الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

فيليب غاريل: السينما هي الفنّ الوحيد الذي نعرف أصله وستندثر إذا تخلّينا عنه

المصدر: "النهار"
فيليب غاريل: السينما هي الفنّ الوحيد الذي نعرف أصله وستندثر إذا تخلّينا عنه
فيليب غاريل: السينما هي الفنّ الوحيد الذي نعرف أصله وستندثر إذا تخلّينا عنه
A+ A-

قدّم فيليب غاريل في ٢٠١٧ أحد أجمل أفلامه: "عشيق ليوم واحد". اكتشفناه في كانّ، داخل فقرة "اسبوعا المخرجين". كعادته، بساعة وربع الساعة، خرج السينمائي الفرنسي الكبير بحكاية متعددة وخطاب يضع الإنسان وتناقضاته وهواجسه وشغفه في قلب العالم. حكاية متعددة بتعدد المعنى والأسلوب مشبعة بالسخرية. حكاية تحمل توقيعه: بلاغة وعشق لامتناهٍ للحياة وبراعة سردية. غاريل، تلميذ "الموجة الجديدة" هذا، لا يفرط بأي ثانية في فيلم لا يدّعي مناقشة قضية ملحّة، الا ان الأحاسيس الصغيرة هي التي تصنعه فتتصاعد إلى الحلق على دفعات.  


الشخصيات ثلاث: أستاذ فلسفة (اريك كارافاكا)، عشيقته التي هي تلميذته (لويز شوفيوت)، وابنته (إستير غاريل). الحكاية ستجمع الثلاثة في مكان واحد، تحت سقف القمقم الأبوي، بالمعنى الباريسي للكلمة. عناصر عدّة يستلفها غاريل من "الموجة الجديدة" لتشكيل ملامح فيلمه وتفاصيله. الكلمة هنا للنساء في مقتبل عمرهن وسحرهن وتجربتهن. هذا كله في إطار مثلّث لن يكون غرامياً بقدر هو فلسفيٌ، حيث الجنس يلتقي الحبّ، ولحظات البهجة تقاوم اليأس. الشأن العادي يصبح قبالة كاميرا غاريل كأنه لحظة تتفلت من قصيدة (تصوير السويسري ريناتو برتا)، فنشعر بأننا في عمق الستينات، أقله روحاً، ولا سيما مع العناية التي يأتي بها غاريل للكادر وإدارة الممثلين الذين بالكاد يمثلون.  

غاريل رسّام الأهواء البشرية، ريشته ملطّخة هنا بحبر البساطة، والكثير من الشغف وبهجة صناعة فيلم. الأهم انه يعرف كيف يجعل شغفه يوافق شغف الشخصيات التي يحملها على راحتيه، وكيف يمزج الألوان، فتتشكل لوحة جديدة من ألوان سبق ان استخدمها كثيراً، ويتأتى هذا كله من إحساس الحريّة التي يروي ظروفها في المقابلة الآتية (أجريناها في مهرجان كانّ الأخير). عذابات الماضي وتأجيج العواطف تحوّلا عند غاريل مع الزمن إلى حكمة ومصالحة مع الذات، و"عشيق ليوم واحد" أحد تجلياتها.

* أيزعجك ان التقط لك الصور خلال المقابلة؟

- اطلاقاً. إفعل ما تشاء.


* ألا يزعجك ان يُقال إنك تنجز دائماً الأفلام نفسها، وخصوصاً في السنوات الماضية؟ 


- لا. هذا صحيح. في أي حال، فيلمي الأخير يأتي ضمن ثلاثية، اذا كان هذا ما تقصده. في الحقيقة، تعمّدتُ ان تكون الأفلام الثلاثة الأخيرة متقاربة ومتشابهة إلى حدّ ما. في البداية، لم أكن أخطط لثلاثية، ثم انحزتُ للفكرة تدريجاً، وأُعجبتُ بها. قد لا تنتبه خلال العرض، لكنها أفلام قصيرة جداً. وهذا سببه محض إنتاجيّ. كانت في تصرفي موازنة ضئيلة، ولكن لي كامل الحرية ان أفعل ما أريد. في الحقيقة، أنا أمام خيارين: إما ان أخرج أفلاماً أسند فيها الأدوار إلى نجوم وأعثر بالتالي على ٤ ملايين أورو، وإما أختار أفلاماً مع ممثلين غير معروفين وأتلقى مليوناً ونصف مليون أورو. أنا أفضّل ان أنجز أفلاماً مع أشخاص لا يعرفهم أحد. هذان هما الخياران المتاحان أمامي. أما ما ليس متاحاً، فهو ان أنجز أفلاماً بـ٤ ملايين أورو مع ممثلين غير معروفين. لأن الأمر سيبدو نزوة. مثل هذا الشيء قد يُتاح لي مرة، لا مرتين. وبما انني أريد ان أستمر في التصوير طوال حياتي، فأنني حريصٌ على دراسة اقتصاديات السينما. أقيّم دائماً ما أستطيع ان أفعله وما يتعذر عليَّ فعله، وهذا منذ مرحلة وضع السيناريو. 

* ولكن ماذا الذي تستطيع فعله بأربعة ملايين و"تمنعك"المليون ونصف المليون من القيام به؟ 


- أستطيع مثلاً ان أنجز حركة كاميرا صعوداً من النافذة هنا بواسطة ونش (ضحك). بدلاً من تصوير فيلم مؤلف من ٢٥٠ لقطة، يمكنني تصوير فيلم من ٧٠٠ لقطة، وسيقول الناس انني عبقريٌ. ٢٥٠ لقطة، جيدة! لكنهم يشكون بأن الإيقاع بطيء. بموازنة ضئيلة، لا يمكن ان تنافس إنتاجات هوليوود. ولكن في المقابل نحن في فرنسا أكثر حرية منهم بمراحل؛ أن تمسك بالقرار النهائي في ما يتعلق بالمونتاج، هذا أهم شيء في الدنيا، أقله عند المخرجين الفرنسيين. أن يملك المنتج الكلمة الأخيرة في المونتاج، فهذا ما لا يقبله الكثير من السينمائيين. في فرنسا، لا يجوز ان تسلّم الـ"راشز" (المادة المصورة) للمنتج ليفعل به ما يريد. هنا، القانون يعطي المخرج الحق دائماً، بمعنى انه اذا نشب خلاف على مونتاج فيلم ما، وذهب الطرفان إلى المحكمة، فالقانون ينصف فوراً المخرج. هذا أمر أساسي للسينما الفرنسية التي لا تستخدم سوى عشرة في المئة من إمكانات السينما الأميركية. 

* مرةً أخرى، هناك شخصيات قليلة. ثلاث فقط… 


- لو كان عندي ١٥ شخصية، لما استطعتُ دفع أجورها، كوني أعمل في ظلّ موازنة شحيحة. الإمكانات المتوافرة هي التي تحدد تقريباً الموضوع. الأمر أشبه بمعماري يشيّد منزلاً. لو خطط لبناء منزل رهيب ولا يملك الا ثلث كمية الإسمنت المطلوبة، فسيقع في العجز. السينما والهندسة المعمارية هما الفنّان والصناعتان اللتان تستسلمان لهذا القانون. ما يحصل داخل منظومة الصناعة هو الذي يعطي نكهة لعملنا. يجب ان نكون صنّاعاً كي ننجز أفلامنا بشكل جيد. والسينما التي ننجزها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسينما التجارية، إحداهما غير موجودة بدون الأخرى. سينما المؤلف ما كانت لتنوجد لولا السينما التجارية التي يعتاش عبرها العاملون في مجال التكنيك والمختبرات. في المقابل، لا توجد سينما تجارية بلا سينما المؤلف لأنها في حاجة للتجدد. لنأخذ ديفيد لينتش مثلاً: الرجل ترك تأثيراً كبيراً في السينما الأميركية التجارية ذات الصبغة الدرامية. من بعده، صاروا ينجزون أفلاماً لا نفهم منها كلّ شي. لم يعد الموضوع بتلك الخطورة. فجأةً، هناك خطأ في المنطق، كما في الأحلام، والخطأ يستمر... فالسينما التجارية استولت على هذا النمط الذي بدأ مع لينتش. حالياً، توجد ألغاز ميتافيزيقية في أفلام البلوكباستر الأميركية، وهذا مصدره سينما المؤلف. لهذا السبب، مهرجان كانّ يعكس ما يحدث في السينما العالمية، لأنه يضم النوعين، خلافاً لمهرجان البندقية حيث الفنّ هو الغالب.  

* على سيرة لينتش، هو صرح أخيراً انه ينوي التوقف عن صناعة الأفلام… وهذه حال آخرين أيضاً من كوريسماكي إلى تار. 


- يصعب عليّ تخيل ما يدور في رأس بعض السينمائيين الكبار. عندما أنجز لينتش "مولهولاند درايف" قيل انه أعظم فيلم في التاريخ. قبل ذلك، أعظم فيلم في العالم كان "آخر تانغو في باريس"، وبينهما ربما "باريس تكساس" لفيم فندرز. "خولييتا" لألمودوفار كاد ان يكون أعظم فيلم في العالم. لا أعرف ما الذي حلّ بهم، بصراحة! أتذكّر انه بعدما أنجز "أمبرطورية إينلاند"، قال انه لن يعود أبداً إلى التصوير بالـ٣٥، لأن الديجيتال يسمح له بإنجاز فيلم بمفرده، فقط مع معاونين إثنين. الأمر أشبه بأن نسأل لماذا شانتال أكيرمان شنقت نفسها. حتماً لأسباب شخصية خاصة بها، ولكن هناك أسباب سينمائية نحن معنيون بها. لم يسبق ان كنّا تحت سطوة الصورة كما نحن الآن، وهذا الأمر يتعزز عاماً بعد عام. المفارقة ان السينما رغم هذا كله، مهددة بالموت، مرة كلّ خمس سنوات! يكفي ان يتم الغاء نظام "التسبيق على الإيرادات"، فنحن نموّل سينمانا على ظهر السينما التجارية. من الأسباب التي تعنينا في انتحار شانتال: يكفي ان نرى الإمكانات التي لجأت اليها لتصوير فيلمها الأخير، أي كاميرا صغيرة لتسجيل المقابلات. تدبّرت أمرها لإنجاز فيلم شارك في مهرجانات في نيويورك ولوكارنو، الخ. في مهرجان لوكارنو، كلّ المشاهدين خرجوا من الصالة، واحداً تلو الآخر. كانت تسمع الكراسي تحدث ضجيجاً وهي تُطوى. تواصل هذا النزيف طوال الفيلم. عاشت هذا للمرة الأولى في حياتها، وقالت في سرّها: "انها النهاية". بالمصادفة، كنت في مهرجان نيويورك. قيل لي انها ستأتي، ثم بلغني انها انتحرت. كانت من القلائل في الوسط السينمائي الذين صادقتهم. انتحار شانتال يعنينا. يدفعني إلى السؤال الآتي: كيف يحدث ان فيلمها يُعرض في لوكارنو ونيويورك، وعندما أنجزته لم تكن تملك سوى كاميرا صغيرة؟!هناك خلل في مكان ما. يُطلب منك ان تنجز فيلماً بلا أي إمكانات، وعندما تنجزه يطبلون لك، ثم عندما يشاهدون ما صنعته يحدث ان الكلّ يخرج من الصالة. المشاريع السينمائية اليوم كثيراً ما يُساء تقديرها ويقلل شأنها. يُقال دائماً: لمَ فيلمٌ جديد؟ هناك الكثير من الأفلام. حتى موريس بيالا عانى من هذا. قال حرفياً ان الإنتاج شيء جنوني. مع ان أعماله بين عمر الأربعين والسبعين، أغوت الكثيرين، وكان يأتي بعد تروفو مباشرة ولديه تلامذة بقدر ما لدى تروفو من تلامذة. صناعة السينما فيها الكثير من العنف. عنف شديد رغم الشغف. الأمر نفسه في مجال العمارة. لا تحتاج إلى ان تكون مجازاً بالهندسة المعمارية، كي تفهم ان المهندسين لا يبنون ما يرغبون في بنائه. نقول دائماً عن العمارات الحديثة بأنها قبيحة. صحيح هناك معماريون فاشلون، ولكن هناك منهم مَن لا يُعطى سوى امكانات محدودة. الأمور في منتهى التعقيد. وأعتقد لهذا السبب، بعض المخرجين يصابون باليأس ويتخلون عن السينما. 

* أفلامك لا تزال امتداداً لـ"الموجة الجديدة". الموجة لا تزال حية في أعمالك. لا توجد اشارات مباشرة لها في أفلامك الأخيرة، ولكن كلّ شيء يذكّرنا بها، من استعمال الزمن إلى الفضاء، سواء الحي أو الشقة الضيقة في باريس أو نوعية المواقف التي تضع فيها شخصياتك. يدهمنا إحساس بأن "الموجة" تتجسد مجدداً في الحاضر، وهو حاضر معلق في كلّ حال. في أفلامك، ثمة حضور للكتاب أكثر من حضور الهاتف الخليوي. استخدام الـ٣٥، الأبيض والأسود، الحبّ المجنون الذي يُعتبر أحد مكونات "الموجة". رومير، أوستاش… 


- (مقاطعاً)... أعتقد انني أقرب إلى أوستاش مني إلى رومير. مراراً، عدتُ لزيارة أشياء كان فعلها أوستاش الذي يكبرني بعشر سنين، وهو كان أول مخرج نشأ بعد "الموجة"، وأنا كنت الثاني، فيما شانتال كانت الثالثة. ثم، هناك تيشينه ودوايون. كما كان يقول غودار، "مسدس وفتاة يصنعان فيلم". "الموجة الجديدة" احتفظت بالمسدس. أما نحن، فتخلينا منذ أوستاش، عن المسدس، واحتفظنا بالفتاة. كان اهتمامنا: كيف يضعون كاميرا بين الرجل والمرأة. هم يأتون من رونوار وبيكير وفيغو، إذا شاهدنا أفلام هؤلاء الثلاثة جيداً، نرى كم تروفو تأثر بهم بشكل كبير. نحن ولدنا من الجيل الذي سبقنا. كذلك بالنسبة للفنّ التشكيلي. نشعر بأن شخصاً جاء اسمه كارافاجيو. "الموجة الجديدة" بأهمية بيكاسو في الرسم. انه انقطاع، فقفزة إلى الحداثة. كما كان يقول هيتشكوك، الناس يضجرهم الحديث عن حياتهم. انهم بحاجة إلى الهرب منها، لهذا السبب نريهم أشياء لن يفعلوها قط، كالجريمة مثلاً، فترى انهم يناصرون القاتل. هم لم يقتلوا قط، لكنهم يتعاطفون معه (…). في الفنّ، لا يمكن ان يكون هناك تطور. بما انه زمن الهولوغرام حالياً، ماذا لو أخرجنا مسرحية مع ممثلين من لحم ودم وأسندنا أحد الأدوار إلى هولوغرام. المسرحية لن تكون أفضل من الزمن حيث الهولوغرام لم يكن موجوداً. فكلّ هذه الابتكارات الحديثة، من الواقع الإفتراضي إلى الأبعاد الثلاثة، لا أعتقد انها تعدّل السينما، التي هي منذ البدء ضوء مسلط على شاشة بيضاء في صالة مظلمة. التطور ليس ممكناً داخل الفنّ، وهذا صنو الفنّ نفسه، خلافاً لصناعة السيارات. بعض أفلام لوميير أو مورناو يتساوى مع أهمية "أن تعيش" لغودار.  


 
 * قبل ان تدخل، كنت أناقش مع زميل عمّا اذا كنت صورتَ الفيلم بالشريط السينمائي الـ٣٥ مم، ولمَ لا تزال مصرّاً عليه حتى اليوم… 


- هناك العديد من السينمائيين الفرنسيين لا يزالون يصورون بالشريط، ربما نصفهم. في هولييود، هناك شلة تصوّر بالشريط. يصوّرونه بالشريط، ولكن يخرج من غرفة المونتاج بنسخة رقمية. في المقابل، لا أعتقد ان الفيلم المصوَّر بالأبيض والأسود سينقرض، لأن السينما وُلدت بالأسود والأبيض. لا يُمكن التخلي عن الأصل، حتى لو أسقطنا من حسابنا الكثير من الأمور. اذا زرتَ معرضاً للفنّ المعاصر، احتمال ان تجد الكثير من اللوحات الزيتية قليل، لكنكستجد بعضها. لا يجوز التخلي عن أصل السينما. السينما هي الفن الوحيد الذي نعرف أصله. هنري لانغلوا هو الذي شرح لي مرةً ان كلّ شيء يندثر في حال التخلي عن الأصل. اليوم، بتنا نعي ان الرقمي لا يصلح للاحتفاظ، وأحياناً يُمحى. داخل الشريط، اذا كانت هناك صورة مشوهة يمكن اصلاحها. اسطوانة الـ"دي في دي" اذا تحطمت لا يمكن اصلاحها مجدداً. عندما صوّرتُ في استوديوات تشينيتشيتا في العام ٢٠١٠، رأيتُ الأميركيين ينسخون مسلسلاتهم التي يصورونها بالتقنيات الرقمية على شريط، بهدف ترميمها في المستقبل، بعد ٣٠ سنة. كلّ الأجهزة التقليدية كانت متوافرة. هذا كله يؤكد ان كلام لانغلوا صحيح.  

* كيف اخترتَ اريك كارافاكا لدور البطولة؟ هل الشبه مع ابنتك التي تمثّل دور ابنته في الفيلم؟  


- فعلاً مناسبان أحدهما للآخر اريك كارافاكا كان صديقاً لوالدي الذي رحل قبل نحو أربع سنوات. تشاركا معاً بطولة "شقيقه" لباتريس شيرو. كارافاكا ممثل ممتاز. وهو شخص جيد جداً في الحياة. فأخضعته لامتحان. وخلال التمارين، أدركتُ انه ملائم جداً ليكون والد إستير. ثم بحثتُ عن طالبة في الكونسرفاتوار، فوجدتُ لويز شوفيوت. أردتها أصغر من كارافاكا بثلاثين عاماً، كي نرى جيداً انهما أستاذ وتلميذة. عادةً، هناك غش في هذه المسألة: يأخذون ممثلة عمرها ٣٠ لتمثّل ابنة عشرين. وأحياناً لا يغشّون، بل يخطئون: أجد مثلاً ان "لوليتا" لكوبريك يشكو من خلل في الكاستينغ. لا نصدّق للحظة ان جيمس مايسون في الفراش مع هذه الممثلة، التي هي ممتازة للمناسبة. أجد انهما لا يلائم أحدهما للآخر، حتى لو صحيح ان للفيلم ميزات كثيرة. أذكر هذه الملاحظة، ولكن أدرك جيداً ان الأميركيين عادةً أبرع منّا بكثير في اختيار الممثلين وخلق حالة انسجام بينهم. الكيمياء ضرورية عندهم ويجتهدون للحصول عليها. في فرنسا، نحن لا نزال في "زمن الكهوف". أحياناً، يختارون أشخاصاً لم يلتقِ أحدهم الآخر. المرة الأولى التي يلتقي بعضهم بعضاً هي أول يوم تصوير. كيف سيعرف المخرج اذا كانت هناك كيمياء بينهم؟ هناك عدد لا يُحصى من الأفلام تفشل بسبب إهمال هذا الجانب. بعضهم يعتقد ان الأمر أشبه بأن تضع صورتين واحدة جنب الأخرى في صالة المونتاج. الحضور الجسدي بين ممثلين يتشاركان بطولة فيلم، لا علاقة له بما قد يحدث عندما نقرب صورتين فوتوغرافيتين إحداهما من الأخرى. 


* في الفيلم تتحدث الشخصيات عن الجزائر وعن حرب مقبلة… 


- فرنسا بلد العرب والبيض معاً. كلّ شيء يأتي من سطيف في الجزائر. غداة الحرب العالمية الثانية، يحصل تمرد في سطيف. العرب الذين حرروا فرنسا من النازيين، وحاربوا جنباً إلى جنب مع أنصار ديغول، قُمعوا يوم أرادوا التمرد، فوقع ٣٠ ألف قتيل. الفرنسيون قتلوا العرب في حين ساعدهم العرب للتخلص من الألمان. ثم، هناك حرب الجزائر…  


٩٦ في المئة من الفرنسيين كانوا مؤيدين لجزائر فرنسية، مقابل ٤ في المئة مع جزائر جزائرية، في حين ان ٩٤ في المئة منهم كانوا ضد المقاومة. التاريخ المشترك للعرب والفرنسيين حاضر بقوة إلى يومنا هذا، لهذا السبب صعود اليمين المتطرف في فرنسا لا يتجسد عبرالنيو موسولينية كما في إيطاليا، إنما عبر تغذية المشاعر المعادية للإسلام. معاداة العرب في فرنسا أقوى من الحنين إلى موسوليني في إيطاليا. انه شيء جاهز تسحبه من تحت السجّادة. لهذا السبب أتكلّم عنه. انه الشقّ السياسي في الفيلم. فأنا أحاول ان أطعّم أفلامي ببعض السياسة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم