقاوم لساعات، إلا أنه في النهاية استسلم للموت"، مضيفاً: "كان شاباً شهماً، خلوقاً، طموحاً، وعصامياً، لم يتوانَ يوماً عن مساعدة كلّ من قصده. كان طالب كهرباء في المهنيّة، وعمل في عدّة مجالات لتأمين مستقبله، وإذ بالموت يخطف - كما شقيقتي وبناتها - في حادث سير مروّع... لا كلمات يُمكنها التعبير عن حال والد حسن وشقيقيه وشقيقته الذين فجعوا بفلذة كبدهم وهو في عز الشباب".
 
أوتوستراد جبيل يخطف الشاب الذي يحبّه الجميع
"حرقتلنا قلبنا وفلّيت"، بهذه الكلمات المؤثرّة عبّر كلّ من عرف الشاب طانيوس مسعود إسكندر الخوري قبل أن يسرقه الموت من عائلته وأطفاله، وهو في ريعان شبابه، فتحلّ الفاجعة في بيتٍ لطالما عُرف بالمحبّة والعطاء في جبيل.
 
شاء القدر أن يغادرَ طانيوس "هذه الدنيا الفانية" حسبما كان يعتبرها قبل عيد الميلاد بأسابيع قليلة، بعدما تعرّض لحادث مؤسف على أوتوستراد جبيل- عنايا في بلدة حبوب. كُتب على الشاب المندفع والمفعم بالحياة أن يكون الضحيّة الجديدة لشبح الموت على طُرُق لبنان ليرحل تاركاً أطفالاً يتامى وزوجة بدأت رحلة شقائها.
 
رحيل وحيد والديه: غصّة كبيرة ودموع لا تنتهي
تطوّع في الصليب الأحمر اللبناني منذ سنوات، وكرّس حياته لخدمة الناس، ولبّى النداء عند كلّ استغاثة، ولم يكن يعرف أن القدر اختاره هذه المرّة ليكون هو من يحتاج إلى إسعاف، بعد تدهور سيّارته، واصطدامها بالأشجار على جانب الطريق. كُتب على وحيد والديه نقولا رزق أن يكون الضحية الجديدة لشبح الموت على طرق لبنان.
 
وقع الحادث المرير أثناء توجّه نقولا برفقة صديقه من بلدته جب جنين إلى زحلة، حيث شبح الموت لا يكاد يُفارق طريق عمّيق، وحيث دفع عددٌ من الشبّان حياتهم على هذه الطريق التي يصحّ إطلاق تسمية طريق الموت عليها. فمن قبّ إلياس إلى أوّل جزين، لا إضاءة، ولا فواصل إسمنتية، ولا إشارات سير، حتى أنه لا وجود لرادار، مما يُطلق العنان للسرعة، والمسؤولون؟ نيام!
 
هكذا رحل عبد السلام!
يتفنّن الموت على الطرق في خطف الأرواح. هذه المرة، اختار ابن بلدة قطّين الضنّيّة، عبد السلام صافي، أثناء قيادته دراجته النارية. ثاني أيام شهر رمضان حلّت الكارثة على عائلة صافي، بعدما توجّه عبد السلام إلى منزل خالته في بقرصونة لمساعدتها في أرضها؛ وقبل موعد الإفطار، ودّعها ليعود أدراجه إلى بيته، إلا أنّه لم يتمكّن من بلوغه، إذ انزلقت المركبة التي يقودها، وارتطمت بحائطٍ، وأصيب الشاي في رأسه، إذ لم يكن يضع خوذة. سارع جهاز الإغاثة والطوارئ إلى المكان، حيث عمل عناصره على نقل المصاب إلى مستشفى العائلة الطبيّ، ومنه إلى مستشفى الشّفاء، حيث صارع الموت على سرير العناية مدّة 13 يوماً.
 
كان عائداً إلى منزله حين خطفه الموت...
أنهى عمله، قاد سيّارته متوجّهاً إلى منزله، من دون أن يتمكّن من الوصول، بعدما انحرفت سيّارته واصطدمت بعمود كهرباء في حادث أقلّ ما يُقال فيه إنه مرّوع. هو جاك ساسين ابن بلدة كفرصارون - الكورة، الذي كُتب عليه أن يسجّل اسمه بالدّم على لائحة ضحايا حوادث السير في لبنان، فبدلاً من أن يصل ابن السابعة والعشرين ربيعاً إلى منزله، وصل خبر تعرّضه لحادث سير. كان شاباً طموحاً يحبّ الحياة. هوى السهر وإعداد الأغنيات. ضحكته لم تكن تفارق محيّاه، لكن للأسف انتهى كلّ شيء في لحظات كما هو الحال مع أقرانه.
 
عماد ضحية "العتمة" التي تُغرق لبنان
كان يلعب بدرّاجته الهوائيّة، حين هاجمه الموت، إذ صدمته سيّارة فجأة، ليسقط أرضاً ويغرق في دمه؛ وقبل أن يصل إلى المستشفى، أسلَم الروحَ، مُعلناً نهاية رحلته القصيرة على الأرض، وهي التي لم تستمرّ لأكثر من 16 عاماً. إنّه عماد وسيم القادري ابن بلدة قب إلياس، الذي دفع بطريقة غير مباشرة ثمن الأزمات التي يمرّ بها لبنان.
 
كان عماد يلعب مع أبناء جيرانه أمام منزله في بلدة تعنايل حيث يسكن. ووفق ما قال صديق والده لـ"النهار" "الطريق فرعيّة، وكانت مظلمة بسبب انطفاء مصابيح البلدية، وإذ بسيّارة تمرّ من المكان. تفاجأ سائقها بحفرة، فحاول الهروب منها، فاصطدم بعماد"، مضيفاً: "لو كانت الطريق مضاءة، ولو لم يكن هناك حفرة لما وقع الحادث، لكن نحن في البلد لا أحد يهتمّ بحياة المواطن".
 
راشيا تفقد صغيرها غفلةً
ودّعت راشيا صغيرها بحرقة، فهو ذاك الطفل الذي لم يرَ شيئاً بعد من الحياة، ليفقدها وهو في عمر صغير بعدما صدمته سيارة مسرعة، أثناء لهوه على دراجته أمام المبنى الذي يقطنه في بلدة ضهر الأحمر، فسقط أرضاً، فيما أتت الضربة على رأسه، فأنهت حياته على الفور، ولم ينفع نقل إلى المستشفى حيث أعلن الأطباء الخبر الأليم.
 
عن تكرار هذه الحوادث، علّق خبير السلامة المرورية كامل إبراهيم في حديث سابق لـ"النهار" قائلاً: "السلامة المرورية تفرض ألا يكون المكان الذي يلعب فيه الأولاد طريقاً للسيارات المسرعة؛ والسرعة في الأماكن السكنية، وحيث يوجد مشاة وأولاد يجب ألا تتخطّى الثلاثين كلم في السّاعة"، متسائلاً: "هل تتّخذ البلديات إجراءات لتهدئة السّرعة في المناطق التي تشكّل خطراً على المسنّين والأطفال؟ فأيّ حادث بسيط من خلال عمليّة صدم سيؤدي إلى وفاة الطفل أو المسنّ على الفور. وهل تمّ تخصيص ملاعب للأطفال في البلدات لتكون الملاذ الآمن لهم؟".
 
نداء من "اليازا" للسائقين
في السياق، لفت مؤسّس "اليازا" زياد عقل إلى أنه "وفاة نحو 400 ضحية في هذا العام ممّا يُنذر بكارثة حقيقية، إذا لم يتمّ اتخاذ الإجراءات اللازمة".

وأردف: "أسباب الحوادث لا علاقة لها فقط بالسرعة أو باستخدام الخليوي، إنّما تراجع صيانة المركبات أدّى دوراً بارزاً في هذا الإطار، إذ يتمّ تسعير قطع السيارات بالدولار الفريش، إضافة إلى تراجع جودة ونوعيّة المركبات".

بالموازاة، أوضح عقل أن "عدم صيانة الطرق وغياب الإنارة أدّى في كثير من الأوقات إلى وقوع سلسلة حوادث، بخاصة في فصل الشتاء، أيّ في الأشهر الأخيرة من السنة".

إلى ذلك، وجّه عقل نداءً عبر "النهار" حثّ من خلاله "السّائقين على التقيّد بالسلامة العامة وبصيانة مركباتهم حفاظاً على حياتهم وحياة الآخرين".
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم