الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

اليوم عطلة رسمية

عقل العويط
عقل العويط
اليوم عطلة رسمية
اليوم عطلة رسمية
A+ A-

أيها المواطنون، لا تذهبوا اليوم إلى أعمالكم. افتحوا من الآن شاشات التلفزة المحلية، والإذاعات، وتسمّروا أمامها، في انتظار سماع الجرس الذي سيعلن بداية الجلسة.


اجعلوا هذا النهار يوم عطلة. انسوا كلّ همومكم. لا تفكّروا في دفع الفواتير، ولا في عجقة السير، ولا في البحث عن لقمة العيش. اطمئنوا. كل يوم يحمل رزقته معه. نهار بلا عمل لن يغيّر في الأمور أشياء كثيرة. المعادلات، معادلات حياتكم المنغّصة بألف وجعٍ ووجع، وبمليون استحقاقٍ واستحقاق، لن تتخربط أكثر مما هي مخربطة. خذوها بالرواق. غداً تذهبون إلى ممارسة الأشغال. إنه يومٌ لا ككلّ الأيام. ويجب أن تجعله الحكومة الموقّرة بمثابة عيد وطني. تقريباً. النوّاب سيناقشون سياسة الحكومة. ويجب أن لا تفرّطوا في هذا الحدث، بل أن تكونوا آذاناً صاغية، وأرواحاً متنهبة. يجب أن تستمعوا إليهم. وأن تحفظوا كلامهم الذي سيكون من ذهب. يجب أن لا تفعلوا شيئاً آخر. عيب.
اعلموا جيداً أن النوّاب قد أعدّوا العدّة اللازمة. كلّ ما لا يُقال، سيُقال اليوم. كلّ ما لا يُفعَل، سيُفعَل اليوم.
كلّ الصفقات. كلّ المساومات. كلّ المشاريع. كلّ قوالب الكاتو. كلّ مسرحيات قوانين الانتخاب وبهلوانيات التمديد ستحضر أمامكم بالعين المجرّدة. كلّ الاتفاقات الظاهرة والباطنة، اليوم يومها. لن يبقى انتقاد. لن تبقى فضيحة. لن يبقى سرٌّ مستور إلاّ سيُكشَف النقاب عنه. كلّ ما خفيَ سيُعلَم. وهؤلاء الذين انتدبتموهم لتمثيلكم والتكلّم بألسنة ضمائركم، سترون منهم العجب العجاب. فسينطقون بلغات غير مسموعة من قبل، وسيكشفون معلومات لم تكن لا في خاطرٍ ولا في بال، وسيثلجون قلوبكم المحترقة بلا ريب، وسيزيحون عن كواهلكم الأثقال والهموم والأوجاع. وسيأتونكم بالمنّ والسلوى.
بعد قليل، سيفدون إلى ساحة النجمة تباعاً. المعارضون والموالون، سيحضرون. وستشاهدونهم في إطلالاتهم المتأنية، وثيابهم الأنيقة، وشعورهم المصفّفة، وعطورهم الفوّاحة، وابتساماتهم العريضة. الضاحكون منهم سيضحكون جداً لأنهم نائمون على حرير، ولأنهم يعرفون سلفاً النتائج التي ستنتهي إليها الجلسة. أما المتجهمون منهم فسيحاولون أن يفرضوا مهابتهم، لاستعادة ثقة مفقودة، ولاسترجاع ما خسروه من جولات كرٍّ وفرٍّ وضحكٍ على الذقون في جلسات سابقة.
الجلسة ستكون خطيرة، ولا ريب. لأنها ستكون جلسة مناقشة لسياسة الحكومة.
أنا شخصياً، اشتقت إلى هذه الفرجة.
اشتقت إلى التمثيل.
اشتقت إلى خطب النوّاب.
اشتقت إلى العرق المتصبب من جباههم.
اشتقت إلى حركات أيديهم، ونظراتهم.
اشتقت إلى أدوارهم المتناغمة والمتكاملة.
واشتقت خصوصاً إلى لغتهم العربية المصونة.
"إجت والله جابها". مسرحية ببلاش.
ما أجمل الضحك على الذقون.
لكن!
هل يجب أن أكون جدّياً ورصيناً، وأنا أتكلم في هذا الموضوع، وعن هذه الجلسة؟
ربّما، نعم. ربّما لا. وإذا كان ينبغي لي أن لا أنغّص عليكم هذا النهار اللذيذ، فإن الحقيقة، وبدون لفّ ولا دوران، واضحة متل عين الشمس. الذكي والبسيط الساذج، يعرفان هذه الحقيقة. مجلس النوّاب كلّه – إلاّ أقلّه - ممثَّل تقريباً في هذه الحكومة. والحكومة الحبيبة هي حكومة النوّاب والأحزاب والتيارات السياسية كلّها تقريباً.
لكنّ المفارقة الوحيدة أن اللعبة هي اللعبة، وأن الخشبة، خشبة المسرح، تنتظر الممثلين. ولا بدّ لهؤلاء من أن يؤدّوا أدوارهم حتى انطفاء الأضواء وإسدال الستار.
لن يخرج الممثلون على أدوارهم. ولن يرتجلوا. فاطمئنوا. لأن المخرج يدير اللعبة في الكواليس.
وإذا كان العرض سينتهي، فإن الستار لن يُسدَل.
المسرحية مستمرة لأيّام. وربّما لأشهر. وربّما مدى الأعمار.
أما أنتم أيها "المواطنون" والناخبون، فيمكنكم أن تأخذوا عطلة رسمية. وكما تكونون سيولَّى عليكم.
[email protected]


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم