التربية على التداول الديموقراطيّ أو الحروب الأهليّة

تتلاقى وتتصادم في مجتمعاتنا المتنوعة هوّيّات تحوي في طيّاتها قيمًا ومفاهيم مُختلفة حول الحياة والمجتمع. إستمراريّة هذه الانتماءات وتعايشها، يستدعي التفاعل بينها، من خلال المشاركة بالمختلف وبالجامع المشترك معاً. إنّ وحدة المجتمعات المتنوِّعة، تتطلب التدوالَ والنقاشَ لصياغة مواثيقَ وإبرام عهود. فتتخطَّى بذلك مفهوم "الأكثريّة" أو الديموقراطيّة العدديّة، غير المتُلائم مع النظام الديموقراطيّ الخاصّ بالمجتمعات المتعدّدة. فالوفاق الوطنيّ المُركَّز على"التسويات" في مجال المفاهيم (النموذج اللبنانيّ)، يتطلّب، من مدرسة التعايش، المساهمةَ في التنشئة على التداول الديموقراطيّ.  من جهة أُخرى، تكفي مُتابعة بعض البرامج التلفزيونيّة والإذاعيّة حتى يعتريك، بعض الأحيان، السُّخطُ من عدم توفّر القواعد الأساسيّة للنقاش لدى المشتركين فيها. كم من لقاء واجتماع وفرص تقارب باءت بالفشل من جرَّاء غياب أصول الحوار. لمعالجة هذه الآفة الاجتماعيّة، لا بُدّ من دور نُسنده الى التربية. لا يُشكِّل الوعظُ والحثُّ على الاحترام المتبادل والحمل على النقاش، الطريقةَ المثلى والكافية لتحقيق أبعاد هذه التربية وأهدافها. سنحاول أن نتطرَّق لبعض الشروط والمتطلِّبات لإقامة ساحة عامّةAgora  أو إطار لإبداء الرأي وللمشاركة فيه. وبعدَها، سنتوقَّف على جديد الوسائل التربويّة لتحقيق التنشئة على التداول الديموقراطيّ.  عدم القمع وعدم التمييز السلبيّ.لتحقيق إمكانيّة إقامة عامّيّة للتداول الديموقراطيّ، يتوجَّب  أولا ًتقليص سلطة كلٍّ من الدولة والجماعات التي ينتمي إليها التلاميذ، في تحديد التوجيهات والأُطُر التربويّة. وثانياً، يُحتَّم على الأهل وعلى الدولة معاً تفويض قسم من مسؤوليَّاتهما المشتركة إلى أصحاب الاختصاص في التربية. يرتكز حصر دور الدولة والبيئة الاجتماعيّة بالتلميذ والمربّي، ببلورة السياسة التربويّة على مبدائين اثنين. نختصر المبدأ الأوّل: "اللاّقمع" la non- répression. والمراد به عدم ردع المرء عن التداول الفكريّ في أيّ نظريّة أو مفهوم حول "الحياة الجيّدة" أو " المجتمع العادل" من أيّ مكان أو زمان أتت. والمبدأ الثاني هو "عدم التمييز...