الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

التقرير الفصلي لبنك عوده: الحاجة الى تأمين انتقال حاسم من الصمود الى المناعة

المصدر: "النهار"
التقرير الفصلي لبنك عوده: الحاجة الى تأمين انتقال حاسم من الصمود الى المناعة
التقرير الفصلي لبنك عوده: الحاجة الى تأمين انتقال حاسم من الصمود الى المناعة
A+ A-


شهد الاقتصاد اللبناني تحسناً طفيفاً في الفصل الأول من العام 2017 مقارنة مع الفترة المماثلة من العام 2016، بدليل نمو أسرع في المؤشر الاقتصادي العام الذي أصدره مصرف لبنان وبلغ متوسطاً قدره 301,3 خلال الشهرين الأولين من 2017، أي بنمو سنوي نسبتُه 4,8% في مقابل نمو بنسبة 2,6% في الفترة عينها من الاعوام الثلاثة السابقة. 

ويشير نمو الواردات الحقيقية بنسبة 11% في الشهرين الأولين من العام، والمصحّحة من تقلبية أسعار العملات وأسعار النفط، إلى بعض التحسن في الطلب الإجمالي على السلع، علماً أن الواردات تشكل نسبة 36٪ من الناتج المحلي الإجمالي في لبنان. وقد تأتّى نمو الإستهلاك الخاص هذه السنة من تحسّن طفيف في استهلاك اللبنانيّين المقيمين، ومن توافد عدد أكبر من اللبنانيّين غير المقيمين، ومن التحسن التدريجي للنشاط السياحي. كما وأن تحسّن النمو الإقتصادي نجم أيضاً عن تحسّن الإستثمار الخاص انطلاقاً من قاعدة متدنية في السنوات القليلة الماضية التي شهدت حالة من الترقب والتريث من قبل المستثمرين ساهمت في تأجيل القرارات الإستثمارية الكبرى في البلاد.

ويبيّن تحليل مؤشّرات القطاع الحقيقي أنها ارتفعت بأكثريتها في الفصل الأول من العام 2017. فمن أصل 11 مؤشّراً للقطاع الإقتصادي الحقيقي، ارتفعت عشرة مؤشّرات فيما انخفض واحد منها فقط. ومن بين المؤشّرات التي سجّلت ارتفاعاً نذكر قيمة المبيعات العقارية (+14,3%)، الواردات (+13,2%)، إنتاج الكهرباء (+13,1%)، عدد السيّاح (+12,3%)، الصادرات (+10,1%)، عدد مبيعات السيارات الجديدة (+1,6%)، قيمة الشيكات المتقاصة (+1,3%)، تسليمات الإسمنت (+1,1%)، حجم البضائع في المرفأ (+0,3%)، وعدد المسافرين عبر المطار (+0,1%)، في حين انخفضت المساحة الإجمالية لرخص البناء الجديدة بنسبة 3,4%.

على صعيد القطاع الخارجي، بلغت التدفقات المالية الوافدة 3,3 مليارات دولار في الشهرين الأولين من العام 2017 مقابل 2,1 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام 2016 (+57,2%). وقد عوّضت هذه التدفقات عن ازدياد عجز الميزان التجاري بنسبة 13,8%، بل فاقته بحيث حقّق ميزان المدفوعات فائضاً بقيمة 555 مليون دولار في الفصل الأول من العام 2017 (مقابل عجز بقيمة 644 مليون دولار في الفترة ذاتها من العام 2016). يجدر الذكر أن نسبة تغطية الواردات بالصادرات سجّلت مستوى شبه قياسي من حيث الإنخفاض بحيث بلغت 14,0% في الشهرين الأولين من السنة الجارية.

وعلى الصعيد النقدي، شهد الفصل الأول من العام 2017 نمواً في الكتلة النقدية بقيمة 1,477 مليون دولار، مقابل نمو بقيمة 890 مليون دولار في الفترة نفسها من العام 2016. والحال أن نمو الكتلة النقدية الملحوظ ترافق مع تقلّص إضافي في سرعة تداول النقد بنسبة 5,8%، ما أطال منحى التراجع المسجّل في غضون السنوات الخمس الأخيرة. في موازاة ذلك، بقيت الموجودات الخارجية لدى مصرف لبنان أعلى من 40 مليار دولار، أي ما يوازي 73% من الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية و25 شهراً من الإستيراد.

أما على صعيد القطاع المصرفي، فإن الودائع المصرفية، التي تشكّل المحرّك الأساسي لنشاط هذا القطاع، قد سجلت نمواً بقيمة 1,9 مليار دولار في الفصل الأول من العام 2017 مقابل نمو بقيمة 0,9 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام 2016. ويُعزى نمو الودائع بشكل خاص الى الودائع بالعملات الأجنبية التي زادت بقيمة 1,7 مليار دولار فيما زادت الودائع بالليرة اللبنانية بقيمة 0,1 مليار دولار، ما أسفر عن ارتفاع في نسبة دولرة الودائع الى 66,1% في آذار 2017. من جهة أخرى، انخفض متوسط الهامش بالليرة اللبنانية من 1,06% في الشهرين الأولين من العام 2016 الى 1,00% في الشهرين الأولين من العام 2017، بينما ارتفع متوسط الهامش بالعملات الأجنبية من 1,47% الى 1,51%. وتراجعت الأرباح الصافية المحلية بنسبة 17,6% على أساس سنوي في الشهرين الأولين من العام 2017.

على صعيد أسواق الرساميل، شهدت البورصة وسوق السندات تحسناً صافياً هذه السنة. فأسعار الأسهم المدرجة في بورصة بيروت ارتفعت بنسبة 1,8% في ظل انخفاض القيمة الإجمالية لعمليات التداول بنسبة 69,6%، وتحديداً من 279 مليون دولار الى 85 مليون دولار. في موازاة ذلك، تقلّصت هوامش مقايضة المخاطر الائتمانية من فئة خمس سنوات بمقدار 61 نقطة أساس في الفصل الأول من السنة الحالية، ما عكس تحسّناً نسبياً في نظرة الأسواق الى المخاطر السيادية عموما.

معضلة المالية العامة والاعتبارات المحليّة الجوهرية

مع عودة نسب المديونية والعجوزات في المالية العامة الى الارتفاع مجدداً، لقد كان من الطبيعي أن تبرز معضلة المالية العامة مجدداً في صدارة اهتمامات المستثمرين الأجانب المتابعين للمفارقة اللبنانية وسائر المراقبين عبر العالم المأخوذين بمناعة الإقتصاد اللبناني في ظل اختلالات مستمرّة وضبابيّة شائكة بشكل عام.

في الواقع، وفي ظلّ نشاط اقتصادي حقيقي واهن وانخفاض تدريجي في نسبة تعبئة الموارد الى 19% حالياً، انخفضت الإيرادات العامة فيما ارتفعت النفقات الإجمالية، ما أسفر عن ازدياد العجز المالي العام بحيث تخطّى 9,5% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2016 أي أعلى النسب في العالم (مقابل 7,6% في العام 2010، قبيل اندلاع الإضطرابات الإقليمية). في موازاة ذلك، باتت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي تتعدّى اليوم 140%، وهي ثالث أعلى نسبة في العالم (بعد اليابان واليونان)، مسجّلةً بالتالي مزيداً من التردّي في العام 2016 عقب استقرار نسبي طوال السنوات الخمس السابقة وبعد تراجع واضح خلال الفورة الإقتصادية التي شهدها لبنان بين عامي 2006 و2010.

من هنا، فإن ثمّة اعتبارات جوهرية تسهم في دعم بنية الدين العام في لبنان. في الواقع، ومع أن نسبة العجز العام ونسبة المديونية مرتفعتان بالتأكيد ويقتضي خفضهما، إلا أن هنالك عدد من العوامل التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تحليل شؤون المالية العامة في لبنان والانحرافات المالية فيه والتي تدعو الى الإعتقاد بأن لبنان ليس عالقاً في فخّ المديونية العامة.

أولاً، ففي حين يصح القول أن نسبة الدين العام إلى الناتج في لبنان تتجاوز بعض الشيء عتبة الـ140%، إلا أن نسبة المديونية في الدول المتقدمة تناهز 110% حالياً، مع الإشارة إلى أن تلك النسبة كانت قد بلغت 185٪ في لبنان في العام 2006، في وقت كانت أقل من 75% في الدول المتقدمة. كما يجدر الذكر إلى أن الأسواق المالية في لبنان استطاعت الحفاظ على استقرارها في حينها، بحيث سجل الاقتصاد اللبناني نمواً مستداماً في حركة الأموال الوافدة، استقراراً في سعر صرف الليرة ونمواً إيجابياً في قاعدة الودائع المصرفية.

ثانياً، إن الدين العام في لبنان هو دين محلي إلى حد بعيد، لاسيما وأن نسبة الديون التي تحملها المؤسسات والأفراد اللبنانيين تمثل حوالي 87٪ من مجموع الدين العام. وهؤلاء المستثمرين اللبنانيين قد اعتادوا على المخاطر اللبنانية وهم على استعداد لتحمل مثل هذه المخاطر ولا يتسرعون بالخروج من السوق المحلية مع أولى إشارات الاضطراب.

ثالثاً، ثمّة اعتبار آخر متعلق بالوضعية الخارجية للبلاد، بحيث بلغت الموجودات الخارجية لدى مصرف لبنان مستوى قياسياً مرتفعاً ناهز 40 مليار دولار (باستثناء الذهب). وعند إضافة الذهب، تصل الموجودات الخارجية لدى مصرف لبنان إلى عتبة الـ52 مليار دولار أي ما يناهز تقريباً 1.8 مرات ديون لبنان السيادية بالعملات الأجنبية التي تقارب 29 مليار دولار.

رابعاً، أبعد من ذلك، وعند النظر إلى الوضعية المجمعة للدولة اللبنانية اليوم وتقدير مجموع أصولها وخصومها، تبرز قيمة إيجابية للأصول الصافية ناتجة بشكل واضح عن الفائض في احتياطياتها والحسابات الدائنة والأشكال المختلفة للممتلكات مقارنة مع إجمالي الدين العام المجمع بالليرة وبالعملات الأجنبية. وبحسب تقديرات متحفّظة، فإن موجودات الدولة المجمّعة تفوق المئة مليار دولار، أي أنها تتجاوز مجموع الدين العام البالغ 76 مليار دولار.

خامساً، ما زال هنالك سيناريو الهبوط الآمن في أوضاع المالية العامة، لاسيما في ظل نسبة تعبئة للموارد تعدّ منخفضة، وفجوة بين الناتج المحلي الإجمالي المسجل والناتج الممكن تحقيقه، ناهيك عن إمكانية ترشيد الإنفاق. دون أن ننسى الفرصة المتاحة لتقليص التهرب الضريبي والذي يقدَّر بما يعادل 8% من الناتج المحلي الإجمالي، وتعود هذه الفجوة بشكل خاص الى التهرّب من سداد ضريبة الدخل وفواتير الكهرباء والرسوم العقارية وغيرها، في بلد يبلغ فيه العجز العام 4,9 مليارات دولار. فبمعزل عن زيادة الضرائب، يتعيّن على الحكومة أن تعالج جدّياً هذا التهرّب الضريبي الذي تقدّر خسائره على خزينة الدولة بــ6,300 مليار ليرة لبنانية، متأتّية بشكل خاص من ضريبة الدخل (حيث يقدّر التهرب بــ2800 مليار ليرة)، والضريبة على القيمة المضافة (2,400 مليار ليرة)، وفواتير الكهرباء (550 مليار ليرة) والرسوم العقارية (250 مليار ليرة).

سادساً، وعلى المدى الطويل، لا ريب في أن استخراج الموارد الطبيعية من شأنه إنهاء معضلة المالية العامة في لبنان. إذ تقدّر الإحتياطيات النفطية بحوالى 96 تريليون قدم مكعب من الغاز و865 مليون برميل من النفط، وهي توازي تقريباً ثلاثة أضعاف قيمة الدين العام الحالي. ولما كان إقفال تقديم عروض التنقيب ينتظر صدور مرسومين عن الحكومة، فقد بقيت العملية مجمّدة طوال سنتين بسبب التجاذبات السياسية المحلية. غير أن المرسومين صدرا في أول جلسة عقدتها الحكومة في العام 2017، ما أطلق استدراج العروض لخمس بلوكات، ثلاثة منها في الجنوب وواحد في الشمال وواحد في بيروت. وقد اطّلع صندوق النقد الدولي على كامل الملف وأعطى رأياً إيجابياً بصدده. عليه، سوف تطلق المناقصة وذلك حتى موعد إقفال العروض في منتصف أيلول المقبل. في هذا السياق، أصدرت مؤسّسة موديز تقريراً اعتبرت فيه قرار الحكومة اللبنانية إيجابياً بالنسبة الى المخاطر السيادية العامة، كونه يعبّر عن تحسّن في فعاليّة الأداء الحكومي ويترجم القدرة على تحسين وضعيّة البلاد المالية والخارجية.

أخيراً، مع أن كلّ هذه الإعتبارات الحوهرية حقيقية وصحيحة، فإن الاستقامة الاقتصادية واستدامة الإقتصاد الكلّي والأسواق على الأمد الطويل يتطلّبان تعزيز الوضع المالي الذي طال انتظاره لضمان نجاح سيناريو الهبوط الآمن للاقتصاد اللبناني. عندئذٍ فقط يصبح صمود لبنان الاقتصادي قابلاً للتحوّل الى مناعة هيكلية في ظل مناخ معرّض لصدمات محلية وخارجية ومتّسم بأجواء ضبابيّة عموما.



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم