الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

من هتلر وموسوليني إلى بوتين وترامب وفيّون: التاريخ يعيد نفسه

المحامي عبد الحميد الأحدب
من هتلر وموسوليني إلى بوتين وترامب وفيّون: التاريخ يعيد نفسه
من هتلر وموسوليني إلى بوتين وترامب وفيّون: التاريخ يعيد نفسه
A+ A-

التاريخ إذا أعاد نفسه، فإنه حدث خطير في المرة الأولى ومهزلة سخيفة في الثانية!
المؤشرات تدل على أنّ التاريخ بدأ يعيد نفسه: المرة الأولى مع هتلر وموسوليني منذ أقل من ثلاثة ارباع القرن، والآن مع بوتين ثم ترامب وفيون أو لوبين، الى إنكلترا المنسحبة من أوروبا.
ترامب اختار بوتين في انتخابات الرئاسة الأميركية، وفيون اختاره بوتين في انتخابات الرئاسة الفرنسية، ولم ترفّ عين في فرنسا لهذا الاختيار المعيب، في وقت ينزف حمام الدم في حلب. فرنسا هي بلد الثورة الفرنسية وواضعة شرْعَة حقوق الإنسان، بينما هولاند الذي قاطع بوتين تدحرجت أحواله وشعبيته الى أدنى الدرجات، ماذا يحصل للديموقراطية الفرنسية؟ أين ديغول يا فيون؟ من هو فيون؟
في الأسابيع التي تلت مجزرة مدينة نيس الساحلية في شهر تموز الماضي، والتي قضى فيها 80 شخصاً وجرح المئات، أصدر فيون كتاباً بعنوان: "الانتصار على التوتاليتارية الإسلامية". وفي معرض تقديمه للكتاب، في شهر تشرين الأول الماضي لموقع "أتلانتيكو" اليميني الإخباري، عرض فيون فلسفته كالتالي: "نحن (أي الغرب) لا نواجه تهديداً عابراً بل حركة جامحة تهدف الى السيطرة على قسم من العالم باللجوء الى أيديولوجيا وطرق توتاليتارية، بل إنها تلجأ الى ارتكاب عمليات إبادة ضد مسيحيي الشرق واليهود الذين تريد طردهم من إسرائيل". وذهب فيون الى التحذير من حصول "حرب عالمية ثالثة".
انكلترا انسحبت من أوروبا لتبقى وحدها، وتترك أوروبا تعاني صلافة بوتين وترضخ له طوعاً، كما شمبرلين أيام زمان.
أيام هتلر وموسوليني وستالين كانت الديموقراطيات ضعيفة، وذهب وقتها شمبرلين رئيس وزراء انكلترا الى هتلر يتوسل اليه أن يوقّع اتفاقاً للسلام والأمان على ورقة! وأعطاه هتلر الورقة، كما يعطي اليوم بوتين الوعود البرّاقة لترامب وفيون ولوبان والسيسي. فعاد ليقول إنه بموجب هذه الورقة أمَّنَ السلام والأمان للعالم. فقال له وقتها ونستون تشرشل: تخلّيتم عن الشرف والكرامة من أجل السلام وستخرجون بلا سلام ولا كرامة ولا شرف... وهكذا حصل.
ولكن هتلر بعد توقيع الورقة بشهرين عاد وانقضَّ على بولونيا وبدأ حربه على أوروبا!
آنذاك كان اليهود هم سبب الشرّ على الإنسانية، الآن وضعوا المسلمين حيث كان اليهود! في حين أنّ المسلمين هم أول ضحايا "داعش" والتكفيريين، وفي حين أن بوتين الذي يجذب إعجاب الغرب لم يطلق رصاصة على "الرقة" ولا على "داعش"، كل قصف طائراته ينصبّ على المعارضة المعتدلة المطالبة بالحرية في حلب.
ولكن هذا هو التاريخ. دخلنا الآن مرحلة المهزلة التاريخية التي أعادت نفسها، فأميركا كانت هي التي حمت الحرية والديموقراطية في أوروبا مرتين في القرن العشرين، وهي التي أنقذت أوروبا من هتلر وموسوليني. الآن انتخاب ترامب في أميركا يعبّر عن أشياء كثيرة تناقض الماضي، ومن أهمها:
1 - إن العالم ذاهب الى عدم استقرار مقلق بنتيجة فك اميركا ارتباطاتها وتحالفاتها الأوروبية واليابانية والكورية.
2- انتخابات الرئيس الأميركي كانت دائماً "أزمة" اجتماعية وسياسية أميركية، هذه المرة صارت دولية أيضاً!
3- الحرية لا تكون بدون الأخلاق، والأخلاق لا تقوم بدون الإيمان. هذه المرة طلّقت أميركا الأخلاق والإيمان وفقدت الحياة السياسية الأميركية الاحترام والهيبة بعد فتح أدوات التواصل الاجتماعي أمام الناس كلهم، فصارت الأحاديث السائدة في السياسة مبتذلة وشعبوية تُعبِّر عن اهتمامات ضيقة: يوماً بيوم! وأدّى ذلك الى صراع بين المجتمع الأميركي المركّب والدولة وشرعيتها وصار المجتمع المركَّب الذي أُسقطت نُخَبَه ينافس شرعية الدولة التقليدية بشعبوية كانت تُعرف عن الدول الأفريقية والعربية وهذا الصراع حَكَمَ المانيا وإيطاليا أيام هتلر وموسوليني.
4- يعبّر انتخاب ترامب عن سقوط النخبة السياسية: كما في مستشفى، كل المرضى فقدوا الثقة بالأطباء وصاروا يرفضونهم، ولكن النخبة السياسية وحدها سقطت، أمّا النخبة الرياضية والنخبة السينمائية والنخبة الغنائية فبقيت كلها مقدسة وبقيت شرعية وجاهتها والثروات التي تحققها. وهذا تماماً ما حصل أيام هتلر وموسوليني.
5- فكرة وحدة الشعب، بل حتى فكرة "الشعب" سقطت ولم يعد لها وجود، حلّت محلها الشعبوية. وصار ما كان يُعرف بالشعب: شعوباً! العرق الأبيض انتصر في اميركا بصراحة ووقاحة على العرق الأسود والعرق الإسباني، وكان انتخاب ترامب الأبيض انتقاماً من انتخاب أوباما الأسود، وذهب ادراج الرياح "المجتمع المتعدد الثقافات" ومعه "التعايش"، وهذا ما حصل تماماً أيام هتلر وموسوليني.
6- سقطت نظرية الأكثرية التي تحكم وأعْلَنَ تيار ترامب أنّ الذين ينتخبون هم 30% على أكثر حد! والأكثرية في هذه الأقلية هي 16% أي أنّ كل 100 أميركي تحكمهم أقلية من 16%، وبالتالي فالديموقراطية هي حكم الأقلية، وهكذا صارت السياسة أكثر فأكثر لاعقلانية تخطّها العواطف وليس العقول، كما أيام هتلر وموسوليني.
7- الخوف استحكم بالعنصر الأبيض الأميركي والأوروبي من المهاجرين الزاحفين بثقافة ومفاهيم مناقضة للثقافة ومفاهيم وحضارة الغرب. في المانيا فتحت "ميركل"الأبواب لمليون سوري فاعتدوا على النساء الألمانيات واغتصبوهنّ ليلة رأس السنة في كولونيا. والخوف من المهاجرين ولّد خوفاً من السيطرة على الأرض.
والآن... بوتين هو مركز الجذب، والديكتاتوريات تقف أمامه مؤيدة مقدمةً الولاء: اردوغان، السيسي، و... أمّا الديموقراطيات فمعجبة به وتخطب ودّه لأنه يقضي على التكفيريين (كذا) ترامب اختاره وهو اختار فيون!
هل يعيد التاريخ نفسه؟
التاريخ يسير ثلاث خطوات الى الأمام ثم خطوة الى الوراء، ثم يستعيد سيره بعد ذلك الى الأمام، نحن على ما يبدو في مرحلة الخطوة الى الوراء التي يخطوها التاريخ.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم