الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

باسيل يقاضي "مُلفقي الاتهامات" عبر مواقع التواصل... فكيف يردُّ الناشطون؟

سلوى أبو شقرا
باسيل يقاضي "مُلفقي الاتهامات" عبر مواقع التواصل... فكيف يردُّ الناشطون؟
باسيل يقاضي "مُلفقي الاتهامات" عبر مواقع التواصل... فكيف يردُّ الناشطون؟
A+ A-

عقود ولا يزال موضوع ملف #الكهرباء يراوح مكانه، عقودٌ حُمِّل فيها الوزراء الجدد وزر صفقات وأصبحوا موضع اتهام. وجاء تصريح رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية جبران باسيل عقب اجتماع تكتل "التغيير والإصلاح" ليثير سخطاً بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي على اعتبار أنَّه يضرب عرض الحائط حرية التعبير.

وقال باسيل: "بعدما علمنا أن وسائل التواصل الاجتماعي تخضع للقانون الجزائي وليس لقانون المطبوعات، أبلغنا وزير الطاقة سيزار أبي خليل أنه سيرفع دعوى ضد كل من طاله بالكذب والافتراء عليه وعلى فريقه السياسي في موضوع الـ800 مليون دولار، وستطال الدعوى شخصيات سياسية وإعلامية وأشخاص عاديين أعلنوا عن أنفسهم في وسائل التواصل الاجتماعي. لن يردعنا اتهامنا بالفساد عن مكافحة الفساد واتكالنا على القضاء لأخذ حقنا وسنعمل لإيقاف الكذبة". فما الحد الفاصل بين هذه الحرية والتشهير؟

أساليب الأنظمة القمعية؟

هذا التصريح وصفه البعض بـ"الهجوم" الحاد المُشنّ على إعلاميين وناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هم الذين تأملوا من وزراء التيار #الوطني_الحر المتعاقبين جبران #باسيل، وأرتور نظريان و#سيزار_أبي_خليل عودة التيار الكهربائي 24 ساعة منذ عام 2010 ضمن خطة لم يُكتب لها النجاح بعد. واعتبروا أنَّ اللجوء إلى القضاء لمحاسبة الناشطين يتعارض مع القرار الصادر عن وزير العدل سليم جريصاتي رقم 1029/ م/2017 تاريخ 20 شباط 2017، الذي يطلب فيه من النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود "عدم توقيف أي شخص احتياطياً بسبب الرأي أو الموقف الذي يبديه عبر مواقع التواصل".

يُعلِّق الناشط طارق أبو صالح من مجموعة "ميديا هاشتاغ" في حديث لـ"النهار" قائلاً: "نحن كناشطين بدأنا حملاتنا مع إعلان الوزير جبران باسيل عن خطة الكهرباء "ليبانون أون" حيث وعدنا أنها ستتوافر عام 2015، ولكنَّ ذلك لم يتحقق، حينها أطلقنا هاشتاغ "ليبانون أوف". وسينتهي عام 2017 من دون أن نحصل على معلومات و"جردة" صحيحة أين صُرفت الأموال التي خصصها مجلس الوزراء لملف الكهرباء والبواخر. أما تهديد الناشطين بالمحاسبة، فقد فاجأنا لأنَّ الوزير باسيل في عهد الرئيس ميشال سليمان رفض رفع دعوى ضد أحد الناشطين الذي تهجَّم على الرئيس حينها مدافعاً عن الحريات ورافضاً المساس بها. لمَ كانت يومها الحريات مقدسة والآن في عهدهم يهددون الناس بالتوقيف والاعتقال. هذه الأساليب القمعية تعتمدها الأنظمة البعثية لمنع الرأي وإخافة الناس من السجن. كم من الدعاوى سيرفعون؟ سيبقى هناك المئات ممن سيرفعون الصوت".

من جهته، يعتبر الناشط في "14 آذار" سلمان المغربي في حديث لـ"النهار" أنَّ "بعض الناس يتخطون حدود اللياقة المجتمعية، ولكن بطبيعة الحال ما من حدود للسلطة الخامسة ومستخدميها. ولكنَّ كلام الوزير جبران باسيل عن رفع الوزير سيزار أبي خليل دعاوى في محكمة الجزاء المدنية لا المطبوعات تخويف وحبر على ورق، وهي عودة إلى أساليب النظام القمعي الذي كان سائداً زمن الاحتلال السوري".





لا تعرض للحريات بل رفض لتشويه السمعة

يلفت مصدر في "التيار الوطني الحر" في حديث لـ"النهار" إلى أنَّ "كل ما يُحكى حول ملف الكهرباء مغلوط، والأموال التي صُرفت معروفة ومجلس الوزراء على علمٍ بذلك، ويتمُّ الرجوع إليه في كل تفصيل. كما أنَّ الانتقاد محقٌّ في السياسة، ولكن اللجوء إلى الأخبار المدسوسة المشوهة للسمعة والتي تؤثر سلباً في الرأي العام تستدعي دعاوى قضائية. يحق لأي شخص التعبير عن رأيه ونحن نرفض التعرض للحريات الشخصية، والمذكرة التي أصدرها الوزير سليم جريصاتي ندعمها ونرفض التوقيف الاحتياطي على كل منشور تعبيري. ولكنَّ استغلال منابر مواقع التواصل الاجتماعي لبثِّ ونشر أخبار كاذبة ومعلومات غير صحيحة، يدفعنا لتقديم دعاوى لإظهار الحقيقة. لا نستخدم بهذا التصريح أساليبَ قمعية بتاتاً، بل نتقبل الانتقاد الموضوعي الموجه من أطراف سياسية مختلفة تجاهنا. لكنَّ الحديث عن صفقات والاتهامات بالفساد التي تساق من دون إثباتات، القضاء مولجٌ الحكم فيها وله سلطة الفصل".

الوزير منتدب للخدمة العامة

تشرح المحامية نانسي نحولي في حديث لـ"النهار" أنَّ "الدستور اللبناني يكفل حرية الرأي والمعتقد، فتنص المادة 8 منه على أن الحرية الشخصية مصانة وفي حمى القانون، كما نصت المادة 13 على حرية إبداء الرأيّ قولاً وكتابة وحريّة الطباعة وحرية الإجتماع. في المقابل يعاقب قانون العقوبات اللبناني على جرائم التحقير والقدح والذمّ الواقعة على الموظفين العموميين. فتنص المادة 383 من قانون العقوبات اللبناني على أن "التحقير بالكلام والحركات أو التهديد الذي يوجه إلى موظف في أثناء قيامه بالوظيفة أو في معرض قيامه بها أو يبلغه بإرادة الفاعل. والتحقير بكتابة أو رسم أو مخابرة برقية أو تلفونية الذي يوجه إلى موظف في أثناء قيامه بوظيفته أو في معرض قيامه بها، يعاقب عليه بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر. إذا كان الموظف المحقر ممن يمارسون السلطة العامة كانت العقوبة من شهرين إلى سنة". وتضيف: "وتحدد المادة تعريف الموظف بأنه "كل شخص عُيِّن أو انتخب لأداء وظيفة أو خدمة عامة ببدل أو بغير بدل"، أي أن هذا التعريف يشمل الوزراء أيضاً.

أما الذم بحسب المادة 385 من قانون العقوبات فهو "نسبة أمر إلى شخص ولو في معرض الشك أو الاستفهام ينال من شرفه أو كرامته". وتحدد المادة 386 من القانون عينه عقوبة الذم بحسب الشخص الذي يقع عليه الجرم، فتنص على عقوبة الحبس سنة على الأكثر إذا وجِّه إلى المحاكم أو الهيئات المنظمة أو الجيش أو الإدارات العامة، أو وجِّه إلى موظف ممن يمارسون السلطة العامة من أجل وظيفته أو صفته، بالحبس ثلاثة أشهر على الأكثر أو بغرامة من عشرين ألف إلى مئتي ألف ليرة إذا وقع على أي موظف آخر بسبب وظيفته أو صفته".

أما القدح بحسب المادة 385 فهو "كل لفظة ازدراء أو سباب وكل تعبير أو رسم يشفان عن التحقير إذا لم ينطو على نسبة أمر ما. وذلك دون التعرض لأحكام المادة 383 التي تتضمن تعريف التحقير". وتحدد المادة 388 عقوبة القدح بالحبس ستة أشهر على الأكثر إذا وجه إلى المحاكم أو الهيئات المنظمة أو الجيش أو الإدارات العامة أو وجه إلى موظف ممن يمارسون السلطة العامة من أجل وظيفته أو صفته. وبالغرامة من عشرين ألف إلى مئة ألف ليرة أو بالتوقيف التكديري إذا وقع على أي موظف آخر من أجل وظيفته أو صفته.

وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن وسائل النشر حسبما حددتها المادة 209 من قانون العقوبات هي:

1- الأعمال والحركات إذا حصلت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو شاهدها بسبب خطأ الفاعل من لا دخل له بالفعل.

2- الكلام أو الصراخ، سواء جهر بهما أو نقلا بالوسائل الآلية بحيث يسمعها في كلا الحالين من لا دخل له بالفعل.

3- الكتابة والرسوم والصور اليدوية والشمسية والأفلام والشارات والتصاوير على اختلافها اذا عرضت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو بيعت أو عرضت للبيع أو وزعت على شخص أو أكثر."

وتندرج ضمن هذا الإطار وسائل التواصل الإجتماعي باعتبارها منصات علنية معدة لاطلاع واستخدام الجمهور من دون اعتبارها "مطبوعة"، ما يجعلها تخرج عن اختصاص محكمة المطبوعات، وهذا ما أكدت عليه محكمة التمييز اللبنانية الغرفة التاسعة في حكمها تاريخ 10/11/2015 حين قضت أنه "وحيث أن موقع "تويتر" يتيح للمنتمين إليه بنشر أخبارهم وآرائهم ضمن حساباتهم الخاصة سواء أكانت حسابات للكافة أم محصورة بأصدقائهم المختارين، وحيث أن مثل هذا النشر هو خاص وليس معداً للتوزيع بصورة مستمرة، ولا يشكل بالتالي "مطبوعة" بمفهوم قانون المطبوعات؛ وحيث أن الفعل المشكو منه، يكون خاضعاً بالتالي لقانون العقوبات ويعود أمر النظر به للمحكمة العادية؛ وحيث يقتضي بالتالي فسخ القرار المستأنف ورّد الدعوى شكلاً لعدم اختصاص محكمة المطبوعات لرؤيتها؛ لذلك تقرر بالإتفاق: قبول الإستئناف شكلاً وفي الأساس ردّ الدعوى شكلاً لعدم إختصاص محكمة المطبوعات لرؤيتها؛ وإبقاء الرسوم على عاتق من عجّلها". إلاَّ أن هذا الغموض في التعاريف إضافة إلى عدم تعديل المواد في ما يتعلق بأصول الملاحقة، يجعل هذه المواد فضفاضة تتيح الملاحقة عند أي إبداء للرأي غير مرغوب فيه، الأمر الذي يشكل انتهاكاً لحرية الرأي المصانة بموجب الدستور ويخالف التزامات لبنان الدولية في هذا المجال لاسيما للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه لبنان عام 1972 وأدرجه في مقدمة دستوره وبات يتمتع بقوة دستورية.

تتيح مواقع التواصل الاجتماعي قدراً من حرية التعبير ولا شكَّ في أنها منبر لتسليط الضوء على قضايا حياتية واجتماعية، إلاَّ أنَّ الانفلات الحاصل يمثل المفهوم الخاطئ لهذه الحرية. المطلوب يكمن في أن تتحمَّل السلطة الانتقادات، فهذا حقٌّ مشروع لأي مواطن، وأن يعتمدَ الإعلاميون والناشطون نقداً بناءً ضمن أطر مهنية لائقة توصل الفكرة الأساسية من دون التجريح الشخصي، لئلا نصبح مجبرين على الخضوع لقوانين تضبط استخدامنا للانترنت وتعوق حرية الرأي المميزة للبنان.  

[email protected]

Twitter: @Salwabouchacra 


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم