الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

كتاب - "تمارين على تبديد الوقت" لفوزي يمين \r\nالشاعر ينام كمَن يموت ليكسر موته بالحلم

روجيه عوطة
A+ A-

لفوزي يمين في مجموعته الشعرية الجديدة، "تمارين على تبديد الوقت" (اللقاء الثقافي زغرتا-الزاوية 2013)، إسمان: المناكفة واللامبالاة. بهما، يتعامل مع الخارج، بحيث أنه لا يكترث به، مضايقاً إياه بلغته، التي تحمل الصورة إلى مرمى الشعر. فيمين يدير قصيدته لكل العناصر المحيطة به، إلى درجة أنه ينسى إسمه الشخصي، الذي لا يتذكره سوى عند مناداته: "وفقط حين يناديني أحد أتذكر إسمي".


فللشاعر قدرة على الهجر بدون تحسر، والترك بلا تلهف، كما يتسم بإرادة فارّة، يلجأ إليها لتبديد حضوره، والتفريط به، مكتفياً بإشعال سيجارة، تدخينها، ومن ثم إطفائها في الماء. بذلك، يكتب يمين لإخماد يومه، عبر الإقتراب من علاماته المتفرقة، والكامنة في جوانب، لا تقع تحت النظر، فهي "وراء"، أو "تحت"، أو "في"، أو "داخل". ولأنها، على هذه الحال، يطل الشاعر منها، كي لا يعير العالم الخارجي سوى استعارته، بغاية مضايقته، وبعثرته.


الشاعر الذي يواجه المفارقات
قد يشير الشكل الكتابي، الذي يعتمده يمين، إلى ضرب من ضروب المفارقة. إذ يذهب الشاعر بالإستعارة إلى نفي الواقع من خلال الواقع نفسه. بتصويب أدق، يحاول تبذير الوقت داخل الوقت عينه، كما لو أنه يتخطاه بالبقاء فيه. مردّ هذا "التناقض"، على الأرجح، هو غياب التأثر بالخارج، بسبب انقلابه إلى داخل، أي أنه استحال شقاً من الذات، التي ترنو إلى موضوعٍ ما، كأنها لا تحتاجه، "لا لشيء/ إلا لأن لا شيء/ لديّ/ فعلاً/ لأقوله/ لا اليوم/ ولا البارحة/ ولا غداً".
غير أن يمين لا يهرب من المفارقة، بل سرعان ما يؤلف باستعارتها صوراً عن المعنى المنشطر في نصه. ذاك، أن "كل قارئ يبحث عن معنى"، سيصير "جثة متعفنة"، لأنه سيبلغ موته، ولن يتمكن من الوصول إلى غايته، وخصوصاً إذا لم يدرك التباين الدلالي، الذي يطغى على غالبية القصائد، وإذا لم يتنبه إلى فطنة الشاعر، وحنكته حيال انتقاله الخفيف من مكان إلى آخر، ومن حال إلى أخرى. تضاف إلى حركته السريعة، نزعته إلى التمثيل على الآخر، والإصرار على الحلم أمامه، على رغم الموت الحاسم: "أود/ أن أموت في نومي/ كي يقولوا/ حين لا أستيقظ/ إن حلمي طال". وعندما يأخذ يمين القارئ من جهة إلى أخرى، ينصرف عنه فجأةً، كما لو أن لم يصحطبه إلى أي ناحية في السابق، "وبعد هذا كلّه/ بعد الجبل والبحر والسهل... قررّت أن أبقى في البيت".
لا تعين الإستعارة يمين على تأليف علاقته مع الخارج فقط، بل أنه يستخدمها لتشكيل هذا الخارج أيضاً. إذ يوضب الأمكنة الشاسعة في تفاصيلها، والأجسام في أجزائها، تماماً، مثلما يصور البيوت ساكنةً ثقوب أبوابها، والليل تفل في كعب فنجان، أما الجسد، فينحشر في أكمام الثياب، كما يصبح الحب مسماراً تحت تاسع أرض. تالياً، يهندس الشاعر كل خارج، يزوره بقصيدته، على أساس أنه مكمن ضيق، كأنه، بهذا الفعل، يقنع ذاته باستحالة الإقامة، أو الثبات، وذلك، ليس نتيجة غياب المتسع فحسب، بل لأن المكمن قد يرطب، ومن ثم يبهت. على هذا النحو، يشبه يمين هؤلاء الذين يذكر أنهم استأجروا غرفة ليومين، ولم يسكن فيها إلا غيابهم، "على أساس أن العمر يومان/ فلا فتحوا حقائبهم حين أتوا ولا ناموا/ وحين غادروا لم تسمع خطواتهم عتبة الباب/ ولا حتى الطريق..."


صديقتي السيجارة
يرتب الشاعر الصور في قصيدته، كما يواظب على تضييق الواسع، وأحياناً، تحويل مضمونه إلى تفصيل. بعد هذه المثابرة، يبدد يمين كل تعبه، ويفارق نصه، بدون أن ينسى اصحطاب سيجارته، أو بالأحرى استعارته، معه. عندها، يقف على العتبة بين قصيدة قديمة وأخرى جديدة، بين وقت ماضٍ وآخر مقبل، يقف كي يكتب: "لو يعود كل شيء إلى ما كان عليه/ نظيفاً، مرتباً/ أبيض/ لأبدأ وسخي من جديد". يعي الشاعر استعارته، يتمرن على استخدامها، فيصبح حنينه سبيلاً للإنتهاء من الحنين، ووقته طريقاً للتخلص من الوقت. لهذا السبب، لا ينزعج بل يُزعج، ولهذا السبب، يكسر رغبته بكامل رغبته، فيموت كأنه يحلم، ويحلم كأنه يموت.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم