الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

"بكّير عليها"... التشريع في مواجهة زواج الطفلات

المصدر: "النهار"
كلودين عون روكز- رئيسة الهيئة الوطنيّة لشؤون المرأة اللبنانيّة
"بكّير عليها"... التشريع في مواجهة زواج الطفلات
"بكّير عليها"... التشريع في مواجهة زواج الطفلات
A+ A-

‎إن تزويجَ الطفلاتِ هو نوعٌ من العنفِ الممارس عليهنَّ، إذ يُحَمّلُهُنَّ أعباءَ ومسؤوليات أسريّة هنّ غيرُ قادراتٍ وغيرُ مؤهلاتٍ على تحمّلِها.

‎وليس لنا أن ننسى هنا ذِكرَ المخاطر الصحيّة التي تتعرض لها الفتياتُ اللواتي يَتمُّ تزويجُهنّ باكراً والتي تهددُ أحياناً حياتَهنّ. كما ليس لنا أن ننسى أن الفتياتِ اللواتي يَتِمُ تزويجُهنّ قبل سنّ الرشد، يَتِم حرمانُهنّ تالياً من فُرَصِ التعلّم والعمل، ومن إمكاناتِ ترقّي شخصياتِهنّ. ويتمُّ بالتالي حرمانُ محيطِهنّ من الاستفادةِ من هذا الترقيّ. ولنا أن نشيرَ إلى التربيةِ الناقصةِ والسيئة، في غالبيّة الأحيان، التي يَتلَقاها عادةً أولادُ الأمهاتِ الصغيراتِ السنّ اللواتي لم يَبلغنّ نضوجاً نفسياً كافياً للتمكّنِ من تلبية متطلباتِ توفيرِ تربيةً صالحةً لا تعتمِد العنفَ في التعاطي مع الأولاد. كذلك لنا أن نذكرَ أن تزويجَ الطفلاتِ يغطّي في كثيرٍ من الأحيانِ عملياتٍ دنيئةً للإتجارِ بالبشرِ ويعرضُهنّ أكثرَ من سواهنّ إلى العنف الأسري.

‎وعندما نقول "طفلات"، نعني الفتياتِ اللواتي لم يبلغنَ سنّ الثامنة عشرة. فالطفلُ، كما تحدّدُه اتفاقية حقوق الطفل، هو كلُ إنسانٍ لم يتجاوز الثامنةَ عشرةَ، إذ أن حقبةَ الطفولةِ لا تنتهي مع بدايةِ حقبة البلوغ.

‎وما نحن في صدِده عندما نتكلم عن الأهليّة للزواج، هو الحرصُ على توفّرِ القدرة لدى الشاب أو لدى الشابة على إقامةِ علاقةً متوازنةً مع شريكةٍ أو شريكٍ يكون أو تكون مؤهلةً/مؤهلاً لبناء أسرةٍ مستقّرة. فالأهلية للزواج ترتبطُ بسنّ الرشد وليس بسنِّ البلوغ البيولوجيّ والزواجُ هو مؤسسةٌ اجتماعيةٌ وليس مجرّد تسجيٍلٍ لارتباطٍ ظرفيّ. لذا كما بقيّة العقود لا ينبغي أن تتمّ عقود الزواج إلا بين امرأة ورجل راشدَين مدركَين لواجباتِهما ولحقوقِهما.

‎تغيّرت الحياةُ وتطورّت المجتمعات، وتمكّنت نساءُ لبنان بجهودِهنّ، من تبوّءِ المراكزَ المرموقة في العلوم والفنون والمهنّ. لكنّ تطور القوانين التي تتعلق بقضاياهنّ، لم يجاري غالباً التطوّر الذي حققَته النساءُ في المجتمع. وظلّ، مثلا، تزويجُ الطفلات متاحاً ولو سَجّلت حالاتُه تراجعاً ضمنَ فئاتِ المجتمع التي تتمتعُ بمستوى علميّ واقتصاديّ مقبول. لكن ظلّت هذه الحالات عديدة نسبياّ في المجتمعات الهشّة اقتصادياً وتعليمياً، من جهة، وظلت ظاهرة تزويج الطفلات، المتاحة قانوناً، تلقي بظلالها على النظرةِ التي يعيرُها المشترعُ لمكانةِ المرأة في المجتمع ولقدراتِها على توجيه مسار حياتها من جهة أخرى.

‎واليوم لم تعد مقبولةً الإحصاءاتُ التي تقول أن نسبة 6 بالمئة من النساء اللبنانيات اللواتي كانت تتراوحُ أعمارُهن بين 20 و 24 سنة في العام 2016، أي من اللواتي يَنتمينَ إلى الأجيالِ الشابة، كنّ قد تزوجن قبل بلوغهن سن ال 18 سنة. كذلك ليس مقبولاً أن تكونَ السلطاتُ اللبنانية قد سمحت بأن تكون حوالي ثلث اللاجئات حسب إحصاءات الأمم المتحدة، المقيمات في منطقة البقاع الغربي قد تزوجن قبل بلوغ سن ال 18.

‎لقد تغيّرَ العالمُ كما تغيّرت الظروفُ التي كانت وراءَ نشوءِ حضاراتِه وأنظمة مجتمعاتِه ولا يجوز أن تستمرَ الأنظمةُ التي رَعت هذه المجتمعات قبل قرون، في التحكّم بمصائر الكيانات الحاضرة. فأنماطُ حياتِنا تبدّلت ولنا أن نطورَ معها شرائعَنا كي تكونَ فاعلةً مستمدةً من واقعِنا وفي الوقت نفسه قادرة على تطويره.

‎إن الاستمرارَ بالقبول بتزويج الأطفال، وعدم فرض سن أدنى للزواج هو دليلٌ آخر عن قصور التشريع عن مواكبة التبدلات التي طرأت على أوضاع النساء وعلى الأدوار التي يقمنَّ بها فعلياً في المجتمع.

‎سيداتي سادتي،

‎إنطلاقاً من اهتمامِنا في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة بضرورة إثارة انتباه المجتمع بكل مكوناتِه، إلى الآثارِ السلبية التي تترتّبُ على تزويج الطفلات وذلك بالنسبة لنموّهنّ الشخصيّ كما بالنسبة إلى أُسَرِهِنّ ومحيطِهنّ، عمدت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية على دمج مشاريع القوانين المقترحة في هذا المجال، في قانون واحد يعتمد سن ال 18 سنة كسن أدنى للزواج للذكورِ كما للإناث، ولا يجيزُ الاستثناء لهذه القاعدة إلا بعد اكتمال سن السادسة عشرة، وبعد حصول الوليّ أو الشرعيّ على إذنٍ من القاضي المنفرد الناظر في قضايا الأحداث، الذي يجري تحقيقاً اجتماعياً وله أن يَستعين بالخبرة الطبية والاجتماعية والنفسية خلال نظره في القضية.

‎وقد توصلّت الهيئة إلى هذه الصيغة التي وافقت عليها اللجنةُ الفرعية المختصة المنبثقة عن لجنة الإدارة والعدل البرلمانية، بعد مناقشاتٍ مستفيضة للموضوع شاركت فيها الهيئة مع أعضاء اللجان البرلمانية، ومن المتوقَع أن يتمَ اعتماد هذا المشروع من جانب لجنة الإدارة والعدل البرلمانية قبل عرضه على الهيئة العامة.

‎وبُغيةَ نشر الوعي في المجتمع على ضرورة وضع حد لتزويج القاصرات، أطلقت الهيئة، بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة حملةً إعلاميةً وإعلانيةً واسعة تحت عنوان "بكّير عليها" وذلك على كافة وسائل الإعلام والتواصل. وترمي هذه الحملة إلى تسليط الضوء على الانعكاساتِ السلبية على الصعيدين الشخصي والمجتمعي لتزويج الفتيات قبل سن 18 سنة. وفي إطار هذه الحملة، ومشاركةً بالمبادرة العالمية في إضاءة المعالم الوطنية والأثريّة باللون البرتقالي كدلالة على التضامن، تمت اضاءة ولمدة 16 يوماً، قصر رئاسة الجمهورية ومبنى مقر الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية وقلعة بعلبك باللون البرتقالي.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم