الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

مؤتمر جدّة للسلام في أوكرانيا وأجراس هيروشيما

المصدر: "النهار"
د. خالد محمد باطرفي
مؤتمر جدّة للسلام.
مؤتمر جدّة للسلام.
A+ A-
 
متى تنتهي حرب روسيا * أوكرانيا؟ سؤال يواجه المحلل السياسي كل يوم. وردّي عليه أنّ أيّ صراع ينتهي إمّا بضربة قاضية تؤدّي الى استسلام وتسليم، أو بانهيار إرادة الطرفين على الاستمرار، نتيجة لنفاذ الطاقة والأمل.
 
غزوات الكرملين
 
عندما قررت موسكو غزو اوكرانيا، كانت اهدافها مماثلة لكلّ غزو سابق. إسقاط نظام حكم معادٍ، إقامة نظام حكم موالٍ، العودة بغنائم حرب. وفي العقدين الماضيين استطاعت إدارة الرئيس فلاديمير بوتين تحقيق هذه الأهداف في الشيشان وجورجيا وسوريا، واوكرانيا نفسها بضمّ شبه جزيرة القرم.
 
وفي كلّ مرة، كان الغرب يوقع عقوبات اقتصادية ودبلوماسية لا ترقى الى العزل التام، ولا تمنع من تحقيق المكاسب. وفي الحسبة النهائية، فإنّ ما عادت به تلك الغزوات على سيّد الكرملين من غنائم وانتصارات يفوق بمراحل ما ترتّب عليها من خسائر.
 
شراك أوكرانيا
 
هذه المرة، اختلفت النتائج تماماً. فلا الجيش الروسي تمكّن من تحقيق النصر الحاسم على الدولة الأضعف، ولا العقوبات توقفت عند الحدود السابقة. وزاد المعسكر الغربي فدعم المعتدى عليه بكم غير مسبوق من السلاح المتقدّم، والتمويل اللامحدود، والدعم السياسي الهائل.
 
وبعد عام ونصف من اختراق أول دبابة للحدود الاوكرانية، تقود كييف اليوم هجوماً مضاداً كاسحاً، وإن لم يكن حاسماً. وقد وصل الى عمق الأراضي الروسية، بقصف الموانئ العسكرية والتجارية، والبنية التحتية، والمجمعات الصناعية، وحتى قلب موسكو. وبدلاً من أن يتمّ استبدال الحكومة الاوكرانية، تمّ تثبيتها ودعمها وبدا أن رئيسها يستطيع التجوّل حول العالم طلباً للدعم، فيما لا يستطيع الرئيس الروسي ذلك خوفاً من الاعتقال بأمر المحكمة الجنائية الدولية.
 
الخسارة الجماعيّة
 
وفي المقابل، لا زال اقتصاد روسيا صامداً، ولا زال جيشها مسيطراً على المناطق التي احتلّها في شرق اوكرانيا، والممرات المائية في البحر الأسود، بالإضافة الى شبه جزيرة القرم. ويواصل قصفه للمناطق العسكرية والتجارية والمدنية، بما في ذلك الموانئ، ومحطات الطاقة، ومخازن الذخيرة والوقود والحبوب. وفيما تتعطّل صادرات اوكرانيا، تستمرّ روسيا في تصدير منتجاتها من النفط والغاز والقمح والأرز الى الدول الصديقة، وإن بأسعار أقلّ وخصومات أعلى.
 
وهكذا تتهيّأ الأرضية المناسبة للبحث في مسار السلام. فكلا الطرفين عجز عن تحقيق أهدافه، بالانتصار والمكاسب، وأنهكته حرب الاستنزاف الطويلة. ومن ورائهما، فشل الحلفاء ذات الفشل، وانهكتهم الحرب بنفس القدر. ويتشارك في الخسارة العالم كلّه، بتأثّر امدادات الطاقة والمنتجات الغذائية واضطراب الأسواق والعلاقات الدولية.
 
سقوط المبادرات
 
طرحت مبادرات سلام، لم يتحقّق لها النجاح، من تركيا وفرنسا والصين والاتحاد الأفريقي وحتى إسرائيل. كما فشلت اجتماعات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وقمّة السبع، وقمّة العشرين في تحقيق أيّ اختراق. فالمسافة شاسعة بين المواقف. كييف تصرّ على حقوقها السيادية و الانسحاب الروسي الكامل، حتى من جزيرة القرم. وموسكو تصرّ على ما تسمّيه الحقائق الجغرافية الجديدة على الأرض. وضمان حياد اوكرانيا والتزامها بعدم طلب الانضمام الى حلف الناتو.
 
آخر المحاولات، قبل شهر ونصف، في كوبنهاجن، سقطت أمام سيل الهجوم الروسي عليها واتّهامها بأنّها مؤامرة غربية لدعم الموقف الأوكراني. خاصّة أنّ الدولة المستضيفة، الدانمرك، عضو في الناتو، والاتحاد الاوروبي، والمعسكر الغربي المناوئ. وربما لهذا السبب تخلّفت الصين عن المشاركة، وهي الحليف الأقرب الى روسيا.
 
طوق السلام السعوديّ
 
مؤتمر جدّة للسلام يختلف في توقيته وحضوره ومستضيفه. ففي الوقت الذي بدا أنّ الحرب أوصلت الأطراف والعالم الى نفق مظلم ومسدود، أشعلت السعودية شمعة. ولأنّ الرياض وقفت موقف الحياد الإيجابيّ من الصراع، ومن الأقطاب المشاركة، ورفضت بحزم تأييد العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية على موسكو، وأصرّت على مواصلة التعاون معها لضبط بوصلة أسواق الطاقة العالمية، والمشاركة في قيادة أوبك بلص، فقد تقبل الكرملين بأريحيّة استضافتها للنسخة الثانية لمؤتمر كوبنهاجن.
 
ولأنّ السعودية حافظت في نفس الوقت على علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وأوروبا بقدر حرصها على شراكتها الاستراتيجية مع دول بريكس، روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا، فقد شارك الجميع في مؤتمر جدّة واسهموا في إثراء المشاورات المكثفة التي عقدت بين مستشاري الأمن والخارجية في 42 دولة من كافة قارات العالم.
 
التحضير سرّ النجاح
 
التحضير الممنهج والمكثّف للمؤتمر، وهي سمة مميزة للدبلوماسية السعودية، حقّقت نجاحاً غير مسبوق. فعلى مدى سبع ساعات، في اليوم الأول، السبت، وعلى طاولة مستديرة، نوقشت جميع مبادرات السلام السابقة، والمستجدّة. وأبدى المشاركون ملاحظاتهم وتحفظاتهم على كلّ الرؤى المطروحة، وصولاً الى صيغ محدّدة وجامعة لكلّ المشتركات والمبادئ الأساسية.
 
غادر رؤساء الوفود مساء السبت، وبقيت اللجان الفنية للعمل على التفاصيل، والإعداد لمؤتمر قادم تتمّ فيه متابعة ما توصّل اليه المؤتمرون، وصياغة مبادرة متكاملة للحلّ تطرح على قمّة دولية على مستوى الزعماء وتجمع أطراف النزاع على طاولة السلام. وهي، وإن لم تقد الى حسم الخلاف، فقد تقود الى تأجيله، ونقله من ساحات الحرب الى منصّات التفاوض وطاولات الحوار.
 
التذكير النوويّ
 
وافق يوم انعقاد المؤتمر في السادس من أب ذكرى دخول العالم، في نهاية الحرب العظمى الثانية، عام 1945، الى العصر النوويّ بتفجير قنبلة هيروشيما. ولعلّ هذه المصادفة تذكّرنا مرّة أخرى بما تؤدّي اليه الحسابات غير المدروسة، والمواجهات غير المحسوبة. وأنّ أيّ حرب، مهما بدت صغيرة، ومحدودة، كالغزو النازي لبولندا، قد تشعل فتيل صراع يشعل الكون كله.
 
طبول المواجهة النووية التي قرعت مبكراً، وإن غلبت عليها الحرب النفسية، إلّا أنّها تبقى مؤشّراً على خطورة المسار الذي نمضي عليه، وأهمية المسار الذي يعمل مؤتمر جدّة على رسم خرائطه.
 
آن للعالم أن يقلق وأن يتّفق، وآن لقافلة السلام أن تشقّ طريقها وتجدّ المسير عليه.
 
@KBATARFI
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم