الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

التوتر مع أميركا في لب الانتخابات الإيرانية لكن لا عودة محتملة للعداء في بداية الثورة

روزانا بومنصف
روزانا بومنصف
A+ A-

على غرار ما شكلت إيران باتفاقها النووي وتصنيفها راعية من رعاة الارهاب اولوية في الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترامب بعناوينها للسياسة الخارجية، فإن ما شهدته طهران من تظاهرات في الذكرى الثامنة والثلاثين للثورة الخمينية يوم الجمعة الماضي لا ينفصل أيضا في بعض جوانبه عن الاستعدادات للانتخابات الرئاسية الايرانية في أيار 2017. إذ يصعب حشد الشعوب على قضايا سياسية ما لم ترسم في الافق عدوّا يجري استنفارها على أساس مواجهته والتصدي له. وهذا كان سهلا بالنسبة الى الرئيس الاميركي، خصوصا أن توقيع الاتفاق النووي مع طهران من جانب ادارة الرئيس باراك اوباما ترك انقسامات حادة في الكونغرس الاميركي، في الوقت الذي لا تجد ايران بعد متعاطفين معها على الصعيد السياسي في الولايات المتحدة، ولن يكون الامر صعبا بالنسبة الى المتشددين الايرانيين الذين يمكن ان يسعوا الى دفع الامور في اتجاه مصالحهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة في ضوء المواقف الاميركية. ومن بادر الى التصدي الى ادارة الرئيس الاميركي كان رئيس الجمهورية حسن روحاني الذي نقل عنه قوله إن أي شخص يهدد الايرانيين سيندم، وهو ما استدعى ردا مقابلا على روحاني من الرئيس الاميركي مفاده "من الافضل له أن يبقى حذرا". وتبعا لما شهدته الاشهر الاخيرة الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية الاميركية في تشرين الثاني من العام الماضي من تجاذب على خلفية تدخل روسيا غير المباشر في هذه الانتخابات عبر اختراقات الكترونية لحسابات الحزب الديموقراطي وما الى ذلك، فإن مراقبين متابعين يرجحون أن تشهد الاشهر القليلة المقبلة الفاصلة عن الانتخابات الايرانية فصولا مشابهة على سبيل توظيف التصدي للادارة الاميركية في هذه الانتخابات ومنع تدخلها فيها عبر اداء قد يخدم المتشددين مثلا. ويقول هؤلاء إن التريث الذي أبداه الرئيس الاميركي إزاء ادراج الحرس الثوري الايراني على لوائح رعاة الارهاب، يتصل بجانب منه بحتمية درس الانعكاسات التي يمكن أن تترتب على الاجراء الاميركي بما في ذلك الحسابات المتصلة بمدى رغبة الادارة الاميركية في عدم استثمار هذا الاجراء في غير موقعه ولمصلحة ما يمكن ان يرتب من انعكاسات سلبية ليس على الولايات المتحدة فحسب، بل على حلفائها أيضا، علما ان هناك تلاقيا متعددا من ان الحرس الثوري هو المسؤول عن السياسة التوسعية لايران في المنطقة كما عن ممارساتها، وفي المقابل ثمة عجز لدى الاصلاحيين في مواجهة سيطرة الحرس الثوري. والامر ينسحب ايضا على تجنب اي قرار متسرع في شأن نقض الاتفاق النووي، علما أنه في هذه المسألة بالذات كان ثمة شبه إجماع من الدول الموقعة مع الولايات المتحدة على الاتفاق مع طهران حول موضوع اسلحتها النووية، وان صوتا واحدا تم ابلاغه الى الادارة الاميركية بوجوب عدم نقض الاتفاق او السعي الى اعادة التفاوض حوله. وثمة من يضيف اخضاع موضوع نقل السفارة الاميركية الى القدس وفق وعود سابقة للرئيس الاميركي بدرس دقيق في هذه المرحلة لعدم اعطاء بعض التنظيمات او الدول كايران مثلا اوراقا يمكن ان توظفها في هذه المرحلة. وهو امر يختلف عن الموقف من النشاط الاخر لطهران بتهريب اسلحة الى الحوثيين مثلا وفق لما تم ضبطه في سفن كانت متوجهة الى الحوثيين في اليمن او ما يستند اليه من تصريحات للامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله عن تلقي الدعم كاملا من ايران. لكن لم يفت المراقبين ان التصعيد الايراني في وجه الولايات المتحدة لم يرق الى الحدود التي عرفها من قبل، وكان منضبطا تحت سقف معين على رغم بلوغ التصريحات العلنية من جانب مرشد الجمهورية او رئيس الجمهورية في ايران سقفا خطابيا عالي النبرة في مقابل نبرة مماثلة من الرئيس الاميركي، فيما يجزم المراقبون بأن ثمة صعوبات كبيرة في عودة العلاقات الى سابق عهدها من العداء، لكن من دون ان تخلو من الكثير منه في الوقت نفسه، في انتظار الترجمة العملية للموقف الاميركي من جهة وطبيعته من جهة اخرى. وما قاله الرئيس الاميركي من "ان ايران تلعب بالنار وهم لا يدركون كم كان اوباما لطيفا معهم اما انا فلا"، هو امر لن يمكن ترامب التراجع عنه كما حصل بالنسبة الى حظر السفر الذي نقضه القضاء الاميركي.


لكن تصاعد وتيرة التوتر بين الجانبين الاميركي والايراني لا ينحصر بالتوظيف في الانتخابات من هنا او هناك. فحتى الآن ثمة ملامح لعودة اميركية الى المنطقة من باب إعادة تقوية العلاقات وتوثيقها مع الدول العربية والخليجية منها بنوع خاص، في مقابل إعلان النية للتصدي للطموحات الايرانية في المنطقة بما يرضي اسرائيل ايضا. وهذا يترك الباب مفتوحا أمام إلى عودة التوتر الى مناطق او دول في المنطقة على خلفية التجاذب الاميركي - الايراني. واذا كان العراق هو إحدى أبرز الساحات المرشحة لفصول هذا التجاذب في ضوء وجود مزدوج لكل من الولايات المتحدة وايران هناك، فإن المسائل الحساسة في المنطقة ستكون رهنا بطبيعة العلاقة التي يمكن ان تكون بين الولايات المتحدة وايران التي لها امتدادات من العراق واليمن الى سوريا ولبنان بما يمكن أن يجعل الامور صعبة جدا تحقيقا لغاياتها ومصالحها، في الوقت الذي لا تملك الولايات المتحدة نقاط قوة ما يكفي نتيجة تراجعها في المنطقة. لكن ذلك سيترك الاوضاع الداخلية معرضة للتجاذبات والتوتر باعتبار ان دول المنطقة غدت بمثابة ساحات يجري الكباش فيها على نحو مباشر او غير مباشر. وثمة من بدأ يترقب بقلق اتجاهات هذه المسألة في المرحلة المقبلة.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم