الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

"ضحايا الرعب"... قتل الأطفال الرضع خشية مواجهة المجتمع المصري

المصدر: "النهار"
القاهرة- ياسر خليل
"ضحايا الرعب"... قتل الأطفال الرضع خشية مواجهة المجتمع المصري
"ضحايا الرعب"... قتل الأطفال الرضع خشية مواجهة المجتمع المصري
A+ A-

وتبين وفقاً لما نشرته وسائل إعلام مصرية، أن طالبة تبلغ من العمر 19 عاماً، ألقت بطفليها التوأم من نافذ حمام منزلها بعد ولادتهما، خوفاً من افتضاح أمر إقامتها علاقة خارج إطار الزواج، مع شخص "مجهول"، نتج عنها هذان الطفلان. وألقت الشرطة القبض على الفتاة، وأحيلت على محكمة الجنايات.

ما دفع هذه الفتاة إلى فقدان مشاعر أمومتها، وقتل طفليها، هو حالة الرعب التي عاشتها خوفاً من ردة فعل المجتمع تجاهها ونحو أطفالها. وهي حالة مرت بها أعداد كبيرة من الفتيات والنساء الذين أقمن علاقات خارج إطار الزواج، أو تعرضن للاغتصاب.

وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن الأطفال مجهولو النسب، الذين نجوا من القتل، تقدر أعدادهم بمئات الألاف. وتعمل الدولة منذ نحو 5 سنوات على احتواء قرابة مليوني "طفل شوارع"، غالبيتهم من الذين جاؤوا نتيجة علاقات غير خارج إطار الزواج.

وعلى رغم الجهود التي تبذلها الدولة المصرية، حسبما يؤكد متخصصون، والتزامها بالمعاهدات الدولية، ووضعها تشريعات حديثة، إلا أن الخطاب الديني المسيطر على المجتمع، يستنفر أفراده ضد هؤلاء الأطفال، ويؤجج المشاعر تجاه العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج مما يدفع بعض النساء إلى الانتحار أو قتل أطفالهن، أو تكون المرأة نفسها عرضة للقتل، فيما يفلت الرجل الذي أقام معها تلك العلاقة دون عقاب مجتمعي أو قانوني في أحيان كثيرة.

"انتزاع مشاعر الأمومة"

تقول الدكتور سامية خضر أستاذة علم الاجتماع لـ"النهار": "تتخلص الفتاة من طفلها، الذي جاء بطريقة غير شرعية، لأنها تخشى أن تعاقبها أسرتها أو مجتمعها على ما فعلته، فقد تتعرض للقتل أو الإهانة، وهذا الخوف ينتزع منها الأمومة، يصبح الخوف سيد الموقف وليس مشاعر الأمومة، وبالتالي فكل ما تفكر فيه هذه الفتاة هو التخلص من الجنين أو الطفل غير الشرعي. بعضهن يضعن أطفالهن في مقالب القمامة، أو بجوار مستشفى، أو غير ذلك".

وتضيف عالمة الاجتماع: "هذه حوادث تقع في معظم المجتمعات العربية، وظهرت في أفلامنا القديمة، وكانت تعالج القضية بحياء. على سبيل المثال فيلم فيروز وأنور وجدي (معانا ريال)، يطرح هذه القضية. كانت هذه المشاكل تظهر في السينما حينما كان الفن يعالج هذه القضايا قبل أن تتدخل الدولة فيها".

"نحن بحاجة إلى دارسة هذه الوقائع بطريقة موضوعية وهادئة، ونحتاج إلى أن ننظر إليها بصورة أكثر تحضراً، علينا أن نوعي الشباب" تقول خضر، "ويحتاج المجتمع والأسر إلى أن يكونوا أكثر حنكة وكرما ًفي معالجة هذه المشاكل، فقد يخطئ هؤلاء الشباب، خاصة المراهقون منهم، وعلينا أن نتجنب تحول الخطأ إلى جريمة. لا يجب أن نذبح الفتاة حين نجدها حاملاً، أو ننهرها ونضغط عليها، وندفعها للانتحار دفعاً. من المهم أن نعالج هذه الأمور بطريقة أفضل، ونراعي الجوانب العاطفية، لأن هذا ليس خطأ الفتاة وحدها، فهناك طرف آخر شريك في الخطأ، والمعالجة بالحكمة وبكرم قد تحل المشكلة".

"القانون يحمي حقوق الطفل"

ويقول المحامي محمود البدوي رئيس الجمعية المصرية للأحداث وحقوق الإنسان لـ"النهار": "في بعض المجتمعات الأخرى، يمكن للفتاة أن تواجه مجتمعها، وتقول هذا طفلي، وأنا أمه بمفردي، ولكننا مجتمع شرقي، ولنا عاداتنا وتقاليدنا الخاصة، فأول ما يتبادر إلى ذهن هذه الفتاة هي أن تتخلص من ولدها، مثلما حدث في الواقعة الأخيرة، التي ألقت فيها الطالبة بطفليها، فأصبحت متهمة في قضية قتل عمد".

ويرى البدوي أن "أي أم تجلس مع نفسها، وتفكر بروية، ومعنى أن تفكر بروية هو ألا يكون عليها ضغوط مجتمعية شديدة، فإنها لن تقتل طفلها أو تتخلص منه أبداً. لكن الفتاة تخاف من ضغوط المجتمع ومواجهة تساؤلات من قبيل: من أين أتيت به؟ ومن هو والده؟ وأين زوجك؟ واتهامات بأنها أخطأت وأجرمت، وتستحق الموت".

لا أحد يفكر في أنها قد تكون فريسة حسبما يقول رئيس جمعية الأحداث "وربما سقطت في حبائل شيطان دفعها لفعل ذلك، أو دخلت في علاقة حب، وفي لحظة ضعف انجرفت لهذه العلاقة، وفي كل الأحول الطفل ليس له أي ذنب فيما حدث وله الحق في الحياة، وبدلا من أن يحيا، فإنه يقتل، وتتهم أمه بجريمة قتل عمد لطفلها نتيجة الرعب التي تعيشه".

ويؤكد البدوي أن "ما يفعله المجتمع ضد ما تقوم به الدولة، لأنها توفر حماية وضمانات للطفل حتى وإن كان ناتجاً عن علاقة غير شرعية، وحتى وإن تم العثور عليه في الشارع. هذه مشكلة مجتمعية بحتة، لأن الفتاة بقادرة على أن ترفع قضية ضد الشخص الذي أقام علاقة معها وينكر نسب الطفل إليه، وتقوم بتحليل DNA ليثبت صلته بالطفل، وتحصل منه لولدها على حقوقه. فهذا الأمر لم تعد فيه التعقيدات قديمة التي كانت موجودة قبل سنوات قليلة، الأمر لم يعد صعبا، ولكن الصعب هو مواجهة المرأة لمجتمعها وأسرتها فهم لا يقبلوا هذا".

ويلعب رجال الدين دوراً في تحريض المجتمع واستنفاره. وأصدرت دار الإفتاء المصرية، مؤخراً، فتوى حول مدى شرعية استخدام تحليلات DNA في إثبات النسب، وجاء فيها: "في حالة الزنا لا يثبت نسب الطفل إلى الزاني أصلا،ً وإنما ينسب إلى أمه فقط، لأن ماء الزنا هدر، أي لا يعتد به شرعا".

وعلق المحامي بالنقض والدستورية العليا على هذه الفتوى قائلاً إن "من أصدر هذه الفتوى (يقعد على جنب)، القانون، والمادة 80 من الدستور، والتزامات مصر الدولية الخاصة بحقوق الطفل، والتي صادق عليها رئيس الجمهورية تضمن لهؤلاء الأطفال حق إثبات النسب والحصول على كافة مستحقاتهم القانونية".

"ليس الأفضل أخلاقياً"

وتقول ميرفت أحمد ياسين (24 عاما) لـ"النهار": "لا أعرف إن كان ما يحدث هو نتيجة خطأ الفتاة أو الشاب الذي يقيم علاقة غير شرعية، أم هو خطأ المجتمع الذي يفرض شروط تعجيزية على الشباب، ويحمله مسؤوليات ضخمة للغاية حتى يتم الزواج، ويحصل على علاقة شرعية، هذا الموضوع يحتاج إلى نقاش مجتمعي جاد".

وتقول هبة إمام (21 عاما) لـ"النهار": "إن موقف مجتمعنا من العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج لا يجعله أفضل من غيره، بالعكس، هذا يجعله يبدو أكثر تخلفا من شدة الجهل وعدم الوعي والعشوائية المتناهية في هذا الموضوع، وهذا يرجع إلى أن مجتمعنا ظاهريا يبدو متدينا ومحافظا ولكن في الخفاء الأمر مختلف تماما والباطن غير الظاهر للأسف".

وتضيف الطالبة التي تبلغ من العمر 21 عاماً أن "الظاهر تقال فيه العبارات المثالية والدينية، والباطن يمارس فيه أبشع ما يوصف، وهذه نتيجة لوجود كبت وجهل وعدم سيطرة على النفس البشرية، ووقت فراغ غير محسوب، وعدم وجود ثقافة التحضر، فبالتالي المشكلة لن تحل بموت هؤلاء (الأطفال والأمهات) لأن المشكلة ليست متضمنة فيهم، بل في المجتمع ككل".


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم