الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

"دار 2019" لتطوير قطاع المفروشات طرابلسيّاً: تصاميم متلائمة مع طلب السوق

المصدر: طرابلس- "النهار"
رولا حميد
A+ A-

يحاول مهرة الحرفيين الطرابلسيين في قطاع المفروشات والنجارة التقاط أنفاسهم بعد التراجع الكبير الذي لحق بأعمالهم بسبب التطورات الأمنية المحلية الطرابلسية، والأحداث الإقليمية، على غرار ما كان يحدث معهم في مراحل وحقبات مختلفة، حيث كانوا ينهضون بعد كل أزمة، وينتصرون على مصاعبهم بعد كل ضيق، خصوصاً أنهم اشتهروا بتراث عريق في فنون النجارة، وصناعة المفروشات، وكل ما يمتّ لها بصلة من حِرف أخرى.

واليوم، يحاول قطاع المفروشات استعادة انتعاشه، ليحافظ على أحد ألقاب المدينة "مدينة المفروشات"، عبر افتتاح معرضه في معرض رشيد كرامي الدولي تحت عنوان معرض "دار 2019" لحرفيّي الأثاث في طرابلس، وهو النسخة الثانية من معرض مركز "منجرة"، ومن ضمن برنامج تطوير القطاع الخاص الممول من الاتحاد الأوروبي، وبالتعاون مع "جمعية الصناعيين في لبنان"، و"جمعية تطوير الأعمال في طرابلس"، ومن تنظيم "expertise France".

يشارك في "دار 2019" ثلاث وعشرون مؤسسة نجارة، ونجارون، ودار مفروشات، إضافة إلى سبعة وعشرين حرفيّاً فنيّاً على صلة بصناعة المفروشات بطريقة من الطرق، ومنها خراطة الخشب، والخيزران، والحفر، والتنجيد، والتطعيج، والتلبيس بالقشرة، إلى النحت، والنحاس، والحديد، والستينلس، والبلاكسي، والتدوير، وصب المعادن، وهي حرف وتقنيات يشتهر بها المعلمون الطرابلسيون في العديد من المؤسسات.

يبلغ عدد النجارين أصحاب المؤسسات (مناشر) الـ1200 منشرة في طرابلس وفق إحصاءات سابقة، وتنتشر صناعة المفروشات في أحياء ومناطق عديدة من المدينة، من الأسواق الداخلية القديمة إلى الزاهرية الحديثة، وباب التبانة، والميناء، وربما لم يخلُ حيّ في المدينة من مركز لصناعة المفروشات، أو حرفة ترتبط بها، وقد استقدم صنّاعها الآلات الحديثة التي ساهمت في نهوض القطاع وتطور الصناعة نوعاً وجمالاً، ولم تتجمع في منطقة واحدة كالحرف القديمة -النحاس والحديد والكندرة. إلا أن تجمعاً هو الأكبر في المدينة لهذه الصناعة تشكّل في محلة التربيعة - أحد الأحياء القديمة للمدينة، فاعتُبرت التربيعة سوق المفروشات بين الأبنية الأثرية والغنية بأسواقها القديمة ومواقعها التراثية.

بلغت صناعة المفروشات ذروتها في طرابلس في النصف الثاني من القرن الماضي، حتى اكتسبت المدينة لقباً جديداً لها فعرفت بـ"مدينة المفروشات" بعد ألقاب أخرى مثل "طرابلس الفيحاء" و"أم الفقير". وازدهار القطاع كان بسبب نشوء الأحياء الحديثة، والأبنية الجديدة المكونة من طبقات عدة، من جهة، ووفود سكان الجوار إن للسكن فيها أو التبضع منها، من جهة ثانية، ووجود مرفأ يتيح تصدير البضاعة، واستيراد المواد الخام اللازمة لأي صناعة، من جهة ثالثة.

ولئن كانت حرفة النجارة إحدى الحرف الطرابلسية العريقة، إلا أنها لم تتطور إلا بعد دخول طرابلس مرحلة الحداثة ابتداء من مطلع القرن العشرين، وتأسسها خارج النطاق القديم المملوكي، بطراز حديث، أوروبي الطابع، فنشأت الأبنية ذات الطبقات العديدة، وقسمت المنازل إلى صالونات، وغرف نوم، وغرف طاولة استدعت نوعاً جديداً من صناعة الخشب، فكانت "الكانوبيات" المحفورة، وكراسي "لويس الخامس"، والأسرّة العريضة، وطاولات الطعام التي لم تكن تحتاجها البيوت التقليدية الصغيرة المساحة في المدينة القديمة.

وتطورت صناعة المفروشات -الابن الشرعي للنجارة التقليدية- وازدهرت بالترافق مع الازدهار العام الذي عاشته طرابلس قبل اندلاع الأحداث، وجمعت الصناعة مهارة النجارين الطرابلسيين، ومنهم شيوخ النجارين، ووفرة اليد العاملة، فأصبحت صناعة المفروشات متقنة، راقية، مطبوعة بالطابع الفني، لكن بأسعار أقل بكثير من أسعار المفروشات المستوردة من الخارج لتأثيث قصور وفيلات الطبقات الوثيرة من المجتمع اللبناني.

أما السبب في رخص أثمان المفروشات فكان توافر اليد العاملة الفنية، ورخص الحياة العامة في المدينة، ما جعل الصناعة الطرابلسية منافِسة لبقية صناعة المفروشات حتى الأوروبي منها. وأكثر من ذلك، فقد غزت مفروشات المدينة ما قبل السبعينيات الأسواق الأوروبية، فكانت تصدّر البضاعة المصنوعة في طرابلس عبر مرفأها، إلى دول أوروبا المعروفة بمفروشاتها كإيطاليا خاصة.

شهد قطاع المفروشات، وبالتالي صناعة النجارة، تراجعاً بديهياً لعدة أسباب، أبرزها التطورات الأمنية، وعناصر أخرى مثل "الأحداث السورية، وإقفال السوق السورية على قطاع المفروشات، وضيق مجالات تسويقها، وتراجع ارتياد الزبائن الطرابلسيين للسوق الطرابلسية بسبب الأحداث، ومع تزايد المستوردات من مصر والصين وتركيا، بضاعة باتت تنافس كثيراً على منتجاتهم، بذلك أضاعوا سوقهم، ووقع خلل في أعمالهم من هذه الناحية"، بحسب جوال فرح، مستشارة تسويق لدى الجهة المنظمة للمعرض. وقد أدت التطورات إلى توقف تطوير حرفة النجارة، وبقيت متراوحة في المتوارث من المهارات السابقة، ومن هنا يأتي دور "منجرة" لتطوير القطاع.


فرح أفادت "النهار" أن "منجرة" هي تجمّع لحرفيي الخشب والنجارة في طرابلس، وتساعدهم على تكوين أنفسهم، وتسويق منتجاتهم بعدة طرق؛ ومن الخطوات تأمين المنصة التي تقدمها "منجرة" في معرض رشيد كرامي الدولي حيث تتيح للمهني الدخول، والتعرف على كافة المواد اللازمة له في السوق".

تؤمّن "منجرة" أيضاً تلاقي المصممين الذين يقدّمون التصاميم المتلائمة مع طلب السوق، وفق فرح التي أوضحت أن "هناك ٢٥ آلة حديثة تمكّن النجّارين من تطوير أعمالهم بطرق حديثة، وهناك غرفة الإنهاء التي بها يمكنهم وضع اللمسات الأخيرة على منتجاتهم وإبداعاتهم".

وتقدّم "منجرة" صالة العرض مجاناً للمهنيين والحرفيين. وتفيد فرح أن "المشاركين يستعملونها من دون مقابل، ويتفاعلون فيها مع المصممين والمهندسين، ويخضعون للتدريب على أيدي مهندسن متخصصين مهرة".

وذكرت فرح أنه "أجرينا مسحاً لأوضاع النجارين وأصحاب المناشر، ووضعنا مسوحات شخصية لـ700 مهني منهم في مختلف أحياء طرابلس، ووضعنا ما يشبه التقييم لكل منهم، وقسّمناهم وفق المعطيات التي توافرت عن كل منهم"، لاحِظة أن "غالبية النجارين معتادون على نمط عمل معين، ونحن نقدّم الحديث من التقنيات والمهارات لهم، ومنها التدريب على معدات جديدة لم يسبق لهم أن عملوا عليها، كما نعطيهم تدريبات على سبل تسويق أنفسهم وأعمالهم، وكيف يجدون الأسواق لبيع منتجاتهم، وتدريبات تبقيهم متناغمين مع تطورات العصر التقنية".

فرح أفادت أيضاً أن "المشروع بدأ منذ ثلاث سنوات، والمعرض هو لعرض ما أنتجه النجارون والحرفيون وفق الأعمال التي قاموا بها في ضوء ما تدربوا عليه، والتدريبات مفتوحة لمن يرغب، كما نساعدهم أيضاً على ترويج أنفسهم في وسائل التواصل الاجتماعي".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم