الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

الاصلاح يُغتال بين المجتمع الأهلي والمدني

جمال القرى
A+ A-

يحضّ الواقع السياسي اللبناني ليس على اليأس، بل على ضرورة تكرار وتطوير محاولات تحركات ما يسمّى "المجتمع المدني" الهادفة لإحداث خرق اصلاحي في بنية التكوين اللبناني ككل.


ان عدم تسجيل أي خرق جذري حتى الآن، يستدعي قراءة تقويمية ونقدية لهذا المجتمع المدني، خصوصاً في ظل اللغط الذي يدور حول مفهومه وهويّته ودوره وارتباطاته، في محاولة للنيل منه لحساب استمرارية السلطة السياسية المنهارة، وفي ظل ما تشهده الساحة العربية والاقليمية من حراكات مدنية وسياسية تغيّر وجه المنطقة.
في لبنان، يشظّي نظام الدولة المشطور ما بين السياسي والطائفي مجتمعه المدني الى مجتمع اهلي ومجتمع مدني. فالمجتمع الأهلي يرتبط بالدولة عبر وسيط هو الطائفة، التي وبحسب المفهوم المثالي - الهيغلي، هي الممثّل الديني والسياسي له، ولكن بشروطها، فأفراده ومجموعاته يشكّلون ضرورتها الخارجية، وهم محرومون من الاستقلالية، وخاضعون بالتمام، وتابعون لها بصفتها البدنية وليس الاجتماعية ومن ضمن قوانينها ومصالحها. والدولة من خلال نشاطهم الفردي ونشاط مؤسساتهم شبه المكتمل، تمارس هيمنتها من اجل الاستمرارية. وباحتساب ان لدينا 18 طائفة، يعني 18 ماكرو مجتمع اهلي متشابه، عدا عن متفرعاتهم العائلية والعشائرية، وارتباطهم بالدولة عبر 18 مسرباً بصفتهم الرعوية، وليس المواطنية، كل اشتباك في ما بينهم يؤدي الى انشقاقٍ جديد في الدولة والى اضعافها.
اما المجتمع المدني، وبحسب ساري حنفي، فهو تلك المجموعات (والافراد) المرتبطة بـ "حاكمية الدولة" مباشرة، اي من دون اي وسيط، وتتمتع بحيّزٍ كبير من الاستقلالية، وتسعى لتحقيق وجودها السياسي عبر القوانين والتشريعات، وهي تتوزع على مستويين، الأول، هو المجموعات المنضوية في مؤسسّات تُموّل من المنظمات الدولية، وهي تكتسب مواقع جديدة لها على حساب الأحزاب السياسية والنقابات، وتنشط بشكل بنّاء ومنظّم في أوساط النساء والشباب والناشطين في مجال الحقوق المدنية والانسانية وغيرها. وتحتّل دور الوسيط في حلّ الصراعات بين الدولة والمؤسسّات المتعدّدة الطرف، بتبنّيها سياسة الاصلاح دون التدمير. وتفاوض من خلال خطابات محليّة ووطنية وعالمية، تبعاً لمراكز عمل نخبها، المحلية كتكنو - بيروقراط، أو المعولمة في الامم المتحدة والشبكات الدولية وغيرها. مع ملاحظة أن ازدهارها ودورها الوسيط، والذي ينوِّع فعلاً فاعلي الحكم، لا يؤدّي بالضرورة الى دمقرطة المجتمع وتقويض أسس هيمنة فاعلي حاكمية الدولة.
اما الثاني، فهو المجموعات المنتمية الى "حركات الاحتجاج اللامؤسساتية"، الفاعلة خارج النطاق الرسمي للدولة وللمجتمع المدني. فهي تشكّل ما يُعرّف بـ"المجتمع السياسي"، ويتّخذ فعلها شكل المقاومة الصامتة، لتفادي ممارسات القوة ضدها. وتتأثر بإرادة زعماء ووُعّاظ طائفيين وعشائريين ودينيين، أكثر من تأثرها بأفراد النخب المحلية والمعولمة، وتستخدم وسائل الاتصال الحديثة، من مدوّنات ومواقع تشبيك اجتماعي بهدف التواصل. وأفرادها المختلفون، غالباً ما يكونون في قلب العولمة ومتأثرين بها، ويحملون مشاريع لتحديث المجتمع قد يتحالف مع الدولة والمجتمع المدني، وقد يختلف. كما يمكن تسجيل مكان ولو بنسبة قليلة، لمؤسسات ذات طابع اهلي - مدني مشترك، حيث ان ظاهرها الاهلي لا يمنع عنها انجازاتها المدنية.
في قراءة تقويمية لانجازات هذا المجتمع المدني واخفاقاته، يتبيّن ان المعوّقات التي تعترضه، هي أكبر بكثير من الامكانات المتاحة له، فعدا عن خلله الداخلي، فهو في مواجهة ليس فقط مع سلطة" الدولة" كأداة عنفية، بل في مواجهة أشدّ مع سلطة المجتمع الأهلي كأداة هيمنة على كل فضاء المجتمع اللبناني، وكأداة مساندة لسلطة الدولة، لدعم وجودها واستمراريتها، متسلّحة لذلك، بثقافة ووعي هما ثقافة ووعي الطوائف المتسلّطة. لذلك، لا بد لهذا المجتمع المدني من اجراء نقد دائم لكل تحركاته، واعادة تقويمها حيث يمكن قراءة اسباب الفشل او الاخفاق والتراجع وخصوصاً التحركات الكبرى كتظاهرة 14 آذار، وحملة اسقاط النظام الطائفي، وتظاهرات هيئة التنسيق واعتصاماتها، واعتصام ساحة النجمة الأخير ضد التمديد، اذ من المكان التي وصلت اليه هذه الاعتصامات، يمكن تلخيص بعض المعوّقات الاساسية:
1 - الصراعات بين المنظمات ذاتها، بسبب الشروط المتبادلة لفرض رؤية خاصة على اي تحرك، مما يبعثر الشعارات، ويُبعد التقارب المفترض.
2 - ازدياد عددها الى الآلاف، وفي غالبية ساحقة غير مجدية، عدا عن استحالة تأطيرها في تحرك مشترك.
3 - تأثّر جزء كبير منها بالانقسامات السياسية الحادة بين 8 آذار و 14 آذار.
4 - قدرة المجتمع الاهلي على فرض رؤيته في التحركات الكبيرة المشتركة لمصلحة افرقائه واولياء نعمته.
5 - قدرة النظام على خرق اي تحرك يشعر بامكان توسعه وانفلاته من السيطرة، كأن يدخل عناصره بصفتهم المدنية الى واجهة التحركات مما يفقدها روحها ومضمونها وهدفها.
6 - هجوم المجتمع الاهلي على المدني لتشويه صورته عند اي انجاز او استحقاق.
ان حاجة المجتمع المدني باتت ضرورية للتجمّع ضمن أطر سياسية متنوعة، فيها يستثمر كل انجازاته ويراكمها، عوض استثمار قوى الأمر الواقع لها.


طبيبة وناشطة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم