الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

ما سر الهدوء المخيّم على جبهة الجرود، وهل هو دائم أم عابر؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
ما سر الهدوء المخيّم على جبهة الجرود، وهل هو دائم أم عابر؟
ما سر الهدوء المخيّم على جبهة الجرود، وهل هو دائم أم عابر؟
A+ A-

مضت أشهر على غياب الانباء التي كانت تتواتر عادة عن الوضع الميداني في السلسلة الشرقية، وتحديداً في جرود عرسال والقاع ورأس بعلبك امتدادا نحو الشمال والجنوب، فلا معلومات عن تحركات او عمليات تحشيد من جانب المجموعات السورية المتشددة التي ما برحت ترابط على المقلب الآخر من هذه الجرود القصية غير المحسومة الهوية الجغرافية وغير المرسّمة اصلاً منذ نشوء الكيانين اللبناني والسوري، لكنها صارت ذات قيمة بعدما استحالت جبهة مواجهة حامية ومن طبيعة استراتيجية.


وعليه، طرحت جهات معنية بمآل الوضع هناك حاضراً ومستقبلاً، السؤال عن اسباب هذا الصمت الذي يطبق على منطقة جردية وعرة تمتد على الحدود مع سوريا بطول يقارب الخمسين كيلومتراً، وكانت حتى زمن غير بعيد باعثة للمخاوف والهواجس وجاذبة للأنظار وفاتحة لباب تكهنات يبني أطراف أساسيون عمارة حسابات عليها.
لا شك في ان هناك من يمضي في التأويل بعيداً عندما يسأل: هل ان صفحة المواجهات الضارية التي دارت رحاها على تلك الجبهة لأكثر من ثلاثة أعوام خلت قد آن اوان انطوائها الى غير رجعة، ام ان ثمة ناراً تحت الرماد يمكن ان تعود الى الاشتعال والالتهاب "غبّ طلب" هذه الجهة او تلك؟
مصدر عسكري مهمته الاشراف ميدانياً على هذه الجبهة، رسم في لقاء مع "النهار" استنتاجاً تأخذه قيادة الجيش وجهات اخرى معنية في الاعتبار، وعصارته "ان المجموعات المسلحة المنتمية الى المعارضة السورية والتي ما انفكت ترابط في تلك السلسلة هي الآن في اضعف حالاتها ولم تعد تمتلك لا القدرة ولا الزخم ولا المعنويات التي تدفعها وتؤهلها للقيام بهجمات وإغارات ومحاولات تقدم على غرار تجارب ومحطات سابقة، سواء في اتجاه مواقع الجيش او في اتجاه نقاط المراقبة والانذار المبكر والدشم التي سبق لـ"حزب الله" ان اقامها بشكل دائم بعد عمليات تطهير واحتلال نفّذها وشملت مناطق واسعة".
ويسجل الاستنتاج ان هذه المجموعات التي تنتمي الى طرفين اثنين غير متكافئين، اي "جبهة النصرة" وتنظيم داعش" (بعدما ابتلعا بالقوة المجموعات الاخرى او أبعداها نهائياً عن المنطقة)، باتت في وضع المطلوب منه المحافظة على مواقعه حيث هو فحسب، وهذا يعني في العِلم العسكري انها انتقلت من موقع الهجوم ومحاولة التقدم وتنفيذ عمليات كسب للجغرافيا وإشغال دائم للعدو، الى موقع الكمون والسكوت والانتظار قدر الامكان حتى تصير لاحقاً جزءاً من اية عملية "تسوية" ميدانية قد تحصل عاجلاً او آجلاً. وبمعنى اوضح لتكون ورقة قوة في اية مفاوضات ستجرى لاحقا تشمل كل منطقة السلسلة الشرقية اللبنانية والمقلب السوري من هذه السلسلة وتحديداً ما يُعرف بمنطقة القلمون.
ويروي المصدر اياه ان كل ما تحرص عليه هذه المجموعات في المرحلة الراهنة جملة اهداف، في مقدمها الحيلولة دون أخذها على حين غرة من اي جهة، ويبدو انها في وضع المطمئن حاليا، ومن ثم تثبيت وجودها وحضورها من خلال حرصها الدائم على تثبيت أعلامها ورفع راياتها مرفرفة، خصوصا ان عناصر الجيش المتمركزة في المواقع المتقدمة تمارس عملية قنص ورماية على هذه الأعلام والرايات دوما. وبالطبع تبدي هذه المجموعات حرصاً استثنائياً على الحؤول دون اي هجمات مفاجئة على مواقعها تجبرها على التقهقر او تلحق بها خسائر مادية او معنوية تكشف نقاط ضعفها وهوانها.
ويؤكد المصدر عينه انه في ظل هذه المعطيات فان المجموعات المسلحة كفّت في الآونة الاخيرة عن اي عمليات استفزاز حيال اعدائها كما كانت سابقا. ولا يخفي ان هذه المجموعات تعيش وضعا صعبا ومعقدا بفعل وقوعها تحت وطأة "حصار" غير معلن، اذ ان عمليات تزويدها المؤن والذخائر والاسلحة وحتى العناصر لم تعد بالسهولة السابقة وذلك لاعتبارات عدة، ابرزها ان "البؤر" اللبنانية والسورية (مخيمات النازحين السوريين في محيط عرسال ومشاريع القاع) التي كانت تتكفل بهذه المهمة تلاشت وضعفت، لاسيما بعدما نجح الجيش خلال الاشهر الماضية في توجيه ضربات موجعة لها أسرت بعض الرموز وقضت على البعض الآخر، خصوصا داخل عرسال وفي محيطها، فضلاً عن ان وحدات الجيش نجحت في نصب مكامن وحواجز جعلت التحرك والتنقل في تلك المناطق عبارة عن مغامرة غير مأمونة العواقب وغير مضمونة النتائج.
وفي موازاة هذه المعطيات والاستنتاجات الميدانية، ثمة قراءة تشير الى ان خريطة الوضع الميداني لهذه الجبهة التي القت بثقلها على الوضع البقاعي واللبناني عموما مدى اكثر من ثلاثة اعوام وكانت مصدر خطر دائم إن لجهة الهجمات على مواقع الجيش و"حزب الله"، او لجهة ارسال سيارات مفخخة وعناصر انتحارية، ما زالت مبدئيا على حالها. فهناك، الى مواقع الجيش ووحداته ومواقع المسلحين، مواقع "حزب الله" المتعددة والتي يسيطر المرابطون فيها بالنار على طرق ومعابر اساسية ويمارسون منها عمليات قنص وقصف على مواقع المسلحين تشعرهم دوما بأنهم تحت مرمى النار والانظار. وقد اكتسبت مجموعات الحزب خبرة نوعية جعلتها بمنأى عن اية مفاجآت محتملة بالتنسيق الدائم مع الجيش السوري. والحزب صار اكثر اطمئنانا من ذي قبل الى ان المسلحين في الجرود يحتاجون الى جهود استثنائية للعودة الى سيرتهم السابقة واستهداف مناطق بقاعية، إن عبر القصف او الاغارة، وهي لا تتوافر لديهم الان.
والى هذه الاطراف الثلاثة، ثمة كاميرات ومواقع مراقبة نصبها سابقا البريطانيون والاميركيون بذريعة رصد تحركات المجموعات الارهابية السورية، لكنها طُورت لاحقا وزوّدت كاميرات عالية التقنية لتشمل ايضا مراقبة مواقع "حزب الله" وتحركاته.
ثمة من يذهب في الاعتقاد بأن الصورة النمطية التي استقرت عليها الجبهة في هذه البقعة الجغرافية المتداخلة والتي تختصر في ثنايا شعابها وجرودها القصية الصراع في الميدان السوري، هي في العمق "مصلحة للجميع". فالكل يستفيد بشكل أو بآخر من بقاء هذا الجبهة موجودة وباردة في آن واحد.
ولم يعد خافيا ان اللبنانيين الذين تفاعلوا سابقا مع هذه الجبهة سلبا وايجابا، ايقنوا اخيرا انها صارت معدومة الفائدة وعديمة النفع. كذلك فان السياسيين في بيروت اسقطوا منذ زمن هذه الجبهة من حساباتهم بعدما كانت معقد رهان ومادة دسمة.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم