الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

الحريات والعلمانيَّة في الفضاء العربي: ربيع من رحم "الخريف العربي"

المصدر: "النهار"
أمين الياس
Bookmark
الحريات والعلمانيَّة في الفضاء العربي: ربيع من رحم "الخريف العربي"
الحريات والعلمانيَّة في الفضاء العربي: ربيع من رحم "الخريف العربي"
A+ A-
لا أزال مقتنعاً تمام الاقتناع أنَّ حالة الفضاء العربي، بما تتضمنه من مخاض وآلام قد تصل أحياناً حدّ اليأس والرغبة بالانتحار، تحمل في ثناياها بذور نهضة جديدة خاصَّة في ما يتعلَّق بمسألة الحريَّات والعلمانيّة. هذا ما تأكّد لي إبّان مشاركتي في مؤتمر حول الحريَّات جرى في #تونس (قرطاج) ما بين 27 و 29 أيلول بضيافة مجمع العلوم والآداب والفنون – بيت الحكمة، وتنظيم معهد الآباء البرنارديّين في باريس (Collège des Bernardins) والذي شارك فيه أكاديميُّون من فرنسا، وتونس، وإيطاليا، واليونان، والمغرب، والجزائر، ولبنان. الفضاء المتوسطي كمساحة لقاء بين أوروبا والمشرق العربي والمغرب العربيبكثير من الدلالات، شمل الإطار الجغرافي لمداخلات ومناقشات المشاركين كل الفضاء المتوسطي. وكأنّ بمنظّمي المؤتمر يريدون التعبير عن شيء من وحدة الحال أو التفاعل الحضاري المتواصل بين أرجاء هذا الفضاء، مهما كانت الفوارق الحضاريَّة والثقافيَّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة في ما بينها. في مداخلته الجيوبوليتيكيَّة، وبعد أنَّ اعتبر أنَّ مفهوم "حريَّة الضمير" (Liberté de conscience) هو بروتستانتي المنشأ بما يعني من حقّ كلّ فرد بأنْ يؤمن بما يشاء، قسَّمَ السفير جاك أوتزينغر (Jacques Hutzinger) الفضاء المتوسطي إلى عوالم ثلاثة مختلفة: فهناك أوروبا التي شهدت "ثورة سياسيَّة" وولادة الدولة العلمانيَّة الحياديَّة تجاه الأديان. كما شهدت ثورة ثقافيَّة وفكريَّة أخرجت الدين من المجتمع وكرّست الفصل بين الفرد والمؤمن، وبين الحرية والحقيقة. ومن ثم كانت الثورة القانونيّة التي أثمرت سيستامًا سياسيًا وقانونيًا علمانيًّا بالكامل يضمن حرية الضمير. وقد استمرّ الأمر على هذه الحال في أوروبا منذ أيام النهضة إلى حين تلبّد المشهد مع قدوم الإسلام إلى أوروبا وإلى الغرب بشكل عام. فقد فرض هذا القدوم سؤالين أساسيَّين: كيف يمكن أنْ يمارس المسلمون ديانتهم في أوروبا بشكل حرّ؟ وكيف يمكن معالجة المسألة الأمنيَّة المتمثّلة بصعود الإرهاب المرتبط بالإسلام السياسي والتيار السلفي الإسلامي؟ العالم الثاني بحسب أوتزينغر هو المغرب العربي، هذا المغرب الذي لطالما كان على حافة الإمبراطوريَّة العثمانيَّة والعالم العربي. وقد يكون هذا التموضع الجغرافي بالذات هو ما ساعد على تكوّن حالة دولتيَّة مستقلَّة إلى حدّ ما عن الإمبراطوريَّة العثمانية وعن العالم العربي. وقد جاء الاستعمار ليعزّز هذه الحالة ويعطيها بعدًا علمانيًّا. يعتبرُ أوتزينغر أنَّ المغرب العربي هو حاليًا في طور بلورة "علمانيَّة من عنده"؛ لكنّ يبقى السؤال الكبير: في جوّ هذا التوجّه العلماني ماذا سيكون مصير الأحزاب الإسلاميّة؟ يبدو أنَّ العالم الثالث، والمتمثّل بالمشرق العربي، هو الذي يقدّم الصورة الأكثر سوداويَّة ما بين عوالم المتوسطّ الثلاث. يستغربُ أوتزينغر كيف أنّ هذا العالم المشرقي، الذي هو الأكثر تنوّعًا في ما بين العوالم المتوسطيَّة الثلاثة، لم يستطع أنْ يحوّل تنوّعه وتعدديّته إلى نظام تعدّدي. يحاول أوتزينغر تفسير ذلك بالقرون الثلاثة عشر التي عرفها المشرق من حكم الإمبراطوريَّة الإسلاميَّة التي كان في أساس ولادة "النظام الطائفي" القائم على "أرستقراطية سنيَّة"، وذميَّة "أهل الكتاب" وأقليَّة مؤلّفة من الجماعات الإسلاميَّة غير السنيَّة. إنَّ التعامل مع سكان المشرق على هذا الأساس الديني كان أساسًا في ولادة "الطائفيَّة" (Communautarisme) والذي لم تستطع سنوات الانتداب العشرين في بداية القرن العشرين من التخلّص منه. فما كان من هذا الإنتداب إلَّا أنْ كرّس الطائفيَّة في النظام السياسي والاجتماعي والقانوني لدول المشرق المولودة حديثًا على يده. وعندما أتى التيار القومي العربي إلى السلطة قام أيضًا بالمحافظة على الطائفيَّة؛ يقول أوتزينغر: لم تنجح العروبة لا في بناء الأمَّة ولا في بناء الدولة، وبقيت دول المشرق دولًا طائفيَّة.مملكة المغربأتت مداخلات كلّ من مدير مؤسَّسة الملك عبد العزيز في الدار البيضاء محمد صغير جنجر، والأستاذ في جامعة الدار البيضاء محمد المواقيت لتؤكّد ما قاله أوتزينغر خاصّة في ما يتعلّق بمملكة المغرب. يعترف جنجر أنّ هناك الكثير من العوائق في المغرب أمام حريَّة الضمير: "نحنا لا نزال ضمن النظام القديم، ولا نزال نعيش في مرحلة من الستاتيكو القانوني". لكن رغم ذلك، لا ضير من النظر إلى الحراك البطيء الحاصل في باطن المجتمع المغربي. فكلّ أسس المجتمع المغربي تبدو في طور التغيّر. فعلى مستوى العائلة، تُظهر الديمغرافيا العائليَّة انخفاض نسبة الولادات من حوالي الستة أولاد للمرأة الواحدة إلى 2.8. من ناحية أخرى يُلاحظ أنَّ المجتمع المغربي يتحوّل من مجتمع ريفي إلى مجتمع مديني مع تركّز حوالي 64% من المغاربة في المدن الكبيرة. أمَّا على الصعيد التربية، فإنّ الفتيات دخلن بأعداد ضخمة إلى التعليم. يُضاف إلى ذلك تحوّل نظرة الجيل الجديد إلى الدين – ونعني بالدين هنا...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم