الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

الحلم الأميركي الضائع

الحلم الأميركي الضائع
الحلم الأميركي الضائع
A+ A-

خيّبتنا كثيراً أميركا. موسمها الانتخابي الأطول أساء الى صورتها وحطم أحلام الكثيرين منا. أرض الفرص والطموحات كانت طوال أكثر من سنة ونصف سنة أرض الكوابيس والخيبات.
كان صادماً ما رأيناه على مدار 18 شهراً. البلاد التي تباهت دوماً بحرياتها صارت مسرحاً للتعصب والعنصرية وكره النساء. الأفكار البغيضة التي اعتقدنا أنها حكر على الداعشيين وأمثالهم غزت حملة مرشح للبيت الأبيض. سياسة بناء الجدران التي تذكر بالفصل العنصري، صار شعاراً انتخابياً في الديموقراطية الاميركية. مرشح يعلن الحرب على طائفة تعد ملياراً ونصف مليار نسمة صار منافساً أساسياً على البيت الابيض بدل أن يُحجز له مكان في مركز للتأهيل. تلك البلاد البعيدة التي حلم الكثيرون بالتشبه بعاداتها وتقاليدها صارت تشبهنا. تشكيك ترامب في نتيجة الانتخابات قبل حصولها سابقة في تاريخ أميركا ويتناسب أكثر مع أجوائنا. وتهديده بسجن منافسته إذا فاز، يشبهنا أكثر بكثير مما يشبه أميركا.
من حق الأميركيين، سوداً وبيضاً ولاتينيين، نساء ورجالاً، مسلمين ومسيحيين وهندوسا وبوذيين، سكان قرى وأهل ريف، من حقهم جميعاً أن يقلقوا على مستقبلهم الاقتصادي. فالقوة الاقتصادية الأولى تخرج للتو من ركود هو الاطول منذ الكساد الكبير بسبب سياسات اقتصادية فاشلة لمؤسستهم السياسية وحيتان وول ستريت. من حقهم أن يحلموا بأميركا عظيمة مجدداً. لكن أميركا التي وعدهم بها ترامب ليست إلا وهماً. المرشح الجمهوري تلاعب بالاميركيين وهواجسهم بطريقة بشعة. استغل قلق العاطلين عن العمل لمهاجمة المهاجرين واتفاقات التجارة الحرة. وعوده بإعادة الوظائف إليهم ليست واقعية، لأن تلك الوظائف التي خسروها لم تذهب إلى المكسيكيين كما يدّعي، وإنما حلت محلها الآلات والشرائح الالكترونية. وفكرة أنّ عدداً كبيراً من الوظائف الصناعية اليدوية ستعود بمجرّد بناء جدار مع المكسيك أو إعادة التفاوض في شأن اتفاقات التجارة هي "خيال"، كما يقول توماس فريدمان.
لا عذر للأميركيين للرضوخ للخوف والانسياق وراء أوهام. تجاوزت بلادهم ظروفاً أصعب بكثير مما تشهده الان، من حرب أهلية مدمرة الى مشاكل اقتصادية... لتعود وتصير الاقتصاد الاول في العالم. شهدت اغتيال زعماء سياسيين تاريخيين، ثم نجحت في إنتاج زعماء جدد صنعوا التاريخ أيضاً. لم تخل حملاتهم الانتخابية من مرشحين غريبي الاطوار بسبب نظام انتخابي غريب أيضاً، إلا أن نظرة العالم الى السياسة الداخلية لأميركا تحديداً بقيت دوماً نظرة تقدير وإعجاب. بعد كل ما سمعناه ورأيناه، لن يعزينا وصول امرأة إلى المنصب الأقوى في العالم. فأميركا لن تخرج متعافية تماماً من هذه الانتخابات، والفوز الذي سيحققه الرئيس الجديد، أيا يكن، سيبقى ناقصاً ما لم يعد إلى مواطنيه وإلى الحالمين بأميركا، الامل في حلم ضائع.


[email protected]
Twitter: @monalisaf

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم