الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

ذئبٌ وحيدٌ يعضّ ظلّه

هاني نديم
ذئبٌ وحيدٌ يعضّ ظلّه
ذئبٌ وحيدٌ يعضّ ظلّه
A+ A-

ذئبٌ وحيدٌ يعضّ ظلّه

"عواءٌ ناشزٌ على جرف الرحيل"

دمشق 29/12/1998

"لقد بدأ الأمر من التعب وانتهى الأمر في التعب، حدث هذا عندما خرّ صوته وحيداً في زوايا القفار التي ترسمها الريح، وقع على الكمأة قبل الرعد، وقع على تشرين قبل البرد، وقع على الفكرة بمجملها وحيداً أوحداً متوحشاً، لقد أتم الكونشرتو تمام التمام، الـ "كونسرتار" الكفاح والجهد والتعب، أو في رواية أخرى، هو "كونستوس" أي تداخل الأصوات باللاتينية.. قالت لي وهي تمسح كمانها التشيكي بالعرق البلدي، ثم أردفت: كل فردٍ بشري هو كونشرتو كامل اصطُلح بأن يكون قطعة من لحم - بدل الموسيقا- من ثلاثة أجزاء مثل الكونشرتو تماماً، الأول: يكون طويلاً ولاهثاً "الطفولة" والثاني يكون هادئاً عاطفياً ومغنىً، وهي فترة "ريعان الشباب"، والثالث يكون سريعاً ومجنوناً وفردياً وإن كان الكونشرتو أوركسترالي، وهو ما يمكن أن نقول عنه الرجولة ثم الانطفاء. قلت لها: أنا ذئب!، عبّت من سيجارتها ما يكفي وأردفت دون أن تقع على حجر عيني: أنت الرواية الثانية من الكونشرتو، صوتان وشخصيتان متداخلتان في المبنى والمعنى".

شبتُ باكراً

كما يليق بذئبٍ وحيدٍ

غادرته الظباءُ

مشيت على أسفي ومشى خوفي معي

والخوفُ مشّاءُ

عرفتُ كلَ شيء

لكنني ـ كالناس ـ خطّاءُ

ونسيت كل شيء بعدها

إلا الميتين!

كلما قلت أنهم ذهبوا..

حملوا سلال ضحكاتهم

وجاؤوا

****

أحاول النورَ فيشدّني طيني

ويزرعني في الريح

تكويني

صنعت سفينتي من لوح دمعي

والبحر ظنّي...

ما مشيتُ

على يقين

****

أيها العمر: لا يوم لي

أيها الغد: أمسي منزلي؛

لا بحار في هذا اليباس يا شراعي

لا مراسيل بين يديّ أيها الساعي

إني هنا وحدي،

وأوجاعي،

وطيف امرأةٍ أبعد من بعيدٍ

وبي افتراسٌ ـ يا الله ـ يأكلني..

إني الذئاب

وإنني الراعي

***

للحزن

قافيةٌ وقافلةٌ

وقبيلة

للحزن

جبٌّ وجبّانةٌ

وجديلة

للحزن أسماؤه القتيلة

وللحزن قهقهة غولٍ بكهفٍ سحيق

وبحرٌ من الأشلاء والرياح

وساريةٌ طويلةٌ..

طويلة

للحزن حبيبةٌ بغمازتين

أكثر بكثيرٍ من جميلة

وله وطنٌ حيٌّ وقيوم

أبناؤه قاتلوه

وكلّهمُ يبكي

قتيلَه

***

ومتى تكفّ عن الكتابة؟

وكيف تنتظر الصلاة

وأنت على جنابة

وهبْ أن النبوءة قد أتت

ماذا ستفعل وقد علمت بأنه

لا نبيّ بلا صحابة

وأنك ما سألت ولو سؤال

فكيف

تأتيك

الإجابة؟

****

سترتخي كفُّ الحب يا صاحبي

سترتخي تماماً وأنا أعثر

لا الطريق أعرفه

ولا النهوض ينسيني

ولستَ بجانبي

****

آسفٌ على كلّ شيء

ما حدث وما لم يحدث

ما اقترفته يداي

وما فاتها

آسف على

أنّي.. أني

على معرفتي بالمتنبي وابن جنّي

على النفري ودمشق..

وصاحب الفتوح والسيباط

والفتاة الأولى

بحذائها البنّي

أسفٌ على

كل شيء

أسفٌ من

كل شيء

آسفٌ

منّي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حاشية

"كان الشعر يخرج من ملمس الأوراق الصفر المليئة بالمذابح، يضم بعضه بعضاً في حفيفها وهي تطبق على نفسها، كان مسعوراً كرائحة الشهوة في جسد امرأة يعضّ الفراغ؛ وكان شيخاً - أيضاً - منذ الصبا، يلكز بعصاه المحبحبة الحصى والشيح والأغنام في الهاجرة ويمشي من دون صوت أو مواعظ.

في إحياء علوم الدين رأيته وأنكره الغزالي، في كتاب "الفيزياء حادي عشر" تحول لامرأة شعرها من ثعابين على هوامش المسائل. رأيته حتى في القنابل!، لمحته يمرّ فوق شفاه كل الرسل وتمنعه كما نمنع النار من لمس أثوابنا، لم يسلم منه أحد، لم ينج منه بلد، كان مائعاً، يندلق فوق أسماء القتلى وسنوات ابن كثير وفواجع ابن عساكر وفتاوى ابن تيمية؛ كل قول قيل؛ كان يحاوله، وكل صمتٍ أيضاً، لا سكنى له ولا سكن، من كل مكان يخرج مثل الموت ومثل الحياة،

من شبابة الراعي، من زغاريد الأرامل، من دراجة الساعي ومن حزن المنازل، درويشٌ يدور مثل الريح، يرتطم بعضه ببعضه في هذا الدوّ الموحش دون طائل، لا منفى له ولا وطن، يعجبه أن يبقى تفصيلاً صغيراً كحمامة لا تراها لكن تتّصل بوجيبها، مثل أغنية دندنتها امرأةٌ على مرآتها ومضت لحبيبها.

رأيته في العطايا ورأيته في الرزايا، في التذلل والتبتل والتحمّل والقنوت، في التعنّت والتزّمت والتفلّت والخفوت، في التأوّل والتقوّل والتغوّل والسكوت، يحمل فانوسه بيده ويضيء لنفسه بين البيوت؛

لكنه

ينوس قبل نهاية الحكايا

له حلولٌ واختفاء؛ ينتقل انتقال الدم إلى شفاه النساء في مواسم التوت

يمرّ مثل أميرٍ على حصانه يتبختر

وقبل الوصول إلى الصبايا

يموت!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم