الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

جولة لـ "بوزار" تضيء جمالات طرابلس الأثرية... ومدى إهمالها

المصدر: طرابلس - النهار
رولا حميد
جولة لـ "بوزار" تضيء جمالات طرابلس الأثرية... ومدى إهمالها
جولة لـ "بوزار" تضيء جمالات طرابلس الأثرية... ومدى إهمالها
A+ A-

نظمت جمعية "بوزار" الثقافية جولة في أحياء مدينة طرابلس القديمة حيث الكتلة الأثرية التاريخية، باسم "طرابلس بعدستنا"، في مسيرة شارك فيها ما يزيد على مئة شخص من مختلف المناطق، والمهن، والانتماءات. 


أرادت بوزار التعريف بالمدينة التاريخية الأثرية، والإطلاع على أحوالها، وحياة سكانها، حيث تختلط بيوت السكن بالأبنية الأثرية، وربما اعتبرت البيوت جزءا لا يتجزأ من المدينة، فتشكلت ككتلة يطلق عليها اسم طرابلس المملوكية، وهي ثاني أكبر مدينة مملوكية بعد القاهرة. 

انطلقت المسيرة من جامع طينال الواقع عند المدخل الجنوبي للمدينة، وهو أجمل مساجد المدينة، وكان كنيسة لاتينية، ويمتاز بمئذنته المزدوجة الأدراج، واحد للصعود وآخر للنزول.

بعد طينال، عبرت المسيرة حي الدبابسة الذي أسسه آل دبوسي، فحمل اسمهم، وفيه مدرسة معروفة بـ "الدبوسية"، ومرت المسيرة بأزقة متعرجة صممت بشكلٍ عسكري، ومنها وصولاً إلى جامع المعلق، وإلى جانبه أجدد حمام بطرابلس، وهو عثماني يعرف بالجنزير نظراً لوجود سلسلة محفورة من حجر بتقنية فنية عالية فوق مدخله، كما يعرف بالجديد، وجرى ترميمه أخيراً. ومنه إلى مبنى الخانقاه الأثرية التي تستخدم لإيواء مجموعة من الأرامل، وهو بحالة مزرية. 

بعدها عبرت المسيرة قرب جامع الطحام، ومنه غرباً باتجاه مدرستي الخاتونية والسقرقية، حيث اشتهرت طرابلس بمقولة "بين كلّ مدرسة مدرسة"، وفيها كان يتم تعليم القرآن الكريم، وعلوم الدين، ومنها عدة مدارس تقع بتخوم المسجد المنصوري الكبير، ومنها القرطاوية، أكبر وأفخم مدارس طرابلس القديمة، ومدرسة الناصرية، والشمسية، والمشهد.

المسجد المنصوري يعرف بالكبير لأنه أكبر مساجد المدينة، والذي رمم، وبات بناؤه سليماً، والجامع شهد أهم تطورات أحداث المدينة، وتحولاتها السياسية، وبعده إلى سوق الذهب، وعبر باب صغير فيه، يلج الزائر حمام النوري المحاذي للمسجد المتخفي بضخامته، وما يحويه من فخامة منتهكة، خلف الباب الخفيض حيث كان له دور تاريخي مهم إذ كان الرجال ينظفون أنفسهم فيه قبل دخولهم المسجد، ولا إضاءة فيه، ولا نظافة، وتكتسيه الطحالب من خارجه، وبقايا دخان أسود على جدرانه الداخلية، يتبع لدار الأوقاف الإسلامية، ويقع فوقه قصر لآل السندروسي.

بعدها حطت المسيرة في سوق العطارين، فإلى البازركان، وسوق السمك، ومنه إلى جامع سيدي عبد الواحد، ومدرسة الدبها، وجامع الأويسية، وصولاً إلى حمام عز الدين الذي كان كنيسة لاتينية زمن الصليبيين، وتتولى إدارته مديرية الآثار. وضع الحمام مقبول ومنار جلياً حيث جرى ترميمه منذ نحو خمس سنوات.

ثمّ انطلقت المسيرة نحو شارع الكنائس، مروراً بسوق النحاسين الشبه منقرض، وصولاً إلى كنيسة مار نقولا، ثم كنيسة مار جرجس الرائعة الداخل، حيث دهش الحضور لما فيها من زخارف، وجمالية هندسية.

في هذه الكنيسة، ألقى مؤسس "بوزار"، ورئيسها، الدكتور طلال خوجة كلمة لفت فيها إلى أنه "فقط في طرابلس، من يعرض تاريخ المسجد وعراقة عمارته ليس بالضرورة أن تكون أو يكون مسلماً، ومن يعرّف بالكنيسة وجماليتها والحقبات التي مرت فيها ليس بالضرورة أن يكون أو تكون مسيحية". وقد أكد خوجة أن "هذا الأمر يحصل في طرابلس فقط بالرغم من محاولات عديدين لصبغها بلون ليس بلونها". 


ختمت المسيرة في الأسواق الداخلية بسوق حراج لشرب الليموناضة التي تشتهر بها طرابلس (مدينة الحمضيات وسميت بالفيحاء تيمنناً بعطر زهر الليمون) واستعراض حقبة تاريخية تعود لزمن الفينيقيين. أما السوق، فهو بقايا معبد قديم، روماني الطابع، لا تزال عدة أعمدة ضخمة من الغرانيت الأسود ترفع ما تبقى من سقفه.


تخرج المسيرة إلى الزاهرية لرؤية جزء من الكنيس اليهودي الخلفي، وعدم ظهور شكله الأمامي حيث استعمل المكان للسكن فيه فغابت معالمه. إلا أن اليهود الذين يمتلكون عقارات مؤجرة لا يزال يستحصل إيجاراته محامٍ، ويرسلها للقيمين عليها.


خوجة تحدث عن الهدف من المسيرة بقوله: "توخينا من الرحلة توجيه عدة رسائل، الأولى، أن طرابلس هي مدينة موحدة، تتجاوز دائما كل ما يحصل من طوارئ على طبيعة حياتها، وألفة سكانها بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم. والثانية، أن طرابلس بتاريخها، وتراثها، وآثارها عندها ميزة كبيرة لا تتمتع بها أي مدينة أخرى". 


وقال:"لمسنا حيوية من المشاركين بطرح اسئلة كثيرة، وفتح حوارات واسعة، وجرت مسابقة حول التصوير تعبر عن واقع الحال، حتى لو كان المنظر بشعاً، وطرحت تسمية المسابقة بـ "عشوائيات".  


وأبدى خوجة مفاجأته بحجم التناقض بين جمال التاريخ الموجود في الحارات، والمساجد، والكنائس، والأسواق، والخانات، وبين قبح الإهمال الفاضح من عشوائية النفايات، والاعلانات، والفوضى بشتى مظاهرها، قائلا: "لقد حملنا النخب، والمسؤولين جميعاً، مسؤولية الأحوال المتردية".  

منسقة الرحلة رلى دندشلي أسفت لـ "التناقض الفاضح ما بين فخامة الأبنية، وقدمها، وغناها، وتنوعها بين العصور المملوكية، والصليبية والعثمانية، وروعة الهندسات المعماريّة، وبين المهملات المتشعّبة الأوجه، وفوضى الأمكنة، وتكسر بلاط الأرصفة، ومنها ما هو غير مرصوف. ومقارنة ببقية المواقع السياحية المرتبة، كان الوضع صادماً لكثيرين من المشاركين من أهالي المدينة ومن خارجها". 


وختمت أن "المحزن ليس فقط إهمال المعنيين، بل عدم معرفة سكانها بأهمية منطقتهم سياحياً وتاريخياً". 


دندشلي نسقت الجولة بمساعدة مجموعة من الشباب، وقالت: "طلبنا من المواطنين أن تقام لقاءات لاحقة بيننا وبينهم لتشكيل قوة ضغط من أجل دفع المعنيين بأمور التنمية والآثار، للاهتمام بالمواقع التي تحتاج لذلك". 


تخللت المسيرة مسابقة لتصوير أفضل لقطة تؤخذ خلال الجولة حصراً، على أن تفرز الصور المتسابقة، وتعطى النتيجة بعد شهر. 






حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم