الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

محمد صيام: التواطؤ أو انتظار الموت في الهامش؟ (فيديو)

المصدر: "النهار"
محمد صيام: التواطؤ أو انتظار الموت في الهامش؟ (فيديو)
محمد صيام: التواطؤ أو انتظار الموت في الهامش؟ (فيديو)
A+ A-

"أمل" يعزف سمفونية الخيبة

عن "ثورة يناير" المسروقة، من جماعة "الاخوان المسلمين" حيناً،من العسكر حيناً آخر، قدّم المخرج المصري محمد صيام عملاً مرجعياً في عنوان "أمل"، سيبقى صداه ماثلاً في وجدان جيل كامل من المصريين والعرب، ويمكن العودة اليه كجردة حساب نهائية، في كلّ مرة نودّ الانغماس في هذه الفترة الصعبة لا بل المؤلمة من تاريخ أرض الفراعنة.

يتعقّب الفيلم الذي عُرض أخيراً في "أيام بيروت السينمائية"،خطى مراهقة طوال خمس سنوات، بدءاً من ٢٠١١ حين كانت في الرابعة عشرة، حتى مرحلة أكثر نضجاً في حياتها. هذه الفتاة تُدعى أمل، اسم على مسمّى. انها ابنة شرطي وسيدة تعمل في القضاء. أمل شخصية سينمائية تتوافر فيها الشروط التي تجعل منها كاراكتيراً يحمل كلّ تخبط الشباب المصري، آمالهم وأحلامهم التي تبددت مع وصول عبد الفتاح السيسي إلى الحكم.

يموضع محمد صيام الثورة التي حاولت تغيير مجرى تاريخ البلاد في خلفية المشهد، ليس تقليلاً لأهميتها، بل للمزيد من التركيز على تأثيرها المباشر وغير المباشر في حياة مَن تورط فيها قلباً وقالباً، وفي هذه الحالة مراهقة تغرّد خارج السرب وتتحدى كلّ أنواع السلطات، العائلية والدينية والعسكرية التي تحاول اقناع الناس بضرورة الانسحاب والاستسلام.

أجمل لحظات الفيلم هي تلك الفيديوات المنزلية التي صوّرها والد أمل قبل رحيله الذي صادف فترةً هي في أشد الحاجة إليه، ليس فقط كأب بل كمرجعية. هذا الأب الحنون الذي وثّق سيرة أمل في فترات مختلفة من حياتها، ولا سيما وهي تطفئ الشموع على قالب الحلوى في أعياد ميلادها. رحل الأب قبل ان يرى ابنته في الساحات والميادين تطالب بسقوط النظام ثم تناضل مرة ثانية لإسقاط حكم الإسلاميين بعد وصول محمّد مرسي، الا ان ظله سيبقى دائماً وأبداً فوق كتف ابنته الحبيبة. علاقتهما التي تقفز فوق أسوار الزمن، تدمع لها العين، وترفع الفيلم إلى مصاف آخر.

لا شهادات ولا تدليس سياسي ولا تباكٍ فوق الاطلال في "أمل"، فقط محاولة لادراك ما حصل، وكيف تم خنق هذا الأمل في عيون الشعب. هذا كله من خلال شخصية تمتاز ببراءة النظرة، وبرغبة جامحة في التغيير، شخصية هامشية تبدو أكثر وعياً واصراراً وتمسكاً بمبادئها من الذين يكبرونها سنّاً وخبرةً وتجربةً. من هذا الهامش، يولد فيلم شديد الصدق تطلّب سنوات عدة كي يخرج إلى النور.

كثيرة هي الأفلام التي اهتمت بالثورة المصرية، لكن صيام يرصد زوايا أخرى لم تُستغل كثيراً، موسّعاً البؤرة ومدرجاً الحكاية الشخصية في اطار السياق التاريخي العام، فيذهب أبعد من الآخرين في مسألة البحث عن الهوية، مستفيداً من كون الشخصية أنثى وسط غابة من الذكور الذين ينظرون اليها كفريسة.

نظراً إلى عمرها، أمل في مرحلة تكوينٍ، حالها حال البلاد، ولن تكون الفتاة نفسها في مراحل الفيلم كافة، وهذا ليس بشيء عابر في الفيلم. أضف إلى ذلك، ارتباط صراعها ليس بقضية عدالة فحسب، انما بصراع هوياتي في المقام الأول، صراع صاغ كيانها وأكثر سنواتها حساسيةً. أمل كائن متبدّل في بلد يعيش أهم تغيير يحصل في تاريخه الحديث، ولكن ليس إلى الأفضل. لا شيء قبل الثورة سيكون كما بعدها.

يصعب فصل مضمون الفيلم عن تصويره، اذ يستمد شرعيته من هذا التراكم الكمّي وامتداد تلك السنوات التي استغرقها ليتجسد أمامنا بكلّ شاعريته وبهائه. قلّة من الأفلام جمعت الزمن والمسافة منه في آن واحد. أدرك محمّد صيام أهمية الزمن في تصوير هذا الحدث المفارق في تاريخ الشعب المصري.

هل تفقد أمل جسارتها وتعنتها بعدما عاشت ما عاشه أعتى المحاربين وفي يدهم أمضى الأسلحة، أم تستمر في محاربة طواحين الهواء؟ هل ينجح النظام في ترويضها واعادتها إلى الطاعة، مثلما فعل مع قسم كبير من الشعب مقايضاً حريتهم بأمنهم؟ هذه بعض الأسئلة التي يتركها الفيلم فينا بلا أجوبة، خاتماً سمفونية الخيبة بمشهد لأمل وهي تنتظر مولوداً، في تعبير عن سنّة الحياة التي تتكرر، وغالب الظن انها تتشابه.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم