الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

ماذا كنتُ أتوقّع من فخامة الرئيس؟

عقل العويط
عقل العويط
ماذا كنتُ أتوقّع من فخامة الرئيس؟
ماذا كنتُ أتوقّع من فخامة الرئيس؟
A+ A-

هذا مقالٌ أكتبه باحترام ووقار، متوجّهاً فيه إلى فخامة رئيس الجمهورية، مباشرةً، لا إلى "حاشيته"، سائلاً إياه أن يقرأه بعناية، وبروح "رئاسية"، باعتباره رئيساً لجميع اللبنانيين. 

بعد طول جهاد، وصل رئيس الجمهورية اللبنانية الحالي العماد ميشال عون إلى سدّة الرئاسة في الحادي والثلاثين من تشرين الأول 2016.

كان من "حقّه" أن يصل إلى السدّة قبل انتخابه بكثير. يجب أن أقول ذلك، لا تعلّقاً بشخصه، ولا ولاءً لتيّاره – فهو ليس في حاجة إلى رأيي، أياً يكن، في هذا الموضوع - بل معرفةً متواضعةً بالتوازنات السياسية التي كان لا بدّ من أن تفضي إلى نتيجة كتلك النتيجة التي جعلته الرئيس الثالث عشر للجمهورية، وأنهت سنتين ونصف سنة من الشغور المهين في منصب الرئاسة.

إنه رئيس الأمر الواقع. لكنه زعيم "الإصلاح والتغيير" بامتياز، وقد ترافق انتخابه مع انتشار شعارات كثيرة في أنحاء البلاد اعتبرته "بيّ الكلّ"، و"عماد الجمهورية" ورمزاً لـ"لبنان القوي".

لقد أردتُ من كلّ قلبي وروحي وذهني أن أصدّق ذلك كلّه، لأني أريد لرئيس الجمهورية أن يكون "رئيس الكلّ"، وللبنان أن يكون دوماً بلد الإصلاح والتغيير، وأن يكون قوياً، وأن تكون جمهوريته هي جمهورية الحق والقانون والحرية و... الإنسان.

مضت شهورٌ عديدة على الانتخاب الموعود. سبعة أشهر. أكثر بقليل. أريد أن أعرف ماذا تحقّق منذ انتخاب الرئيس إلى اليوم. هذا حقّي باعتباري مواطناً.

لستُ طرفاً في النزاعات السياسية "التقليدية" القائمة في البلاد. لكني طرفٌ منحاز بالتأكيد إلى كلّ ما يومئ إلى احتمالات الإصلاح والتغيير الحقيقية، الفعلية، الملموسة، في الجمهورية التي تزداد انحطاطاً وانهياراً واقتراباً من الهاوية، من قعر الهاوية بالذات.

كنتُ أتوقّع من الرئيس أن يباشر تنفيذ الوعود التي لطالما تعهّد بتنفيذها قبل أن يصبح رئيساً، ثمّ أكّدها في خطاب القسم العتيد، ولا يزال يؤكدها كلّما رأى مناسبة لذلك.

أريد منه فقط أن يقول لي، أنا المواطن العادي جداً، المنحاز فقط إلى الجمهورية، والشديد الإيمان بدولة الحق والقانون والحرية والإنسان، ماذا تحقّق في السبعة الأشهر الفائتة.

أيجب أن أسأل، ما يسأله "المشكِّكون"، عن "الدولة القوية"، وعن الدولة داخل الدولة، مثلاً؟

أيجب أن أسأله عن كارثة الفشل الذريع في السياسة الخارجية، وعن "بهبطة" الديبلوماسية اللبنانية، وعن مصير "الانفتاح" على العالم العربي، وعن... ارتماء لبنان في الحضن الإيراني، مثلاً؟

أيجب أن أسأله عن "الإبراء المستحيل"، مثلاً؟

أيجب أن أسأله عن الفساد، مثلاً؟

أيجب أن أسأله عن الكهرباء، مثلاً؟

أيجب أن أسأله عن الاتصالات، مثلاً؟

أيجب أن أسأله عن الصفقات، مثلاً؟

أم يجب أن أسأله عن هذا القانون الانتخابي الذي لا يليق إلاّ بجمهوريات الموز، مثلاً؟

ثمّ، أيجب أن أسأل عن الأمور "التافهة"، و"الثانوية"، التي لا تعيرها العهود "القوية" اهتماماً.

أين "باتت" الموازنة المغيّبة منذ 11 عاماً، مثلاً؟

وأين "أصبحت" سلسلة الرتب والرواتب، مثلاً؟

وماذا تحقّق في مسألة الفلتان الأمني، مثلاً؟

وماذا تحقّق في مسألة الاعتداء على الناس، على أرزاقهم، مثلاً؟

وماذا تحقّق في مسألة إطلاق الرصاص العشوائي مثلاً، في قتلاه، وضحاياه، وشهدائه، مثلاً.

وماذا تحقّق في مسألة قانون السير، وفوضاه، وقتلاه، وضحاياه، وشهدائه، مثلاً.

أنا مواطن عادي جداً، أريد من فخامة الرئيس أن يصارحني بحقيقة هذه الأمور التي وعدني بها، ووعد شعبي بها، وبما آلت إليه خلال السبعة الأشهر المنقضية. لا أن "يؤخذ" بـ"الإنجازات" التي تطبّل لها "الحاشية"، من مثل التعيينات في المراكز الأمنية والعسكرية والمالية، فضلاً عن "إنجاز" الادّعاء على عشرات الناس وربما على المئات في ما يُحكى عن صفقة في ملفّ الكهرباء.

ردّاً على الاتهامات التي تطاول عهده، وفريقه، ومجموعة "الإصلاح والتغيير" التي "تحارب" باسمه، هل يعقل أن يكون جواب الرئيس، "بيّ الكلّ"، "القوي"، "عماد الجمهورية"، أنه ينتظر من المتّهِمين أن يقدّموا إليه الإثباتات على وجود الفساد في هذا القطاع أو ذاك؟!

هل أفهم من ذلك أن الرئيس "مقتنع" حقاً بأن لا فساد في الجمهورية؟

تالياً، أهو يسأل الناس حقاً عن الإثباتات، لأن لا علم له بوجود مثل هذا الفساد، أم لأنه كان "يتصرّف" في تصريحه الشهير ذاك، لا كرئيس للجمهورية كلّها، بل بصفته مدافعاً عما كان يطاول وزارةً من وزارات "تيّاره" التي فاحت بروائح الفساد؟

هل يعقل؟!

كنتُ أتوقع حلولاً شافية تسعد المواطنين الذين لا ملجأ لهم سوى الوطن والجمهورية.

وإذا كان من غير الممكن تقديم هذه الحلول الشافية، ألم يكن من الأجدى أن تتفادى رئاسة الجمهورية تقديم جواب كالجواب المعروف الذي يصلح ليكون ردّ فعل، لا فعلاً يليق بوعود الإصلاح والتغيير، وعهودها؟!

كنتُ أتوقع من الرئيس بعد عمرٍ مديدٍ أمضاه رافعاً شعارات الكفاح من أجل الدولة الديموقراطية المدنية، دولة السيادة والاستقلال والحقّ والقانون والحرية والإنسان، ومحاربة الفاسدين والمفسدين، أن يكون هاجسه الوحيد هو الإرث الوطني والرمزي الذي سيتركه للأجيال من بعده.

هذا ما كنتُ أتوقّعه من فخامة الرئيس.

وليعلم مَن يريد أن يتحرّى، أن مقالاً كهذا المقال، إنما كتبه صاحبه بحبرٍ ينزّ وجعاً جمهورياً يوازي وجع الجمهورية نفسها، وهو ذاته وجع الموت!

[email protected]


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم