الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

قبل أن يحلّ "فالنتاين" بيننا

غسان صليبي
قبل أن يحلّ "فالنتاين" بيننا
قبل أن يحلّ "فالنتاين" بيننا
A+ A-

مزعجٌ فالنتاين. يصر على تذكيرك بحالك وبأحوالك. يزورك مرة في السنة، وفي نيته ان يقلب حياتك رأسا على عقب. 

يسائلك فلنتاين مباشرة ومن دون مواربة: هات اخبر(ي)ني عن عشقك؟

إن كنت عاشقا فستخبره ولن تدعه يقاطعك من كثرة حماستك.

لكن ماذا لو كنت عاشقا من طرف واحد؟

ماذا لو انك غير عاشق، عازباً أكنت أم متزوجاً أم مطلقاً أم أرمل؟

هل تتحمل أعصابك مثل هذا السؤال المحرج لذاتك مع ذاتك؟

هل تسمح الغصة في حلقك بأن يخرج الكلام من فمك، فتبوح له عن أسرار قلبك؟

ربما أجبته بداية وباستهزاء: "ما أفضى بالك يا فالنتاين". فهذه طريقتك المفضلة للهرب من المواضيع التي تؤلمك.

ربما، ومن كثرة إلحاحه ومن الضجيج الإعلامي الذي يرافق زيارته، تتعاون معه تحت الضغط وتخبره بما يحول بينك وبين عشقك.

قد تبدأ بما هو من السهل البوح به، من مثل وضعك المعيشي، طائفتك، عمرك، زواجك، تجاربك السابقة.

قد تتشجع وتتكلم عن العادات والتعاليم الدينية الخانقة، أو عن ثقافة الاستنفار الدائم والعنف ضد الآخر التي تحاصرنا منذ عقود، والمعادية لكل مشاعر الحب والفرح.

وقد يصل بك الأمر الى أن تخبره عن خوفك الدائم من العشق، أو عن تعقيداتك وتلبيكاتك الجنسية والنفسية.

أخبرته أم لم تخبره، لا بد أنك تفتقد في هذا اليوم، العشق الذي تحتاجه كما الهواء النقي.

أحلامك، نكاتك، نظراتك، غضبك، قسوتك، عدوانيتك، مذهبيتك، طائفيتك، عنصريتك، سوداويتك، ضيق نفسك، تشاؤمك...

جميع خصالك هذه، تشهد على وحدتك، وعلى حاجتك لأن تحبّ ولأن يحبّك أحدهم.

لا أعرف ظروفك وما اذا كنت قادراً على إعادة الاعتبار إلى حاجات قلبك وجسدك. لكنها ولا شك مناسبة سنوية لتطرح الموضوع على نفسك بشيء من الجدية.

دعني أساعدك وأخبرك عن صديقي الفرنسي جورج بودري Georges Baudry. بدأ حياته كاهناً وانخرط في جماعة "الكهنة-العمال" الذين راحوا يعملون في المعامل ويناضلون الى جانب العمال على رغم رفض الفاتيكان في البداية، وقبل أن يعود البابا بولس السادس ويسمح بالظاهرة.

سرعان ما ترك صديقي جورج الكهنوت وعمل كحرفي، وتزوج من امرأة بقي يحبها حتى وفاتها، وكانا قد أصبحا مسنّين.

في بيته الصغير في باريس، كان جورج يضع على الحائط، صورة لثديي زوجته العاريين، ويسألك بفخر: أليسا جميلين؟ انها صورة أخذت لهما على أحد شواطئ للعراة.

حزن جورج كثيرا لوفاة زوجته وكان قد أصبح في الثمانينات، يمشي مستعيناً بالعكازتين لأوجاع في الوركين والمفاصل. وقد حرص خلال زيارتي بعد وفاتها، أن يريني كيف يحافظ على أشيائها في سريرهما وفي بيته.

زرت جورج بعد سنة او سنتين وكانت صعوبات المشي قد تضاعفت. لكن جورج كان متلهفاً لإخباري أنه عاشق من جديد!

هي إمرأة من عمره، يكتب لها كل يوم رسالة، وينتقل بصعوبة فائقة وبالعكازتين من بيته إلى الشارع المقابل، ويضعها بنفسه في صندوق البريد، ليعود ويتصل بها على الهاتف خلال النهار ليتحدثا عما كتبه وعما لديه ولديها لقوله.

لعلني اخترت ان أخبر عن صديقي جورج، ليس فقط لأنه عاشق دائم وحتى آخر رمق، بل ربما أيضاً لأن قلبه عرف كيف يوفق بين الحب الخالص وعشق الجسد العاري، في مسار طويل من التحرر الذاتي والنضال الجماعي من أجل كرامة البشر.

كل "فالنتاين" وأنتم تعشقونيا أصدقائي، أو تحاولون أو تتمنون أن تعشقوا.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم