الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

هل تبرّع بوتين بإعادة بناء الكنائس الأرثوذكسيّة في سوريا؟ FactCheck#

هالة حمصي
هالة حمصي
هل تبرّع بوتين بإعادة بناء الكنائس الأرثوذكسيّة في سوريا؟ FactCheck#
هل تبرّع بوتين بإعادة بناء الكنائس الأرثوذكسيّة في سوريا؟ FactCheck#
A+ A-

"أمرٌ" من بوتين؟ الزعم يتعلق مباشرة بالرئيس الروسي #فلاديمير_بوتين. بوست يتناقله لبنانيون بواسطة تطبيق #الواتساب، ويعلمهم بأن "الرئيس بوتين أعطى امرا بتقديم التبرعات والاشغال مجاناً لاعادة بناء الكنائس الارثوذكسية في سوريا". وقد حصل ذلك، وفقا للزعم، "بعدما زاره بطريرك الروم الارثوذكس في #روسيا، وأبلغه عن حال #الكنائس في #سوريا". زعم حقيقي ام كاذب؟ وماذا قال بوتين عن موضوع اعادة بناء الكنائس المدمرة في سوريا؟

النتيجة: ما ينسبه البوست الى الرئيس بوتين مجرد مزاعم خاطئة، إلى جانب تضمّنه اخطاء فاضحة في المضمون والمعلومات. ما يمكن تأكيده في هذا الشأن هو ان بوتين أكّد (امام وفد من رؤساء الكنائس الارثوذكسية، كانون الاول 2017)، استعداد روسيا "للمساعدة في إعادة بناء الكنائس المسيحية في سوريا، وضمان السلام في المناطق المسيحية التقليدية في هذا البلد الذي مزّقته الحرب". اما بالنسبة الى "التفاصيل الواردة في البوست عن كيفية القيام بذلك من الناحية العملية، فإنها من نسج خيال المؤلف"، على ما قالت السفارة الروسية في بيروت لـ"النهار".

"النهار" دقّقت وسألت من أجلكم

الوقائع: بوست على الواتساب عبارة عن صورة مقتطعة لنص بالعربية، وقد أُرفق بصور للرئيس بوتين ولكنائس ارثوذكسية روسية. وجاء في النص:

Vlad Putin Rocks, from here to the highest heavens"

الرئيس بوتين يتبرع بإعادة بناء الكنائس الارثودكسية في سوريا

اعطى امراً الرئيس بوتين الى وزير المال ووزير الاشغال ووزير الاوقاف الدينية في روسيا بتقديم كل التبرعات والاشغال مجاناً من اجل اعادة بناء الكنائس الارثوذكسية في سوريا. وقد تمّ هدم اكثر من 180 كنيسة ارثوذكسية في سوريا. وسيطلب الرئيس بوتين من المخابرات الروسية الكشف عن سارقي الايقونات في الكنائس لجلبها واعادة وضعها في الكنائس السورية. وقد قال بوتين هذا الكلام بعدما زاره بطريرك الروم الارثوذكس في روسيا، وابلغه عن حال الكنائس في سوريا. وعلى هذا الاساس اتخذ بوتين قراره".

التدقيق:

-بحثاً عن الخبر، يبيّن التدقيق الأوّلي انه يعود الى آب 2015، بحيث نشرته صحيفة لبنانية، وتناقلته عنها بكثافة مواقع اخبارية عربية وصفحات وحسابات، خصوصا سورية، عامي 2015 و2016. ولم تذكر الصحيفة المصدر الذي استندت اليه في الخبر، علما انها ليست المرة الاولى التي تنشر اخبارا يتبين، بعد التدقيق فيها، انها ملفقة. ولا يزال الخبر قيد التداول حتى اليوم، لا سيما على تطبيق الواتساب.   

-ملاحظة اولى في المضمون: لا يوجد في الحكومة الروسية منصب "وزير الاوقاف الدينية"، والذي يزعمه الخبر المتناقل. خطأ أوّل. الحكومة الروسية التي يترأسها حاليا ديميتري ميدفيديف، تضم عشرة نواب لرئيس الحكومة- بينهم نائب أوّل يتولى وزارة المال- اضافة الى 21 وزيرا اتحاديا، وفقا لموقع الحكومة الروسية. لكن لا يرد بينهم اي ذكر لـ"وزير الاوقاف الدينية".

-مزيد من البحث... ونعود الى عام 2015، نظرا الى ان نشر الخبر حصل في آب 2015. ووفقا للزعم، "قال بوتين هذا الكلام بعدما زاره بطريرك روم الارثوذكس في روسيا، وابلغه عن حال الكنائس في سوريا". ولم يذكر كاتب الخبر اسم البطريرك المزعوم!

بموجب التدقيق، يتبيّن ان بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الارثوذكس يوحنا العاشر زار روسيا في شباط 2015، بدعوة من الكنيسة الروسية، وتسلّم جائزة "وحدة الشعوب الارثوذكسية" (19 شباط 2015). يومذاك، كان له لقاء مع بطريرك موسكو وكل روسيا كيريل، في المقر البطريركي في موسكو. لكنه لم يلتقِ الرئيس بوتين.

ماذا عن لقاء بين بوتين والبطريرك كيريل؟ نعم، حصلت ثلاثة لقاءات بينهما في ذلك العام، وفقا للموقع الرسمي للكرملين: في 1 شباط 2015، وكانت المناسبة معايدة بوتين كيريل بذكرى تنصيبه على رأس الكنيسة الارثوذكسية (1 شباط 2009). في 24 ايار 2015، وكانت المناسبة معايدة بوتين للبطريرك في عيد "شفيعه" و"يوم الكتابة والثقافة السلافية". وفي 21 تشرين الاول 2015، وكانت المناسبة معايدة بوتين كيريل بميلاه.

ولا ذكر في الاخبار الثلاثة عن الكنائس في سوريا أو عن امر من بوتين... كما يزعم البوست.

-ما الكلام الرسمي الروسي بشأن إعادة بناء الكنائس المدمرة في سوريا؟

-ردا على سؤال "النهار"، قالت السفارة الروسية في بيروت الآتي: "نعلمكم أنه في كانون الاول 2017، صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال اجتماعه بممثلي الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في موسكو، أن "روسيا ستساعد في إعادة بناء الكنائس المسيحية في سوريا وضمان السلام في المناطق المسيحية التقليدية في هذا البلد الذي مزّقته الحرب". كذلك، صرّح رئيس دائرة العلاقات الكنسيّة الخارجيّة لبطريركيّة موسكو المتروبوليت هيلاريون فولوكولامسك، في بيان في كانون الاول 2017، مشيرًا إلى أنه تمّ، بالتعاون مع المنظمة الكاثوليكية Aid to Church in need، اعداد قائمة بالكنائس المسيحية المدمرة في سوريا (العدد الإجمالي 120).

كذلك، روسيا على استعداد لتقديم المساعدة لإعادة بناء الصروح الخاصة بالاديان الأخرى. نعتبر ان هذا العمل جزء من هدف ضخم يتمثل في إعادة السلام والاستقرار إلى سوريا ذات السيادة الإقليمية الكاملة.

بالنسبة الى البوست (اعلاه)، فإن التفاصيل الواردة فيه عن كيفية القيام بذلك من الناحية العملية، هي "من نسج خيال المؤلف".

-إلى موسكو. في 4 كانون الاول 2017، استقبل الرئيس بوتين، في مقر إقامته في نوفو- أوغاريوفو، بطريرك موسكو وسائر روسيا كيريل ووفدا من رؤساء كنائس أرثوذكسية جاؤوا إلى موسكو للمشاركة في الاحتفالات بالذكرى المئوية لاعادة منصب البطريرك الى الكنيسة الروسية"، على ما اورد الموقع الرسمي للكرملين في خبر (4 ك1 2017)، ارفقه بصور.

ومما نقله عن بوتين في ذلك اللقاء: "وضع سوريا يتطلب بالتأكيد أكبر قدر من الاهتمام. ندرك ذلك. و(الامر) صعب جدا. خلال سنوات الحرب، قتل الإرهابيون أو هجّروا عشرات الآلاف من منازلهم. وقد تم نهب العديد من الكنائس والأديرة المسيحية وتدميرها. ومع ذلك، فإن الوضع يتغير تدريجيا. فقد حررت القوات المسلحة السورية، بدعم من الجيش الروسي، البلاد بأكملها تقريبًا من الإرهابيين، بما في ذلك الأماكن التي سكنها المسيحيون عبر التاريخ.

منذ سنوات، تقدم الحكومة الروسية والكنيسة الأرثوذكسية الروسية، فضلاً عن منظمات دينية أخرى، مساعدات إنسانية إلى الضحايا في سوريا. ومن الضروري إقامة حياة سلمية هناك في أقرب وقت ممكن، كي يتمكن الناس من العودة إلى منازلهم، والبدء بإعادة بناء كنائسهم. أعتقد أن فريقًا عاملاً أنشأته الكنيسة الأرثوذكسية الروسية والكنيسة الكاثوليكية الرومانية يمكنه أن يؤدي دورًا مهمًا في عودة السكان المسيحيين في سوريا. وأحد مهماته وضع قائمة بالكنائس السورية المدمرة لترميمها لاحقًا.

كذلك، سنساعد أيضًا ممثلي الديانات الأخرى، بما في ذلك الإسلام، الذين عانوا، كما نعلم، على أيدي المتشددين والإرهابيين والمتطرفين. وسنساعد اليهود أيضًا. لقد طلبت منا بالفعل بعض المنظمات اليهودية المساعدة في ترميم المعابد اليهودية. ونحن على اتصال بممثلي الجالية اليهودية في سوريا، وبالتحديد بعض منظماتهم اليهودية، وفي الولايات المتحدة، بما في ذلك تلك الموجودة في نيويورك. وسنعمل معًا على (ايجاد حل لـ) هذه المشكلة".

-كلام بوتين هذا نشرته ايضا مواقع اخبارية عالمية يومذاك. كذلك، نشر الموقع الرسمي للكنيسة الارثوذكسية الروسية (4 ك1 2017) خبرا عن اللقاء ذاته. ونقل عن بوتين قوله: "أود بادئ ذي بدء أن أحييكم جميعًا بحرارة، وأن أشكركم على احتفالكم معا بالذكرى المئوية لاعادة منصب البطريرك، وهو حدث في غاية الأهمية لبلدنا وللكنيسة الأرثوذكسية الروسية. وهذا يؤكد وحدة العالم الأرثوذكسي. وهو أمر مهم بذاته، ونظرا إلى أنكم تمثلون جميعًا الكنائس التي تلعب دورًا مهمًا في حياة بلدانكم، في حياة المجتمع. أنتم تنادون بالرحمة. وتعملون في مجال التعليم، وهو أمر مهم للغاية".

ووفقا للموقع، تكلم البطريرك كيريل باسم الوفد، لافتا الرئيس بوتين إلى "قلقنا العميق إزاء الوضع في الشرق الأوسط... تهجير المسيحيين، وتدمير الأماكن المقدسة يتسببان بألم خاص لكنائس الشرق الأوسط الممثلة هنا، ولنا جميعًا ايضا".

في اليوم ذاته ايضا (4 كانون الاول 2017)، التقى الرئيس بوتين بطريرك انطاكية وسائر المشرق يوحنا العاشر، بعد اجتماعه بوفد رؤساء الكنائس الارثوذكسية. وقال بوتين للبطريرك: "أود أن أغتنم هذه الفرصة لمناقشة وضع المسيحيين الأرثوذكس في سوريا"، وفقا لما اورد موقع الكرملين، من دون ان يذكر مزيدا مما قاله بوتين في ذلك اللقاء الخاص.

وفي الخبر كما اوردته مواقع اخبارية وكنسية لبنانية يومذاك، لا ذكر اطلاقا لـ"أمر" من بوتين، او اي شيء آخر مما يزعمه البوست.

-ولكلام الرئيس بوتين على اعادة بناء الكنائس المدمرة في سوريا... تتمة. في 12 شباط 2018، "عقد في فيينا مؤتمر لتقديم الجزء الأول من كتالوغ أماكن العبادة المسيحية التي دمرت خلال الحرب في سوريا"، على ما اوردت وكالة "نوفوستي" الروسية (13 شباط 2018). واشارت الى ان بين المشاركين، ممثلين للكنيسة الأرثوذكسية الروسية والفاتيكان وكنائس الشرق الأوسط، لمناقشة مسألة مساعدة السكان المسيحيين في سوريا".

وذكرت ان "الكتالوغ يحتوي على معلومات عن 31 منشأة، كرست لكل منها مقالة مع صور عن دور العبادة المدمرة. وفي العديد من الحالات، عرض الكاتالوغ صورا عن الكنائس والأديرة والأضرحة المسيحية في حالتها الأصلية قبل تدميرها والتخريب الذي عانته".

ونقلت عن رئيس قسم العلاقات الخارجية في الكنسية الروسية المتروبوليت هيلاريون، قوله في المؤتمر: "تم درس الوضع المرتبط بتدمير الأضرحة والكنائس المسيحية في سوريا، في إطار تنفيذ الخطط التي تم التوافق عليها في (لقاء) هافانا (بين البابا فرنسيس والبطريرك كيريل، 12 شباط 2016). وكانت نتيجة هذا العمل كتالوغ مصورا، وقد نشر الجزء الأول منه للتو. ويتضمن معلومات عن 30 كنيسة وديرا ومقبرة مسيحية تحتاج إلى إعادة بناء وترميم كبير في المستقبل القريب".

-وفقا لموقع "منظمة عون الكنائس المحتاجة" Aid to Church in need، فإن "أكثر من 200 كنيسة ومبنى للرعايا تضررت أو دُمِّرت في سوريا"، اضافة الى تدمير أكثر من 6 آلاف منزل لعائلات مسيحية". 

وفي ارقام المنظمة ايضا، "اكثر من 3 آلاف مدرسة تضررت، في وقت يحتاج 13,1 مليون شخص الى المساعدات الانسانية". "5,5 ملايين شخص فروا من سوريا (أكثر من 50% منهم مسيحيون سوريون)، اضافة الى 6,3 ملايين نازح سوري من جراء العنف".      

ويقول الأب أندريه هاليمبا، رئيس قسم الشرق الأوسط في المنظمة، إن إحياء حياة الكنيسة هو إحدى وسائل طمأنة المؤمنين وتشجيعهم على إعادة بناء حياتهم. "يحتاج مسيحيو سوريا إلى الكنائس وقاعات الرعية والمراكز، لأنها مهمة بالنسبة إلى اقامة الجنازات وحفلات الزفاف وجميع الأنشطة المجتمعية. من خلال المساعدة في إنشاء الكنائس وإعادة بنائها، لا نجدد المباني فحسب، انما أيضًا المجتمعات ذاتها. من المهم أن نعطي مجددا المسيحيين ما كان في قلب المجتمع، وهو ملك للكنيسة".  

النتيجة: البوست المتناقل يدخل ضمن الاخبار الملفقة. الى جانب تضمنه اخطاء في المضمون والمعلومات، فقد نسب الى الرئيس بوتين اقوالا لم يقلها وتدابير لم يتخذها في الشكل الذي زعمه البوست.

في الموقف الرسمي الروسي، تأكيد لاستعداد روسيا "للمساعدة في إعادة بناء الكنائس المسيحية في سوريا". و"التفاصيل الواردة في البوست عن كيفية القيام بذلك من الناحية العملية، فإنها من نسج خيال المؤلف"، بتأكيد من السفارة الروسية في بيروت.   

[email protected]




الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم