الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

الفنان السوري غسّان نانا في "غاليري آرت أون 56" \r\nلوحة الماضي والحاضر في ضباب الحقيقة الهشّة

محمد شرف
الفنان السوري غسّان نانا في "غاليري آرت أون 56" \r\nلوحة الماضي والحاضر في ضباب الحقيقة الهشّة
الفنان السوري غسّان نانا في "غاليري آرت أون 56" \r\nلوحة الماضي والحاضر في ضباب الحقيقة الهشّة
A+ A-

في النشرة الموزّعة في "غاليري آرت أون 56"، حيث يُقام معرض غسّان نانا، يمكن قراءة الملاحظات الآتية: يعمل نانا على تقديم رؤية لحقيقة هشّة. رسومه تعبق بأجواء ضبابية تحاول الجمع ما بين الفعل والمتخيّل، وما بين الحقيقة والأوهام، كما ما بين الماضي والحاضر، وكأنه يريد إستعادة لحظات ماضية عبر الإنفعالات والغرائز والذكريات.
غسان نانا، الذي ولد في سوريا العام 1971، وتابع دراسة الفن فيها، كان عرض أعماله في بلدان عدة من جهة، وتأثّر، من جهة أخرى، في ما يختص بما أنتجه أو لا يزال يعمل عليه، بفنانين عالميين، شأنه شأن معظم المشتغلين في مجال التشكيل. كما أنه، ومن خلال معرضه الحالي، ينضمّ إلى قافلة الفنانين السوريين الكثر، ممن شاؤوا عرض أعمالهم في العاصمة اللبنانية، بعدما صارت إمكانات العرض شبه معدومة، أو محاطة بالمصاعب، في بلدهم الأم، ما يوفّر لدينا القدرة على رصد جزء مهم من إرهاصات الفن السوري خلال السنوات الخمس الماضية.
إلى ذلك، ينضم غسان نانا، أيضاً، إلى قافلة الفنانين السوريين الذين أتى تفاعلهم مع الحدث الجلل، الذي يعصف ببلادهم، ضمن الاتجاه الذي لم يتعاط مع الأزمة الماحقة في شكل تعبيري مباشر، من حيث تمثيل بعض تفاعلاتها وصورها على النحو الذي نراه في وسائل الإعلام، اللاهثة وراء صور الأزمة في شكلها الأكثر مأسوية، وحتى الأشدّ بشاعة. يُخيّل إلينا وكأن أعمال نانا، المعروضة أمامنا، لا تنتسب حكماً إلى بيئة أو منطقة معينة، بقدر ما يعتمل فيها من إمكانات تعبيرية شمولية ترتكز على رؤى ذاتية أكثر من استنادها إلى الواقع المعيش، ولو في حدوده الدنيا. فالذات والعامل الشعوري، لدى نانا، هما الصانع الأساسي للمنتج، ومنبع الصور التي أتت في معظمها، إن لم تكن كلّها، ضبابية، وبالكاد يمكننا أن نميّز فيها، في بعض الأحيان، قامات إنسانية في أوضاع مختلفة، مجتمعة حول فعل غير محدد.
على أن الانطباع الصادر عن تلك الوضعيات، وشكل تحلّق المجموعة حول محور غير مرئي، يشير إلى أن ثمة حواراً يدور بين الأفراد، وإن كان من الصعب تحديد كنهه. يقول غسان نانا إن ذاكرته البصرية ترتكز على تصوّر أعمال بيكاسو، وأحلام إيرونيموس بوش وبروغل، وحتى خطوط بوتيتشللي في رسم القامات الذي برع فيه الفنان الفلورنسي، إضافة إلى ما تركته في نفسه من أثر، وجوه الفيوم المصرية والتصوير الإسلامي. لكننا، والحق يُقال، لم نر أثراً كبيراً ومباشراً للعديد من هؤلاء في اللوحات الحاضرة أمامنا، علماً أن هذا الأمر ليس واجباً في حرفيته، وربما كان نانا يرمي إلى القول أن الذات الفنية كانت "طحنت" هذه المؤثرات كي تعيد صوغ المفاهيم من منظور شخصي، إذ إن الخط يغيب تقريباً في أعماله لتحل محلّه حدود هلامية، أحياناً، بين القامة البشرية والخلفية، أو ما يحيط بتلك القامة من مساحة. وإذا شئنا البحث عن نوع من التماثل النسبي، لقلنا إن أعمال غسان نانا كانت ورثت بعض أجواء رامبرانت، الذي يسمّيه الفنان من ضمن القائمة الآنفة الذكر، بيد أنه ينجح في دفع هذه الأجواء نحو مرافق الجانب الحلمي، معقوداً على شعور بأن ألغازاً ما تحيط بتلك الجماعات البشرية، ولا تستقيم الأمور في منحاها الواقعي، الذي يشي بالفعل بوضوح، إلاّ في بعض الأحيان، كما في ذلك العمل الذي يمثّل عازفين اثنين: رجل خلف البيانو، وقربه سيدة تلعب على آلة الكمان. هذا، في حين أن خلفية الأعمال ذات ألوان متداخلة، وتحمل العديد من مظاهر الأسلوب الإنطباعي، وكأن نانا يشاء، في أعماله، المزج ما بين الأساليب والعصور، خدمة للهدف التعبيري الذي يسعى إليه.


 فنان وناقد تشكيلي وأستاذ جامعي

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم