الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

"الخاتونية" و"السقرقية" مدرستان تحتضنان روحية دينية... وقفيات لعمل الخير وحفظ الأجر (صور)

المصدر: "النهار"
طرابلس- رولا حميد
"الخاتونية" و"السقرقية" مدرستان تحتضنان روحية دينية... وقفيات لعمل الخير وحفظ الأجر (صور)
"الخاتونية" و"السقرقية" مدرستان تحتضنان روحية دينية... وقفيات لعمل الخير وحفظ الأجر (صور)
A+ A-

تنتشر في مدينة #طرابلس القديمة مدارس مملوكية كثيرة لا يزال معظمها قائماً حتى الساعة، وكانت تستخدم بعضها كمدارس لإعطاء الدروس الدينية والمواعظ والتعبد، ومن أبرز هذه المدارس الخاتونية والسقرقية، وقد لعبتا في مراحل مختلفة دوراً جمع الصلاة والتعليم الديني، بالمساعدة الاجتماعية، والبر، والإحسان. وكل من المبنيين وقفيات خصصهما أصحابهما لعمل الخير، وحفظ الأجر في الآخرة. 


تقع المدرستان بمواجهة إحداهما الأخرى في محلة الدفتردار في باب الرمل، يفصل بينهما الطريق العام الضيق، يوم لم يكن يُتاح للسيارات المرور في الممرات الضيقة القديمة، وجرت توسعته بشقّ النفس، وبات متّسعا لعبور سيارة واحدة، بصعوبة. لذلك، يرتاح المواطنون في تنقلاتهم على الأقدام، ويشعرون برحابة المكان حيث ساحة فسيحة بعض الشيء تحوطها المدرستان وبعض المحلات التجارية من دون إزعاج آلي حديث. 


استخدمت المدرستان من تيارات دينية وصوفية، بصورة متقطعة، ومورست فيهما تقاليد تلك التيارات، لكن دار "الأوقاف الإسلامية" في طرابلس، وضعت يدها عليهما، بالتنسيق مع من استخدمهما سابقا. 


المدرسة الخاتونية  


بنيت المدرسة سنة 1371م - ٧٧٣ هجرية، وفق نص الوقفية المسجلة على بابها الشمالي، بناها نائب السلطنة في طرابلس الأمير عز الدين أيدمر الأشرفي بالاشتراك مع زوجته أرغون، وكانت الزوجة أيام المماليك تلقب بالخاتون، فقد عرفت المدرسة بـ"الخاتونية". 


كانت ارغون خاتون إحدى الجاريات التي أعتقت وحرّرت، وبعد وفاتها، كانت الصلوات تُتلى على قبرها، كما كان الفقراء من المسلمين يطعمون ويدرسون ويكسون فيها. وساعد زوجها الرجل الغني في وقف أملاكها.  


صممت المدرسة على شكل مربّع منحرف، تتألف من صالة دخول وقاعتين، يحدّها من الجهة الشمالية قبر المؤسس، وقبته، وجنوباً بيت الصلاة. 


قاعة الصلاة تطلّ على غرفتين منفصلتين، وفي المقابل توجد ساحة مفتوحة وغرفة وضوء.  


قبر المؤسس تعلوه قبة كبيرة على قاعدة ثمانية الجوانب، فيها شبابيك تفتح وتغلق، وثمة شكّ بأنّ القسم الشمالي الشرقي قد شُيّد عند بناء التصميم الأساسي لأن موقعها لا يشكل قسما منسجما مع جسم المبنى. 


هذا القسم مكوّن من غرفتين تطلان على صالة المدخل، وغرفة وضوء أضيفت لاحقا للضرورة. وهيكل الجدران الذي يتحمل ثقل المبنى يتألف من الحجارة الرملية، وسماكة الحائط تناهز المتر، ويلعب دورا في مقاومة الرياح وتحمل أوزان القبب. 


شيد المبنى على زاوية التقاء طريقين، ولذلك، للمدرسة "الخاتونية" واجهتان على الناحيتين الشمالية والغربية. 


في الواجهة الشمالية البوابة الرئيسية، وهي عبارة عن قطاع مجوف مستطيل الشكل ينتهي بقنطرة تخلو من الزخرفة، وواجهة البوابة الداخلية زينت بالحجارة البلقاء (المتناوبة بالأبيض والأسود)، وفوق عتبة الباب، نص كتابي من أربعة أسطر، يعلوه صف من الحجارة البلقاء أيضا، وفوقها نص آخر من أربعة أسطر، تعلوها لوحة ذات إطار بارز مربع يحتوي زخرفة إسلامية هندسية دقيقة، وعلى جانبي المربع عمودان من الكتابة على كل منهما عشرة أسطر، ونافذتان تحيط بهما حجارة مصقولة بلقاء.   


والمدخل فسحة مسقوفة بعقد من دون تفاصيل تجميلية، والحائط الذي يحوي الباب مزيّن بأحجار بلقاء أيضا، مثل الشبابيك، وتعلو جدار المدخل كتابات متراصة ومتداخلة يصعب فهمها. يؤدي المدخل إلى ممر يقوم الضريح وبيت الصلاة على يمينه، وتعلو الضريح قبة ترتكز على طابق مضلَع، وتتدلى في زاوية القبة من الداخل مقرنصات ومثلثات. وفي واجهتي الضريح من الأسفل تنفتح أربع نوافذ، يعلوها صف من الحجارة البلقاء. 


وللمدرسة الخاتونية وقفية تعرض الممتلكات الموقوفة، وغالبها عقارات مبنية قريبة من المدرسة، وتوضح أنه "عيّنت للواقفة أربعة حفّاظ من القرآن العزيز، يترددون كل يوم إلى تربة الواقفة ويقرأون ربعا كاملا من القرآن الكريم، ويدعون عقيب القراءة للواقفة ومعتقها زوجها ويترحمون عليهم ويسألون الله عز وجل لهما بالعفو والمغفرة...". 

المدرسة السقرقية 


بناها سيف الدين اقطرق العام ١٣٥٩م، وكان حاجبا في نيابة المدينة. وكان المبنى أساسا قبرا ومصلى لمؤسسيه، ولا توجد له مئذنة. وكان يستعمل مدرسةً.  


والمدرسة بناء مستطيل تتوسط واجهتها الشرقية بوابة تعلوها قنطرة مجوفة، خالية من الزخرفة. وعلى جانبي البوابة ينتصب عمودان من الغرانيت، يرتفعان مترا وبعض المتر خصصا لوقوف مؤذني المدرسة على ما يشير إليه كتاب الوقف المنقوش. وعلى يمين البوابة ويسارها تنفتح نافذتان يعلوهما خط من الحجارة السوداء، وخطوط من الزخرفة الهندسية. 


وفوق خط الزخرفة خط آخر نقش فيهما سطران من الكتابة على جانبي البوابة، يتضمنان نص وقفية المدرسة، كتبت بالخط النسخي المملوكي، وطول الكتابة أربعة أمتار وربع المتر، وعرضها 30 سنتمترا. ولها تكملة في سطرين آخرين على جانبي البوابة، بطول ٢٦٥ سنتمترا. 

والمبنى يتألف من صالتين يفصلهما مدخل، ويوجد قبر المؤسس من جهة اليمين تعلوه قبة مضلعة ترتكز على طبقة مثمنة الأضلاع تنفتح فيها خمس نوافذ بعقود منكسرة. وفي الطبقة أركان مجوفة مقوسة مزينة بزخارف نباتية لمراوح نخيل. ومن اليسار، قاعة للصلاة وعلى الحائط الغربي يوجد محراب يشير إلى #مكة المكرمة. 

قاعة الصلاة هي العنصر الأكثر زخرفة من الداخل والخارج، وهي غرفة مربعة لها قبة من أجمل القبب المضلعة، وتوحي بشكل نجمة. والهيكل مثل باقي الهياكل استعملت الحجارة الرملية لبنائه، بسماكة متر يوضع في قلبها خليط من الكلس ومواد توريق.


على الواجهة الجنوبية يوجد المدخل، وتتألف الزينة الخارجية من خطوط من الحجارة البيضاء والسوداء المتناوبة، وفي الوسط العتبة، واسفل النوافذ مصنوع من الحجارة المنحوتة بشكل هندسي عربي. 


وتتحدث وقفية السقرقية عن الأملاك والمزارع التي يعود ريعها إلى متطلبات المدرسة، إن من مزرعتين واحدة قرب حصن الأكراد، والثانية في قرية رشعين، أو مخازن في طرابلس، وفرن وسواها.  

وكانت الوقفية تخصص إصلاح المدرسة بقيمة أربعين درهما كل شهر لإمام المسجد (المدرسة)، وخمسين درهما إلى مؤذنَين بالنوبة، وثلاثين درهما إلى قيِم المسجد والتربة، وخمسين درهما إلى خمسة أنفار يقرأون بالمكان المذكور، وخمسة عشر درهما ثمن زيت وقناديل وآلة الكنس والاستسقاء. ويصرف يوم الاثنين من كل اسبوع ثلاثة دراهم ثمن خبز يفرَق على بوابة التربة. ودرهم واحد ثمن ماء وثلج من كل خميس. وأحد عشر درهما كل شهر ثمن كسوة من قميص ولباس رفيع للأيتام والأرامل والفقراء المسلمين. وما يتبقى يصرف إلى من كان فقيرا من أولاد الواقف وأنساله وعتقائه بالسوية. وإذا لم يكن فيهم محتاج، صرف المبلغ على المحتاجين الفقراء في باب التربة.

في العام 2007 تم التواصل مع رجل الاعمال الطرابلسي المقيم في المملكة العربية #السعودية وسيم عز الدين وتزويده بصور وبيانات من دائرة الاوقاف الاسلامية في طرابلس عن المدارس الاثرية وأوضاعها، وقد تكفل عز الدين بتمويل وترميم وتأهيل مدرستي الخاتونية والسقرقية، وكلف المهندس المتخصص في الآثار الدكتور خير الدين غلاييني بذلك، وهكذا أعيد ترميم المدرستين وتأهيلهما وفق الاصول التي تحافظ على شكليهما الاثري وعناصرهما المعمارية. 

رئيس لجنة الآثار والتراث في مجلس بلدية طرابلس الدكتور خالد تدمري قال لـ "النهار": "المدرستان مغلقتان ولا يتم استخدامهما رغم أهميتهما التاريخية كمدرستين او مرفقين عامين لتعليم القرآن الكريم أو أي نشاط ثقافي في منطقة ذات كثافة سكانية عالية.
ويجب أن تعيرهما دائرة الاوقاف الاسلامية الاهتمام اللازم. ولكن يا للأسف، وبالرغم من ترميمهما منذ عشر سنوات وصرف أموال لهذه الغاية، إلا انهما مغلقتان وتتعرضان لكل انواع التشويه، حيث قام احد الاشخاص منذ بضع سنوات بتركيب شبابيك حديد للمدرسة الخاتونية لتحويلها مقراً لاحدى الجمعيات، كما قام بتشويه الزخارف والحجارة المنقوشة فيها وبعدها بقيت على حالها من دون استخدام". 


واضاف: "اما المدرسة السقرقية فمحاطة بالنفايات بشكل مزعج للنظر، كما تحول مدخلها لمكان يؤوي العربات والبسطات والنفايات. وهذا الامر فيه الكثير من الإساءة لماضي هذه المدرسة ولمدينة العلم والعلماء ولعدم احترام الاماكن التي خلفها لنا الاولون من أمراء وسلاطين، وكانت رمزا للعلم والثقافة في هذه المدينة والتي تحولت بؤراً خالية من الداخل وغير مستخدمة". 

وختم الدكتور تدمري: "ثمة تقصير من جميع الجهات المعنية ومن البلدية ايضا في منع المخالفات والتعديات ورمي النفايات في المدينة التاريخية بشكل عشوائي".    

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم