الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

االمساعدات الإنسانية الى البوسنة أقصى ما استطعنا بلوغه

المصدر: "النهار"
Bookmark
االمساعدات الإنسانية الى البوسنة أقصى ما استطعنا بلوغه
االمساعدات الإنسانية الى البوسنة أقصى ما استطعنا بلوغه
A+ A-
في السادس من نيسان، اي بعد مرور ثلاثة اسابيع، اعترفت المجموعة الاوروبية بالبوسنة فاعترفنا بدورنا بها في اليوم التالي، بينما وافق مجلس الامن على نشر قوات حفظ السلام هناك. كما اعترفنا بسلوفينيا وكرواتيا. وسرعان ما اعلن صرب البوسنة جمهوريتهم المستقلة وشنت طائرات الجيش الوطني اليوغوسلافي هجمات صاروخية حول ساراييفو، فاصدرت تعليماتي للسفير زمرمان في بلغراد بأن يحذر الرئيس الصربي ميلوسيفيتش وان يعرب له عن قلقنا ازاء استعراض القوة الصربي، وانه اذا ارادت بلغراد الحفاظ على اي نوع من العلاقات معنا، يصبح لزاما عليها احترام استقلال جيرانها وسلامتهم الاقليمية. وكما هو متوقع فقد انكر ميلوسيفيتش اي تواطؤ من جانبه. ومع التحولات التي طرأت على تفاصيل الموقف كان ميلوسيفيتش يرد على جهودنا الديبلوماسية برفع حاجبه امام السفير زمرمان متسائلا: "لماذا جئت لمقابلتي؟ هذه مسألة تخص البوسنة. لا علاقة لصرب صربيا بهذا الموضوع. ان الصرب في البوسنة لا يتعرضون للتهديد". هكذا كان يختتم كلامه بشيء من السخرية الحزينة. وكلما جرى تنبيهه الى سلوكه المراوغ ، تنصل من المسؤولية مستمرا في لعب "دور خفي" من وراء الاحداث في البوسنة. اعقبت رسالتنا الموجهة الى ميلوسيفيتش رسالة مماثلة الى شركائنا الاوروبيين تقترح عليهم المبادرة الى توجيه التعليمات الى سفرائهم بان يبذلوا بدورهم جهودا ديبلوماسية مع بلغراد. كما حاولنا كذلك استنفار التأييد لفكرة طرد صربيا والجبل الاسود باعتبار انهما يمثلان "يوغوسلافيا"، من عضوية المنظمات الدولية، وذلك في خطوة ترمي الى نزع شرعية النظام. وخلال نهاية الاسبوع، وفي اعقاب يومين من المباحثات التي جرت برعاية المجموعة الاوروبية، وافقت الاجنحة البوسنية المتصارعة على وقف اطلاق النار. غير ان القتال لم يلبث ان اندلع يوم الاثنين مرة اخرى. وهذا هو النموذج الذي كان يتكرر خلال فصلي الربيع والصيف: نعرب لبلغراد عن مخاوفنا، فينكر ميلوسيفيتش انه يتحمل اية مسؤولية عن الموقف. تهدأ حدة القتال، وبعد ايام يبادر الصرب الى شن هجوم آخر. والحال ان ميلوسيفيتش ربما كان رجلا صلبا الا ان صلابته من النوع الحاذق الذي يفهم السياسة الغربية ويحسن التعامل معها، بل انه معلم قادر على اضعاف المجتمع الدولي عن طريق تغيير موقفه واتخاذ الخطوات الاسترضائية اللازمة عندما يقتضي الامر ذلك. في 14 نيسان زارني سيلايفيتش في مكتبي بواشنطن، فاخبرته اننا ارسلنا الى ميلوسيفيتش مذكرة شديدة اللهجة، واننا قلقون ازاء ما يحدث في البوسنة. كما ابلغته عزمنا على تنشيط عمل المجموعة الاوروبية والمجتمع الدولي، رغم انني لم اكن ارغب في تضليله بحيث يتوهم امكان تحول قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة قوات صنع سلام. استهللت كلامي قائلا: "ارجو احاطتي علما بموقفكم". اجاب: "ان الناس يا سيدي يموتون في الوقت الذي نتحدث فيه. انهم يقتلون المدنيين كأنهم بهائهم، هؤلاء الذين يموتون اناس حقيقيون. اننا لا نتحدث سياسة الآن". كان طبعه الهادىء يجعل مناشدته اشد تأثيرا. كما ان لغته البسيطة والمباشرة كشفت عن الالم الذي يشعر به مواطنوه بطريقة تعجز عن ادائها لغة المذكرات الديبلوماسية. ولا شك عندي في ان هذا اللقاء كان من اشد اللقاءات العاطفية التي شهدتها تأثيرا، خلال عملي كوزير للخارجية. وكما هو الشأن بالنسبة الى الوقت الذي امضيته مع الاكراد في الجبال، فان لقائي بسيلايفيتش بدد عدم وضوح الرؤية الديبلوماسية ودفع بي الى العمل. وفي اعقاب اللقاءرتبت لسيلايفيتش ان يقوم لاري ايغلبرغر باصطحابه للاجتماع بطاقم المديرين الثلاثي المشرف على شؤون المجموعة الاوروبية والذي صادف ان كان في زيارة لوزارة الخارجية، وطلبت من مارغريت تاتوايلر ان تحدث وزير الخارجية البوسني عن اهمية استخدام وسائل الاعلام الغربية من اجل بناء قاعدة لدعم قضية البوسنة في اوروبا واميركا الشمالية. كما طلبت منها الاتصال بالمصادر النافذة في شبكات التلفزيون الاربع، وجريدتي ال"واشنطن بوست" وال"نيويورك تايمز"، ومحاولة تركيز قدر اكبر من الاهتمام على تلك القضية. وفي الوقت نفسه بدأت عملية الاتصال بالوزراء الاوروبيين، وكان دوغلاس هيرد اول الذين هاتفتهم. قلت لهيرد: "لقد سلكت البوسنة الطريق الصحيح نحو تحقيق الاستقلال وهي تستحق منا الدعم والمساعدة كما اننا نحتاج الى استنفار الجهود من اجل عزل ميلوسيفيتش وصربيا. واني لاشعر بان من المفيد التشكيك في كون بلغراد تستحق البقاء عضوا في مجلس التعاون الاوروبي (CSCE). اجاب هيرد انه يوافقني على رأيي وانه سيبلغ اللورد كارنغتون الذي كان سيلتقيه في صباح اليوم التالي المخاوف التي تساورني، غير ان جل اهتمامه كان ينصب على محاولة ارسال قوات الامم المتحدة الى البوسنة حتى تستقر الاوضاع هناك. في اليوم التالي اتصل غنشر من اليونان، حيث كان يحاول ايجاد حل لمسألة مقدونيا، فقلت له: "علينا ان ننسق خطواتنا الرامية الى معالجة هذا الوضع المأسوي"، مشددا على ان الولايات المتحدة واوروبا" غير قادرتين على التعامل مع مشكلة البوسنة على اساس ان كل شيء على ما يرام". اجاب غنشر ان المجموعة الاوروبية قد انتهت للتو من الموافقة على انتهاج "سياسة مرنة جدا" تجاه البوسنة، وانه سيسعى بدوره الى تعزيز هذا الموقف. وبعد دقائق اتصل بي هيرد ليخبرني انه في اعقاب محادثاته مع كارنغتون، اصبح موقنا ان السبيل الحقيقي الوحيد للتأثير في ميلوسيفيتش يكمن في سحب الاعتراف بما تبقى من الدولة اليوغوسلافية، الا انه يشعر في الوقت نفسه بان من المهم ايضا التصدي لنشاط المسلحين الكروات الذين دأب تودجمان على تحريضهم. كما كرر هيرد الاعراب عن مخاوفه ازاء قوات حفظ السلام مؤكدا ان الاتحاد الاوروبي ليست لديه لا الارادة ولا القدرة على القيام بمثل هذه العملية، وفي عصر ذلك اليوم هاتفت جواو دي ديوس بنهيرو وزير الخارجية البرتغالي الذي تسلم رئاسة المجموعة الاوروبية خلفا لفان دن بروك، قائلا: "في الوقت الذي نؤكد دعمنا للجهود التي تبذلها المجموعة الاوروبية والامم المتحدة في البوسنة، وتصميمنا على عدم تجاوزها، فاننا لا نستطيع الوقوف مكتوفين بينما يتعرض الناس للذبح. ان الموقف في البوسنة يختلف عن الموقف في كرواتيا". ففي حين تصرف تودجمان من طرف واحد، وتجاهل حقوق الاقليات، وابدى رغبته في اقتسام البوسنة، فان الزعماء البوسنيين التزموا التزاما شديداً بالمبادىء الديموقراطية ومعايير السلوك التي اقرت في هلسنكي. واضفت: "ان ميلوسيفيتش قلق حيال المحافظة على الاعتراف الدولي بيوغوسلافيا. ولهذا يجب ابلاغه ان الولايات المتحدة واوروبا تعتبران انه مسؤول عما يحدث". اجاب ديوس بنهيرو انه لا يشعر بالارتياح لان الجيش الوطني اليوغوسلافي لم يعد يتصرف تحت قيادة موحدة. واوضح انه متفق معي في ما يتعلق بالموقف الذي عرضته، الا ان باريس هي التي ستثير العقبات. والحال ان محادثاتي الهاتفية ذكرتني بوجود اتجاهين متعارضين كانا...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم