الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

الدار البيضاء تجربةٌ مدينيةٌ بين أصالةٍ وسحرٍ وحداثة معمار

المصدر: "النهار"
باريس- أوراس زيباوي
الدار البيضاء تجربةٌ مدينيةٌ بين أصالةٍ وسحرٍ وحداثة معمار
الدار البيضاء تجربةٌ مدينيةٌ بين أصالةٍ وسحرٍ وحداثة معمار
A+ A-

صدرت عن دار Hazan الباريسية العريقة طبعة جديدة منقحة من كتاب فخم وجميل بعنوان "الدار البيضاء، أساطير وصور من تجربة مدينية" من توقيع الباحثَين الفرنسيين المتخصصين في العمارة الحديثة، مونيك إيليب وجان لويس كوهين، وهذا الأخير أستاذ في الكوليج دو فرانس، وهو كان من المساهمين في المعرض الكبير الذي نظم عن المعماري السويسري العالمي لوكوربوزييه في مركز بومبيدو الثقافي وله مؤلفات عديدة عنه.

يتألّف الكتاب من نحو خمسمئة صفحة تشكّل وثيقة نادرة عن التطوّر العمراني في مدينة الدار البيضاء خلال مرحلة جاوزت النصف القرن: منذ مطلع القرن العشرين حتى نيل المغرب استقلاله نهاية الخمسينات من القرن الماضي. استغرق إعداد الكتاب عشر سنين وقد اعتمد فيه على التحقيقات الميدانية وعلى عدد كبير من الوثائق النادرة والصور والخرائط والرسوم التخطيطية من المحفوظات المغربية والفرنسية والأميركية التي تختصر كيف شكلت الدار البيضاء مختبراً للعمارة الحديثة العالمية خلال خضوع المغرب للنفوذ الفرنسي في مرحلة الانتداب. من المعروف أنّ المدينة تحوّلت في الأزمنة الحديثة من ميناء صغير مطل على الأطلسي إلى عاصمة المغرب التجارية والاقتصادية فأصبحت أكبر ميناء في البلاد ونافست القاهرة والاسكندرية.

منذ بداية النفوذ الفرنسي، استقطبت المدينة عشرات المهندسين المعماريين الأوروبيين من فرنسيين وغير فرنسيين وجدوا فيها المكان الذي يتيح لهم العمل بحرية كبيرة بعيداً من القيود التي كانت مفروضة عليهم في أوطانهم الأصلية، فعملوا على تنفيذ مشاريع عمرانية رائدة تُدرس اليوم في الجامعات ومعاهد الهندسة المعمارية. فالدار البيضاء سمحت لهم بتطبيق العديد من النظريات الجديدة التي كانوا قد تعلّموها في المعاهد الفنية والجامعات، منها "معهد الفنون الجميلة" في باريس. من هذه التجارب الرائدة ولدت مدينة حديثة تلاقت فيها الثقافات، فعرفت كيف تمزج بين المؤثرات الشرقية والغربية والإفريقية في بوتقة واحدة، وشكّلت نسيجاً معماريّاً مميّزاً منحها طابعها الخاص إلى اليوم، على الرغم من الهدم الذي تعرضت له الكثير من الصروح والأبنية المهمّة بسبب الإهمال وانعدام الصيانة.

باختصار، يبيّن الكتّاب أنّ الدار البيضاء تضم اليوم تراثاً معماريّاً حديثاً نادراً يشتمل على أبنية متنوعة. فهناك الأبنية الحديثة التي اعتمدت على الزخرفة المغربية التقليدية في الواجهات، وهناك الأبنية التي اعتمدت أسلوب ما يُعرف في باريس بـ"الفن الجديد" و"فن الديكو"، وهناك الأبنية الكلاسيكية على الطريقة الأوروبية. في تلك المرحلة أيضاً شُيّدت الفيلات الأنيقة للطبقة الثرية في أحياء سكنية خضراء بعيدة عن الضوضاء وحركة المدينة، وكانت هذه العمائر جريئة بتفاصيلها والتجديد في تصاميمها. أمّا التأثير الأميركي فتجسد بعد دخول القوات الأميركية إلى المدينة عام 1942. وفي عام 1949 شيِّد المعماري السويسري ليونارد موراندي "عمارة الحرية" المكوّنة من سبعة عشر طابقاً وكانت حينئذ أطول بناية في المغرب وتعد اليوم من صروح المدينة ومن رموزها الرائدة والعصرية.

أهمية الكتاب أنّه يدرس عمارة الدار البيضاء في إطارها السياسي والاقتصادي والتاريخي. وإذا كان يلتفت الى ذاكرتها العمرانية، فهو يضيف حجراً جديداً إلى أسطورتها ولمعان إسمها في العالم أجمع، وتكريسها كواحدة من المدن الحديثة التي لها تجربة معمارية فريدة وأصبحت مثالاً في هذا المجال. ضاعف في كسب اسمها خصوصيّة وسحراً، الفيلم الأميركي الذي أشاع اسمها في العالم أجمع وفي المخيلة الجماعية وقام بدور البطولة فيه عام 1942 كلّ من إنغريد بيرغمان وهمفري بوغارت.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم