الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

ترامب يلغي القمّة ... "فنّ الصفقة" أم "فنّ الفشل"؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
ترامب يلغي القمّة ... "فنّ الصفقة" أم "فنّ الفشل"؟
ترامب يلغي القمّة ... "فنّ الصفقة" أم "فنّ الفشل"؟
A+ A-

"فنّ الفشل"

يوم أمس الخميس، وبعد سلسلة طويلة نسبيّاً من المؤشّرات الإيجابيّة حول التطورات في شبه الجزيرة الكوريّة، أعلن ترامب إلغاء القمّة المرتقبة التي كان من المفترض أن تجمعه بزعيم كوريا الشماليّة #كيم جونغ أون. هذا الإعلان، وإن كسر التوقّعات المتفائلة بإمكانيّة حلّ الأزمة الكوريّة، لم يشكّل مفاجأة كبيرة للمتابعين الذين تلمّسوا نقاط تحول سلبيّة برزت خلال الأسبوع الماضي رجّحت وجود تعقيدات كبيرة في مسار الحوار. لكن إلى جانب الأسئلة حول إمكانيّة حصول تداعيات سياسيّة وأمنيّة في المستقبل القريب، كان لقرار ترامب أن يفتح أيضاً تساؤلات كثيرة عن قدرته على أن يجسّد فعلاً شخصيّة عاقد الصفقات الناجح كما روّج لذلك.

في مجلّة "سلايت" الأميركيّة، عنون فْرَد كابلان مقاله ب "فنّ الفشل" منتقداً الرئيس الأميركي بقسوة لأنّه "أظهر مجدّداً نقص مهارته كمفاوض". يرى كابلان أنّ الرئيس الأميركي "سلّم أكثر ديكتاتور وحشيّة فوزاً، وعزل الولايات المتّحدة كقوّة عالميّة أكثر". ووجد أنّ نَسْب ترامب إلغاء القمّة إلى التعابير الغاضبة التي أبدتها بيونغ يانغ يظهر أنّه لا يعلم الكثير عن تاريخ الديبلوماسيّة معها وأنّه كان بإمكان خبير حقيقيّ إخباره أنّ التصعيد الكلاميّ هو جزء من المسار التفاوضي.


"ذهن منقسم"

بحسب كريس سيليزا من شبكة "سي أن أن" كشفت الرسالة التي وجّهها ترامب لكيم عن "ذهن منقسم" بين قرار الإلغاء وإبداء آمال بالنسبة إلى المستقبل. عمليّاً انعكس ذلك على خيارين وجد ترامب نفسه أمامهما: لقد أراد بشدّة هذه القمّة لأنّها ستكون لحظة تاريخيّة، وفي الوقت نفسه لم يكن يريد أن يخسر ماء الوجه قبل اللقاء عبر الظهور ضعيفاً أمام كيم. "في المعركة بين صناعة التاريخ وتفادي اتفاق سيّئ قد يبدو – من خلال رسالة ترامب إلى كيم وبياناته العلنيّة السابقة – أنّه يفضّل (الخيار) الأوّل، إذا وحين يُجبر على الاختيار". وهذا يعني أنّ ما اتّخذه ليس قراراً نهائيّاً بحسب سيليزا.

لكنّ المشكلة نفسها قد تكمن في ما إذا كان كيم نفسه مستعدّاً لمعاودة الحوار مستقبلاً. لقد أعربت بيونغ يانغ عن تلك الجاهزيّة بعد قرار ترامب. إلّا أنّ كوريا الشماليّة عوّدت العالم على أن لا يأخذ تعهّداتها الدوليّة بشكل مضمون، فكيف ببياناتها الظرفيّة. يضاف إلى ذلك أنّ كابلان مثلاً كتب عن عدم حاجة كيم إلى هذه القمّة بعدما صنع صورة لنفسه خلال الفترة الماضية على أنّه ساعي سلام. بذلك، يكون ترامب أخطأ في قبول دعوة كيم للحوار من دون مناقشة المخاطر والفرص المحتملة مع الخبراء المقرّبين منه كما أخطأ أيضاً في رفع سقف التوقّعات.


أخطاء أخرى

يبدو أيضاً أنّ لكلّ مشكلة واجهها ترامب، مشكلة أخرى متفرّعة عنها. فالتفاؤل المفرط لم يصدر عن مصادر من داخل البيت الأبيض أو عن الإعلام المقرّب من ترامب بل عن الرئيس الأميركيّ نفسه ومن خلال تغريداته المتكرّرة. وهذا ما يضاعف مبدئيّاً مسؤوليّته في فشل أو أقلّه تعثّر القمّة لغاية الآن. النقطة السلبيّة الثانية قد تكمن أيضاً في أنّ ترامب اختار التراجع عن عقد القمّة بسبب تصريحات غاضبة من مساعدة وزير الخارجيّة في كوريا الشماليّة، بينما كانت بيونغ يانغ قد دعت الصحافيّين الأجانب إلى مشاهدة تدمير الموقع الذي أجرت فيه تجاربها السابقة. وشكّلت تلك الخطوة معطى عمليّاً وأمنيّاً أهم من مجرّد تصريحات على الرغم من حدّتها. وهذا أيضاً من الناحية المبدئيّة.

خلال الساعات القليلة الماضية، وجّه مراقبون كثر انتقادات متنوّعة للرئيس الأميركي. لا شكّ في أنّ كثيرين من مناهضي ترامب كانوا بانتظار فشل هذه القمّة، وربّما قدّم لهم الأخير بخطوته أمس إضافة إلى استعجاله إعلان انتصاراته الديبلوماسيّة، مادّة أساسيّة لانتقاده. غير أنّ ما بدأ يتمّ التداول به في الأخبار يمكن أن يكشف جانباً آخر من التطوّرات التي لا ترتبط ب "نجاح" أو "فشل" الرئيس الأميركيّ في المفاوضات.


جعلوهم ينتظرون

أشارت التقارير إلى ما هو أبعد من قضيّة إهانات وجّهتها كوريا الشماليّة إلى نائب الرئيس مايك بنس حين وصفته ب "الدمية السياسيّة" وأكثر من التهديد مجدّداً بالصدام النووي. فقد كتبت وكالة "أسوشييتد برس" أنّ ترامب وفريقه تحمّلوا الإهانات وعدم ردّ المسؤولين الكوريّين على اتصالاتهم الهاتفيّة كما انتظروا شركاءهم في المفاوضات طويلاً من دون أن يظهر هؤلاء في نهاية المطاف. مؤشّر يبرز أنّ كوريا الشماليّة فعلت الكثير لدفع ترامب إلى اتّخاذ القرار بناء على ما يراه هو في كتابه "فنّ الصفقة" كضرورة للخروج من المفاوضات في بعض حالات التعثّر.

لكن كما يذكّر التقرير نفسه، لم يخرج ترامب خالي الوفاض كلّيّاً من القمّة. فقد تمكّن من إعادة ثلاثة أميركيّين كانوا معتقلين في كوريا الشماليّة، أمر لم ينسَ ترامب أن يشكر كيم عليه في رسالة إلغاء القمّة. في جميع الأحوال، ومع استمرار بيونغ يانغ في استعدادها لعقد اللقاء، قد يكون ترامب اليوم أكثر تنبّهاً تجاه المسارعة إلى القبول به أو حتى بتأجيله لفترة قصيرة من دون مزيد من المشاورات المعمّقة مع مستشاريه. يمكن للمرء أن يتعلّم "فنّ الصفقات" داخل البيت الأبيض أكثر بكثير ممّا يمكن أن يفعل خارجه!


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم