الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

عجزُ اللغة أم عجزُ اللغويّ... أم "تأليهُ" نظام؟!

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
A+ A-

هل نحن في عجزٍ فكريٍّ جسيم، يمنعنا من إنتاج لغةٍ نقديّةٍ قادرة على صناعة "مواطنين" و"رأيٍ عامّ"؟

هل لأنّنا غير قادرين على صناعة "المواطن"، نحن عاجزون عن صناعة هذا "الرأي العامّ"، وتاليًا نحن عاجزون عن إحداث التغيير المنشود في الحياة الوطنيّة والسياسيّة، على رغم ما يُلمّ بحياتنا مطلقًا، وبوقائع العيش، من تخلّفٍ بنيويٍّ هائل، وانهياراتٍ وإحباطاتٍ وآلامٍ وأوجاعٍ ومآسٍ وكوارث؟

هل نحن نكتب بلغةٍ محدودة الذكاء، منتهية الصلاحيّة، "ميتة"، لا تعرف أن تخاطب "الآخر" ولا أن تصل إليه، ولا أن تصنعه، ولأجل ذلك هي لغةٌ غير قابلةٍ للحياة؟

هذه الأسئلة تؤرقني حقًّا، وتجعلني شخصيًّا، وتجعل لغتي، في دائرة السؤال و... الاتهام.

تعذّبني لغة جبران - خليل طبعًا – (شكرًا لسمير عطالله) المتغلغلة في وجداننا الجمعيّ منذ أوائل القرن الفائت، لأنّها تنخز وتحرّض وتفضح وتستفزّ وتثور، ولأنّها أيضًا وخصوصًا تقترح وتدلّ.

هذه اللغة العظيمة، البهيّة، المحدثة، التغييرية، لم تستطع – على رغم عبقريّتها ومستقبليّتها - أن تحرّك شيئًا في مجتمعنا.

لغةٌ بيضاء، حلميّة، تخييليّة، واقعيّة، واضحة، نقيّة، منطقيّة، جدليّة، مقنعة، هادفة، جارفة، ومزلزِلة.

ثمّ، لا شيء!

لا شيء البتّة.

لا أفهم كيف تكون اللغة الأدبيّة – الثقافيّة - العقليّة – الفلسفيّة - الفكريّة – النقديّة، على هذه المواهب والطاقات، في حين أنّ كلّ ما نحن مستغرقون ومستنقعون فيه، متخلّفٌ، رجعيٌّ، مُعتِمٌ، جهنميٌّ، كابوسيٌّ، مهينٌ، مُذِلٌّ، ميئِّسٌ، وداعٍ إلى الإحباط والهرب والفرار؟!

ثمّة خللٌ جوهريٌّ ما (مَرَضٌ ما)، في هذه المعادلة، معادلة اللغة – الواقع. فأين هو هذا الخلل؟ ولماذا، بدل أن نستضيء بهذه اللغة، ونحرز تقدّمًا ما، نرانا في تراجعٍ مضاعفٍ خطيرٍ، لا في اللغة نفسها فحسب، بل في مدلولاتها – كافةً أكاد أقول -؟

أصرخ: لماذا، لماذا، لماذا؟

وأراني أبحث في أعماق العقل عن سببٍ يمنع اللغة (اللغويّ، الكاتب، المفكّر، الفيلسوف، الباحث، الثائر، المجترح...) من أن تثقب الجدار، لكنْ من دون أن أقتنع بسبب.

لماذا لم نستطع أن نصنع "مواطنين"؟ لماذا لم نستطع أن نصنع "رأيًا عامًا"؟ لماذا لم نستطع أن نفكّك البنية المهيمِنة، بنية النظام الاستبداديّة البطريركيّة، بنية الطائفة، بنية المذهب، بنية الزبائنيّة، بنية الفساد...؟

لماذا لم نستطع أن نهزم زعيمًا متخلّفًا، ولا أن نمنع فسادًا، ولا أن نردع فاسدًا، ولا حتّى أن نكشفه، ونفضحه، ونزجّ به في الحبس؟

لماذا، نحن أيضًا، من جهتنا، لم نستطع – بلغتنا - أن نقنع أحدًا (الشعب، أين الشعب؟! هل ثمّة شعب؟!) بخطّة عمل، بطريقة، بمبادرة، بلغة، من شأنها صناعة "مواطنين"، وتأليبهم، ليؤلّفوا معًا "رأيًا عامًّا" هادرًا، يقلب الموازين ويصنع التغيير؟

قارئةٌ من جماعة العقل، متمكنةٌ، حصيفةٌ، موهوبةٌ، وجليلةٌ، دعتني إلى ضرورة التفكير الجدّيّ في لزوم الخروج من الدائرة اللغويّة المغلقة، من خلال البحث عن لغةٍ مختلفة.

أسأل نفسي الآن، أهي مسألة عجز اللغة، أم عجز اللغويّ... أم عجز العقل الفكريّ – الثقافيّ – الفلسفيّ – السياسيّ - النقديّ أمام "تأليه" نظام، هذا النظام؟!

... وإذا كان ثمّة "تأليهٌ" ما، يُعجِزنا عن ثقب الجدار، فليتحمّلْ كلٌّ منّا مسؤولية إلحاق الهزيمة بهذا "التأليه"، وبهذا الجدار!

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم