الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

الزواج المدني: يريدوننا عبيداً!

منى فياض
الزواج المدني: يريدوننا عبيداً!
الزواج المدني: يريدوننا عبيداً!
A+ A-

"إن لم تكن العبودية خطأ؛ فما من خطأ"

أبراهام لينكولن

في الحقيقة أصبح طرح موضوع إقرار "قانون الزواج المدني الاختياري" مبتذلا في لبنان. جميعنا نشعر أن النقاش يتكرر!

يطرح الموضوع دوريا، وفي كل مرة يحتدم النقاش وتهبط الملائكة والشياطين إلى الأرض، ويصبح الموضوع سجالا بين "مؤمن" يكفر ويعطي شهادات بالإيمان، وكافر مثواه النار ويتحمل مسؤولية جميع الموبقات التي تعم جمهورية التفاهة.

يبدو أن حرية الأفراد تشكل تهديدا لمصالح ذوي النفوذ الديني والمتحالفين معهم.

أجابت وزيرة الداخلية ريا الحسن على سؤال حول الزواج المدني فارتأت بحكمة "أنها تحبذ شخصيا، أن يكون هناك إطار للزواج المدني"، وأنها ستسعى "لفتح الباب لحوار جدي وعميق حول هذه المسألة مع كل المرجعيات الدينية وغيرها". فهناك كتلة وازنة في لبنان تطالب بذلك.

فاستنفرت المراجع الدينية على اختلافها متحدة متضامنة، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي واستعيد ما كان قد ذهب إليه مفتي الجمهورية (السابق) عام 2013 (الشيخ محمد رشيد قباني) من إصدار فتوى بـ "أن كل من يوافق من المسؤولين المسلمين في السلطة التشريعية والتنفيذية على تشريع وتقنين الزواج المدني ولو اختياريا هو مرتد وخارج عن دين الإسلام ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين".

اقرأ للكاتب أيضا: 'مساعدات' ظريف للبنان والدور التخريبي

وصدر مجددا عن المكتب الإعلامي في دار الفتوى برئاسة المفتي الحالي الشيخ عبد اللطيف دريان بيان أعلن "الرفض المطلق لمشروع الزواج المدني في لبنان ومعارضته، لأنه يُخالف أحكام الشريعة الإسلامية السمحاء جملة وتفصيلا من ألفه إلى يائه، ويُخالف أيضا أحكام الدستور اللبناني في ما يتعلق بوجوب احترام الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الدينية العائدة للبنانيين في المادة التاسعة منه، وبالتالي لا يمكن إقراره في المجلس النيابي من دون أخذ رأي وموقف دار الفتوى وسائر المرجعيات الدينية في لبنان".

اقرأ للكاتبة أيضاً: أوهامُ الهويات المجروحة الطاحنة

ودعا البيان إلى منع مجرد التداول بالموضوع: "عدم الخوض والقيل والقال في موضوع الزواج المدني الذي هو من اختصاص دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية المؤتمنة على دين الإسلام ومصلحة المسلمين".

وكأن قمع حرية التعبير ومنع الخوض في أي موضوع كان، لا يخالف مقدمة الدستور وخصوصا ما جاء في الفقرة ج: "لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية المعتقد، وعلى العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل". هل إن الزواج غير مشمول بتلك الحريات؟

بنظر رافضي الزواج المدني، فإن تعدد الزوجات وتزويج القاصرات وحرمان الأم من حضانة أطفالها يحفظ الاسرة ويحافظ على كرامة المرأة! من دون نذكر أشكال الزواج الأخرى المشرعة دينيا، مثل زواج المتعة وزواج المسيار وغيرها؛ فهذه تبجيل للمرأة!

ومن أغرب الذرائع المقدمة ادعاء أن الزواج المدني يلغي "شرط الدين عبر إباحة الزواج من ‏المحارم، كأن يتزوج الشخص من أخته بالرضاعة وغيرها من الأمور الخطيرة"! ففي جمهورية لبنان الفاضلة، لا شيء يسيء إلى المرأة أو يهدد الكيان والأخلاق واستقرار الأسرة سوى عقد الزواج المدني، مع أن هناك مرجعيات وازنة كالعلامة الشيخ عبد الله العلايلي لها رأي مختلف: "فالعقد الزواجي، في الإسلام، عقد مدني بكل معناه، إلَّا في بعض نَوَاشئ، أكثرها ماليٌّ، لا يُعتدُّ بها اعتدادا يُخرِجُ العقد عن هذا النعت". الشيخ عبد الله العلايلي، في كتابه: "أين الخطأ"، دار الجديد، بيروت، 1992.

المشكلة أن غالبية الطبقة السياسية لا تجرؤ على مخالفة رجال الدين. إذ سبق لمجلس الوزراء أن أقرّ في عام 1998 مشروع قانون للزواج المدني، وبأغلبية ثلثي أعضاء الحكومة. لكنه وضع في الأدراج.

إن عدم مواجهة رجال الدين، هي على الأرجح لحفظ خط الرجعة لدى البعض لحاجتهم تغطية فضائح الفساد التي قد تطفو، إذ يهب رجال الدين حينها ويجعلون منها "اعتداء على الطائفة بأكملها"، فيغلق الملف.

هي شبكة مصالح. نحن نعلم أن بعض رجال السياسة يلجؤون إلى تغيير مذاهبهم، بموافقة وغض نظر من رجال الدين، فيغير أهل السنة مذهبهم لتوريث بناتهم. ويسهل الطلاق للموارنة من الطبقة الحاكمة.

سبق للرئيس سعد الحريري أن أشار بنفسه، بمناسبة الجدل الذي حصل في العام 2013، إلى أن إندونيسيا وماليزيا وتركيا، وهي دول مسلمة، تقرّ الزواج المدني فهل يكفرهم سماحة المفتي؟ كأننا نقول إن (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان مرتد. ولفت إلى وجود كازينو في لبنان، وحياة ليل صاخبة... وهذا بالمفهوم الديني غير شرعي والذين شرعوه رؤساء وزراء سنة، فهل نكفرهم؟

إن أغرب ما نسمعه من ذرائع حول طرح موضوع الزواج المدني الآن، (وفي كل آن!) "مش وقتها" وأن هناك كثير من الأولويات التي يفترض بنا الالتفات إليها قبل الشروع في التفكير فيه.

وهذه ذريعة الأنظمة العربية المستبدة التي صادرت خلال عقود الحقوق وهدرت الكرامات وعمقت الفقر والأمّية وقمعت الحريات وأفقرت الشعوب تحت شعار "مش وقتها". إنه وقت "القضايا الكبرى" فقط، التي قادت الأمة من احتلال إلى احتلال.

وفي لبنان نفتقد أبسط الحقوق المؤمنة في أفقر دولة في العالم: نفتقد الماء والكهرباء والبنى التحتية، ونخضع كالعبيد للفساد العلني الذي يعم البلاد.

يزعمون أنهم يحمون "مصالح الشعب"؟ لكن من هو هذا الشعب؟ كتلة وهمية غائمة أم مجموعة أفراد؟ وإذا اتفقنا على أن الشعب يعني أعدادا غفيرة من الأفراد المجتمعين في بلد وفي طوائف، فهذا يعني أن كل مشكلة فردية هي جزء من القضايا الكبرى نفسها. وهل تأمين الخبز مختلف عن تأمين الحق بالزواج بمن يرغب ومتى يرغب وبالطريقة والشروط التي يرغب؟

هذا مع العلم أن معظم من يقفون بشراسة ضد إقرار الزواج المدني يزعمون أنهم مع إرساء "دولة مدنية"؟ فهل يعرفون معنى "دولة مدنية"؟ إنها الدولة الحيادية تجاه معتقدات وأيديولوجيات وقناعات المواطن؛ وتحفظ التنوع والتعدد في جميع أشكاله.

حين تنتهك حقوق الأفراد، كأفراد وليس كجماعات، ولا تضمنها لهم الدولة؛ تسود العبودية.

إن أهم مبدأ للديمقراطية ألا يتعرض أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر.

اقرأ للكاتبة أيضاً: سيكولوجيا المشاعر والانفعالات في زمن التنويم المغناطيسي

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم